الحرب طويلة… وهذه هي ملامحها
طوي الشهر الأول من الحرب المفتوحة التي أعلنتها إسرائيل ليس على “حزب الله” فقط، بل على كل لبنان. لم يكن أحد من المتابعين بعد عملية تفجير “البيجرات” في 17 أيلول الماضي يتوقع أن تقدم تل أبيب على ما أقدمت عليه، وأن ترتكب المجازر غير المسبوقة ضد بلد عربي سبق لها أن وصلت في العام 1982 إلى عاصمته، وهي العاصمة العربية الوحيدة التي حاصرتها الدبابات الإسرائيلية”، وأن تتمادى في تحدّي الإرادة الدولية غير آبهة بما يصدر من بيانات تحذيرية، وكان آخرها للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي طالب الولايات المتحدة الأميركية بوقف تزويدها بالسلاح.
وعلى رغم كل هذه النداءات فإن الغارات الإسرائيلية لم تتوقف، بل ازدادت حدّتها لتطال مناطق خارج نطاق تلك المستهدفة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وأمس طاولت أوتوستراد جونيه، مما يؤشرّ إلى أن الحرب بالنسبة إلى أهدافها غير المعلنة، والتي يُخشى أن تتعدّى تلك المعلنة، لا تزال في بداياتها، خصوصًا مع توالي الأخبار عن استعادة “حزب الله” زمام الأمور الميدانية بعد نكسة اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله، وبعدما أثبت قدرته على ردّ الهجمات المتتالية على القرى الحدودية الأمامية ومنع قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي من تحقيق أي خرق برّي، بالتزامن مع مواصلة توجيه صواريخه الدقيقة إلى العمق الإسرائيلي، وآخرها استهداف منزل بنيامين نتنياهو في قيساريا، وتوازيًا فإن الاعلام الحربي، الذي بدا تفاعله مع الأحداث خجولًا في مرحلة من مراحل بدايات الحرب، قد استعاد بعضًا من ثقة الواثق وكأن هذه الحرب قد بدأت بالأمس. وهذا مؤشر آخر إلى أن الحرب لا تزال طويلة على رغم الكمّ الهائل من الخسائر البشرية والمادية التي يتكبدّها لبنان، مع بروز تساؤلات عن مدى إمكانية صمود اللبنانيين اقتصاديًا واجتماعيًا في ظل تفاعل أزمة النزوح، التي تخطّت القدرات المحلية والرسمية.
وقد أثبت “حزب الله” من خلال استعادة بعض من عافيته الميدانية على رغم ما يتكبده من خسائر جسيمة أن عامل المعنويات يوازي بأهميته العوامل اللوجستية والقتالية. ومن دون هذه المعنويات يفقد المقاتلون على الجبهات الكثير من الاندفاع. ولأن لهذا العامل تأثيرًا مباشرًا على المقاتلين الصامدين في وجه محاولات الاقتحام المتكررة فإن الاعلام الحربي، وهو الخبير في التعامل مع الوقائع الميدانية، قد نجح في الأيام القليلة الماضية في تظهير الصورة على غير الحقيقة التي يحاول الاعلام الإسرائيلي تصويرها. ومن بين التكتيكات التي بدأ “الحزب” باستخدامها في محاولة منه لرفع المعنويات وقف إصدار البيانات عن أعداد شهدائه الذين يسقطون في الميدان أو بالقصف الذي تتعرض له المناطق المستهدفة، مع اتخاذه إجراءات قد أثبتت فعاليتها من خلال عدم الكشف عن أسماء قادة الوحدات العسكرية الجدد، مع تشديد الرقابة على كل المشتبه بهم بأنهم “مخبرون” لدى “الموساد”. وقد يكون تراجع مستوى عمليات الاغتيال من بين الدلائل، التي قد يُستدّل منها نجاح الخطط الارتدادية لـ “الحزب”.
وبهذه الاستعادة، وعلى رغم إعلان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في الاطلالة التي سبقت اطلالته الأخيرة استعداده المشروط لوقف النار، يمكن القول بأن الحرب لا تزال في بداياتها، خصوصًا أن إسرائيل ذاهبة في اتجاه ترجمة “مكاسبها” التكتيكية إلى “مكاسب” استراتيجية، يمكن أن تدخل تحت عنوان رئيسي كبير وهو ما يُرج على تسميته “شرق أوسط جديد”، مع ما يعنيه ذلك من تداخل العوامل الخارجية مع العوامل الداخلية سواء في قطاع غزة وفي لبنان، وربما في مرحلة لاحقة في سوريا، التي لم تتعافَ بعد مما عانته في السنوات الثلاث عشرة الأخيرة من معارك يمكن وصفها، على حدّ ما يقوله الخبراء في المسائل الشرق – أوسطية، بأنها “تقسيمية”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook