طلاب الجامعات الخاصة واللبنانية.. مثقلون بالانهيار وهذه معاناتهم
باتت الأزمة الاقتصادية في لبنان، والتي تضرب مختلف مفاصل الحياة، هاجسا مزعجا للطلاب. وفي ظل الظروف الصعبة وشح فرص العمل ،قد يصبح التعليم الجامعي حكراً على فئة من الطلاب مع ارتفاع قيمة أقساط الجامعات الخاصة، بينما الجامعة الرسمية الوحيدة في لبنان تكافح للاستمرار.
منذ بدء أزمة الجامعة اللبنانية، ينحصر “النزاع” بين إدارتها من جهة والأساتذة وروابطها من جهة ثانية، وبينهما يقف الطلاب مكتوفي الأيدي، يتحمّلون تبعات الصراع بصمت. وطلاب الجامعة اللبنانية فاض كأس معاناتهم، حيث يبدأ العام الدراسي في الجامعة كل سنة بصعوبات كبيرة تتفاقم بانتهاء العام الذي يمضي على الطلاب بشق الأنفس وسط إضرابات وغيرها من المشاكل.
و يواجه معظم الشباب اللبناني صعوبات في ضمان استمراريته التعليمية ضمن المؤسسات الجامعية الخاصة، ومع اتجاه الجامعات الخاصة الى فرض تسديد فواتير الأقساط وغيرها بالدولار فبين غلاء الأقساط وأزمات القرارات التي تتخذها ادارات الجامعات الخاصة دون رقيب وبين وضع اقتصادي لا يعرف الاستقرار كان الطلبة هم الفئة الاكثر تضرراً في تلك المعادلة. حيث قوضت زيادة رسوم الدراسة الجامعية فرص طلاب لبنان في التعليم الخاص حيث باتت هذه الأزمة تهدد بإبعاد عدد كبير منهم عن مدرجات الجامعات.
واعتاد لبنان أن يفخر بنظام التعليم فيه، لدفع الطلبة اللبنانيين إلى استكمال دراساتهم في الخارج، وهو ما أصبح الآن حلما صعبا للجميع. وعبر عدد من الطلاب الذين يدرسون في الجامعات الأجنبية الخاصة في لبنان عن استيائهم من هذه الأزمة التي لم تستثن أيضا الطلاب في الخارج.
فلقد دفعت هذه الأزمة عدداً كبيراً من الطلاب الى التسرب من التعليم، أو التوجه نحو جامعات أقل كلفة وأقل جودة، أو الهجرة وخسارة الأدمغة. وإذا بقي موضوع التعليم مهمشاً، سيصبح مستقبل شبابه في خطر، وسنشهد المزيد من حالات الفقر والبطالة واليأس.
يرزح كثير من طلبة الجامعات تحت وطأة عقبات متزايدة تؤثر على مسيرتهم التعليمية، ومنها القدرة على التنقل، رحلة الذهاب إلى الجامعة يوميًا تعد رحلة مَشقة للطالب اللبناني خصوصًا الطلاب المقيمين في مناطق بعيدة عن مقر جامعاتهم، علمًا أن معظم جامعات تتجمع في المدن الرئيسية اللبنانية، وخاصة في العاصمة بيروت .ويضطر كثير من هؤلاء الطلبة إلى البحث عن سكن في المدن الرئيسية، أو التنقل بشكل شبه يومي، وهما خياران كلاهما مر في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
أزمة النقل البري تخيّم فوق رؤوس جميع الطلاب أينما كانوا في المدن أو في القرى. فتعرفة السرفيس تساوي 500 ألفاً، وكلما كان المنزل أبعد عن الحرم الجامعي تزداد التعرفة، ما يعني أن كلفة النقل لا تقل عن 700 ألف يومياً. لذلك نرى أن غالبية الطلاب يشغلون وظائف بدوام جزئي وأجور بسيطة كمحاولة لتأمين هذه المصاريف ومواكبة الغلاء المتزايد، إلى جانب دوام جامعاتهم الطويل والمرهق.
معظم طلاب “اللبنانية” الذين تواصلنا معهم وجدوا الرسوم عادية ما دام كل شيء من حولهم يزداد سعره. لكن، هذا لا يلغي فئة لطالما وجدت صعوبة في تسديدها. ترى نور بشاشة، طالبة سنة ثانية في كلية الحقوق، أن “كلفة المواصلات تتعبني فأنا لا أعمل وأحصل على مصروفي من عائلتي ودائما أفكر بارتفاع أسعار المحروقات حيث ترتفع معها تعرفة السرفيس، فكيف أستطيع تقسيم المصروف بين كلفة نقل وتصوير الدروس وتأمين وجبة الفطور؟”.
وقالت بشاشة إن “الطلاب في لبنان، تأثروا بشكل مباشر بعد رفع الأقساط الجامعية خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية، لأن الكثير منهم لن يستطيعوا أن يدفعوا بدلات التسجيل ما يهدد مستقبلهم”.
وقالت “نحن لا نبحث عن الجامعة المناسبة لطموحنا التعليمي فقط، بل لدينا اعتبارات أخرى مثل السكن والنقل والطعام، ثم تأتي الحصص الدراسية في المرتبة الثانية، حتى المستندات التي يحتاجها الطلاب كأوراق التسجيل للضمان او العلامات او الافادات، ارتفع ثمنها”.
وأشارت الى أن “الحل يكون بدعم الطلاب، والمساهمة في إنشاء خطوط نقل مخصصة لهم بأجرة متوسطة تساعدهم على التنقل”.
وفي أحد مقاهي الدبية، يعمل محمد (23 عاما) بدوام جزئي، وهو طالب جامعة خاصة، تخرّج هذا العام وحاز على شهادة جامعية بتفوّق، فقرّر أن يكمل ماستر، لكن لسوء الحظ لم يلتحق باختبارات الدخول في الجامعة اللبنانية، لذا اتجه نحو عدة جامعات خاصة وجدت فيها اختصاصه، طبعاً صُدم محمد بالأقساط التي تفوق قدرة أهله على دفعها.
وقال محمد “طلبت من الجامعة تقسيط المصاري على دفعات صغيرة لتسهيل الأمور، ولكن الجامعة ألزمتني بـ 3 دفعات كحد أقصى ما يعني أكثر من 900 دولار في الشهر الواحد، وهذا يساوي اليوم راتب 3 شهور أو أكثر لموظف في لبنان”.
وعلى الرغم من كل الخطوات التي اتخذها محمد للتوفير على نفسه وعائلته، لا يزال يضطر للعمل ليلاً، فيما يتابع دراسة مواده خلال النهار، كي يتمكن من تسديد كامل تكاليف تعليمه.
وقال “إن الاستقرار في شقة سكنية أفضل من إضاعة الوقت في الطرق للتنقل بين المنزل والجامعة. لكن قبل عامين، كان الإيجار يشمل فاتورة الماء واشتراك مولد الكهرباء، لكن الأمور بدأت تتغير مع ارتفاع الأسعار والخدمات، حيث يطلب صاحب الشقة زيادة إيجار الغرفة أو أن ندفع فواتير الماء والكهرباء”.
أما عن موضوع انعكاس هذه الأزمة على الطلاب، أكد الدكتور اسماعيل ياسين، أنّ “الأزمة الاقتصادية أثقلت كاهل الطلاب وصعّبت إمكانية استكمال دراستهم الجامعية، وتبرز مشكلة صعبة على الطلاب وهي مشكلة التنقل من وإلى الجامعة، أما من الناحية النفسية، فهذا الأمر من الطبيعي أن يؤثر على نفسية الطالب وعلى التركيز والدرس”.
وأضاف ياسين أن “الزيادة الجديدة على رسوم التسجيل تؤمن انطلاقة عام جامعي جيد ومقبول في وقت تعاني الجامعة اللبنانية اليوم من تسرّب عدد كبير من الأساتذة وللحفاظ على من تبقى منهم يجب إنصافهم وزيادة مداخيلهم، وإلا لا يمكن للجامعة أن تستمرّ.
أوضح أن “الفروقات في الاقساط بين جامعة وأخرى تعود الى المستوى التعليمي للجامعة وفئتها،. فبالنسبة لبعض الجامعات هذه الزيادات مبررة لتتمكن من الحفاظ على تميّزها وجودتها وعلى الموارد البشرية من أساتذة وأطباء، أما بالنسبة للقسم الآخر من الجامعات التي رفعت الاقساط من دون أي دراسة اقتصادية واضحة ، وتبقى المشكلة في غياب الرقابة على الجامعات الخاصة في لبنان من قبل الوزارة الأمر الذي يؤدي الى زيادة الأقساط بطريقة عشوائية بدون أي رقيب”.
ويضيف ياسين “في بعض الأحيان تكون الزيادة في الأقساط ضرورة لا بدّ منها في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، ولكننا نقوم بزيادة مدروسة نراعي فيها الوضع الاقتصادي للطلبة وترافق زيادة الأقساط تلك زيادة في نسبة الحسومات التي تضاف إلى المنح التعليمية في الجامعة، والتي تبدأ من 40 وصولاً إلى 100 في بعض الحالات”.
ويرى أن الجامعة اللبنانية واجهت تحديات كبيرة وميزانيتها مرصودة من الدولة بالليرة، ولا تتيح تأمين كافة مستلزماتها لضمان استمراريتها.
ويلفت إلى أن وتيرة خسارة الموظفين والأساتذة باتت سريعة جدا في الآونة الأخيرة، وهذا التسرب إن أكمل ستصبح الجامعة في نهاية هذا الفصل بلا أساتذة وموظفين، بعض الأساتذة بات يفضل ساعات تعليم أقل او التوقف كلياً كي لا يصرف راتبه في كلفة التنقل.
وختم بالقول “يا شباب ويا صبايا، رغم كل الظروف ابقوا متمسّكين بالعلم للحصول على شهادة جامعية تفتخرون بها، لا تستسلموا، وكونوا أقوى من كل الظروف”.
لطالما كان لبنان يصدّر أذكى طلّابه إلى الخارج، لطالما كانت جامعاتنا اللبنانية والخاصة عريقة بعلمها وأساتذتها وبرامجها التعليمية… لطالما كان طلابنا يتهافتون لامتحانات الدخول واختيار اختصاصاتهم المفضلة… لكن للأسف، موجة “الدولرة” في بلدنا، ها قد وصلت إلى القطاع التعليمي وتحديداً إلى الجامعات.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook