معربوني يقرأ في استراتجية الردع: سيبقى تعريفه ناقصاً حتى تبلور نتائج الصراع القائم
فبعد ساعات على عملية “طوفان الأقصى” سارع رئيس الحكومة الاسرائيلية إلى التهديد بالقول “سنغير الشرق الأوسط” ، بيد أن حسابات نتنياهو الخاطئة تظهرت سريعاً، فعملية 7 اكتوبر غيرت في المعادلات والمعطيات لا سيما في ما خص انتكاسة الجيش الاسرائيلي وتآكل قدرة ردعه رغم كل الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها بحق المدنيين والنساء والاطفال في غزة، ومع ذلك يواصل نتنياهو الادعاء بأن إسرائيل ستتمكن من تحقيق انتصار سريع على حركة حماس وردع حزب الله في أي حرب مستقبلية قد تخوضها معه إذا ما إذا حصلت تل أبيب على ما تحتاجه من أسلحة”.
منذ 8 تشرين الأول الماضي تشهد الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة مواجهات وتبادلا للنيران والقصف بين جيش العدو الإسرائيلي من جهة وحزب الله من جهة أخرى، ورغم سقوط عدد كبير من الشهداء في صفوف مقاتلي الحزب وعدد من قادته العسكرية، إلا أن إسرائيل تبدو عاجزة عن تحقيق أهدافها، وتغطي فشلها بارتكاب المجازر وقتل المدنيين. وبحسب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله فإن قدرة الردع الإسرائيلية “تنهار” بعد عملية طوفان الأقصى. فما جرى في 7 أكتوبر وما سيجري لاحقا وضع إسرائيل على طريق الزوال ولن يستطيع أحد أن يحميها أو يدافع عنها.
وسط ما تقدم هل باستطاعة العدو الاسرائيلي صياغة استراتيجية شاملة تمكنه من استعادة “قوته الردعية” التي تراجعت أمام حزب الله؟
الحلقة الثالثة: مساهمة الخبير العسكري والاستراتيجي – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية عمر معربوني في مناقشة استراتيجية الردع
يقول معربوني: في المبدأ هناك الكثير من التعريفات للردع في مستوياته المختلفة ربطاً بما حصل من تجارب في الصراعات المختلفة عبر التاريخ القديم منه والمعاصر . وببساطة يمكننا استعارة هذه التعريفات واسقاطها على وضعية الصراع القائمة بين الكيان الإسرائيلي وقوى المقاومة لكن الأمر سيبدو كأنه استعارة ثوب فضفاض والباسه لجسم نحيف . وهذا لا يعني ان المبدأ الأساسي للردع يتغير بين صراع وآخر وهو المبدأ القائم على منع العدو من الاعتداء قبل حالة الإشتباك وإجباره على الإنضباط ضمن معادلات ناتج القوة خلال الإشتباك بحدوده الدنيا والزامه التقيد بتصاعد المستوى حتى الوصول إلى نقطة اللاعودة والدخول في مرحلة الإشتباك المفتوح او الشامل والتي سينتج عنها وضعية تراوح بين وضعيتين :
-لا غالب ولا مغلوب ( الاستعداد لجولة قتال أخرى )
-منتصر ومهزوم ( نشوء وضعية جديدة في البعدين القانوني والجيوسياسي )
ويتابع معربوني: في الوضعية اللبنانية هناك الكثير من الخصوصية بما يرتبط بتعريف الإستراتيجة الدفاعية بالنظر إلى حالة الإنقسام السياسي في النظرة والموقف من الصراع مع الكيان الإسرائيلي . وتاريخياً ومنذ استقلال لبنان هناك فريقان متباعدان في نظرتهما وموقفهما وسلوكهما ، ففريق يقول بنظرية الحياد ( قوة لبنان في ضعفه ) وفريق يقول إن المقاومة هي البديل الأنجع ويملك ثلاثة تجارب ناجحة أثبتت صحة اصطفافه وتجربته وهي :
1- تحرير معظم الجنوب اللبناني في العام 2000 ( ما عدا مزارع شبعا وكفرشوبا )
2- افشال الأهداف الإسرائيلية لعدوان 2006 واعتراف العدو بالهزيمة ( اسمى الهزيمة اخفاقاً في تقرير فينوغراد )
3- 17 عاماً من الهدوء عبر تثبيت معادلات الردع حتى ما قبل 8 تشرين الأول / اوكتوبر 2023 تاريخ دخول حزب الله على خط الإسناد لجبهة غزّة بداية في محور كفرشوبا – شبعا باعتباره ارضاً محتلة وفيما بعد على كامل محاور القتال بعد تنفيذ العدو عمليات استهداف في كل نقاط الإشتباك من الناقورة حتى مزارع شبعا وكفرشوبا.
استنادا إلى الإنقسام السياسي القائم يبدو ، بحسب معربوني،متعذراً الوصول إلى تفاهم حول الإستراتيجيا الدفاعية بوجود فريق يدعو إلى السلام مع الكيان الإسرائيلي وفريق يقاتله . ومن هنا تبدو المقاربة مرتبطة بالوقائع الناتجة عن حالة الإشتباك بين المقاومة في لبنان والتي هي جزء من محور يضم دولاً وقوى بمواجهة الكيان الإسرائيلي . ولذلك فإن أي مقاربة للردع قبل معركة “طوفان الأقصى” تستند على العناصر الثلاثة المذكورة أعلاه .
اما بالنسبة للوضعية الحالية فلا يمكن، وفق معربوني، البت بمفهوم ردع واضح المعالم إلا بعد انتهاء الإشتباك ، لكن هناك الكثير من المؤشرات التي لا يمكن تجاهلها والتي تشير إلى أن ما يحصل ليس جولة قتال على غرار جولات القتال السابقة وأن المعركة طويلة ومستمرة، وممّا يمكن أن نسقطه من نظريات الردع السابقة على لبنان هو :
أن القوة الأضعف -بحكم القوة التدميرية لأسلحة القوة- يمكنها ردع خصم أقوى شريطة أن تكون هذه القوة محمية ضد التدمير بهجوم مفاجئ وهذا ما أراد حزب الله توضيحه من خلال نشر فيديو عماد 4 وقبله فيديوهات” هدهد 1 و 2 و3 “.
في الوضعية الحالية من الخطيئة وليس من الخطأ فقط مقاربة ما يحصل بنفس أدوات تحليل وقياس ما قبل معركة “طوفان الأقصى” ، فنتائج المعركة،كما يقول معربوني، أبرزت مجموعة من المتغيرات يمكن توصيفها على الشكل التالي :
1- يمكن اعتبارها المفاجأة الإستراتيجية الثانية في تاريخ الصراع بعد مفاجأة حرب تشرين / أكتوبر 1973 بفارق أن الجيشين المصري والسوري يمثلان قدرات دولتين كبيرتين ،في حين أن المقاومة في غزة محاصرة وذات إمكانيات محدودة لا يمكن مقارنتها بإمكانيات سورية ومصر حينها .
2- المستوى العالي من التضليل الإستراتيجي الذي مارسته حماس على مدى سنتين من إيهام العدو أنها باتت خارج المعركة والإبقاء على مستوى مساندة محدود لحركة الجهاد الإسلامي .
3- الفشل العسكري والإستخباري المريع للعدو في كشف الخطط والتحضيرات وهو الأمر المستمر حتى اللحظة ما يؤكد أن العجز الإستخباراتي الإسرائيلي الذي بات حالة وليس مجرد ظاهرة مرتبطة بحدث محدد، على الرغم من النجاح في عمليات الاستهداف للقادة اعتمد على العامل التقني حيث لا يمكن اعتباره عامل حسم عملياتي واستراتيجي .
4- دخول العدو في فشل ثالث هو الأول من نوعه عبر تاريخ الصراع، ويقصد معربوني معركة الصورة واهميتها في تغيير النظرة والموقف لدى شرائح كبيرة في المجتمعات العالمية ( الحراك الطلابي في اميركا خصوصاً والغرب عموماً كمثال ) .
5- وضع الكيان ومن ورائه كل الغرب الجماعي في مأزق كبير عبر عجزه عن حسم المعركة لمصلحته .
6- تبلور التكامل المنتظم لقوى المحور وقدرتها على التحكم بمسار المعركة عبر الإبقاء على نمط الإستنزاف البنيوي في قدرات العدو ومنع الولايات المتحدة والغرب من استخدام قدرات الدعم الكاملة للكيان عبر توسيع نطاق المعركة جغرافيا وهو ما يتهيبه العدو وخصوصاً الولايات المتحدة الاميركية .
7- وضوح كامل لتحقق عوامل واقعية زوال الكيان عبر مؤشرات جلية ترتبط بسقوط عناصر التأسيس وعناصر الوظيفة للكيان الإسرائيلي الإرهابي .
في عناصر التأسيس يمكن القول، بحسب معربوني، إن تراجعاً لا يمكن ترميمه حصل في أهم عنصرين من عناصر تأسيس الكيان :
1- التفوق العسكري الذي مُنح للكيان مع بدايات التأسيس وهو لم يجد نفعاً حتى اللحظة في تحقيق أهداف الحرب في غزّة لا لجهة سحق حماس ولا لجهة تحرير الأسرى ، بحيث يبدو أن ما عجز عنه الكيان بمواجهة مقاومة محاصرة ومحدودة الإمكانيات وتحت ضغط قوة نارية غير مسبوقة وعلى مساحة محدودة لا تملك أي عمق جغرافي، لا يمكن تحقيقه بمواجهة حزب الله الذي يمتلك هامش مناورة واسع جداً وعمقاً جغرافياً استراتيجاً إلى العمق السوري بشكل مباشر والى إيران بشكل أبعد .
2- سقوط المظلومية ( المتاجرة بالهولوكوست ) على مدى ثمانية عقود وافتضاح أمر الكيان كأكبر قوة غاشمة تمارس جرائم الحرب والإبادة الجماعية، من خلال إرهاصات تشكّل رأي عام دولي شعبي بالدرجة الأولى يدين الكيان وينبذه لدرجة أن مندوب الكيان في الأمم المتحدة وصفها بأنها مكان يحتوي على أعداء كثر لـ “إسرائيل”.
في هذه الناحية من المهم الإشارة، بحسب معربوني، إلى بيان الفاتيكان حيث وصف وزير خارجية الفاتيكان في 24 / 2 / 2024 ما يحصل بالمذبحة ، إضافة إلى أمثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها وهي باتت حقائق وتحولات لا يمكن تجاهلها .
في عناصر الوظيفة الساقطة من المعروف للجميع، كما يقول معربوني، قصة نشوء الكيان الذي تم زرعه كجسم غريب بين المشرق العربي والمغرب العربي وهو المصطلح الذي توافق عليه قادة سبع دول أوروبية في المؤتمر الذي دعا إليه كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا في العام 1907 ( يمكن الرجوع لوثيقة كامبل )
1- المهم أن الكيان الناشيء أوكلت إليه مهمة الحفاظ على مصالح الغرب في المنطقة وهي الوظيفة المتداعية الآن والآيلة إلى السقوط ، ففي الحالات الأربع :
– معركة طوفان الأقصى
– دخول حزب الله على خط المعركة
-دخول اليمن على خط المعركة
-الرد الإيراني في منتصف نيسان الفائت
أتى كل الغرب لحماية الكيان وهو ما يتكرر الآن ترقباً للرد الإيراني ورد حزب الله وشكل وضعية جديدة بات فيها الكيان محتاجاً لكل الغرب الجماعي لتأمين بقائه ووجوده .
2- سقوط رافعة الوظيفة وبقائها ( الأمن ) حيث تحول الكيان إلى أرض محاصرة بالنار وهو ما سيؤدي إلى تقويض عناصر الجذب والترغيب التي قام عليها الكيان وهي الهجرة إلى فلسطين وحدوث هجرة عكسية بدأت مؤشراتها تظهر بقوة منذ العام 2007 وهي في حالة تراكم يبينه ميزان الهجرة من الكيان واليه وهي أرقام صادرة عن مركز الإحصاء الإسرائيلي تؤكد هجرة مليون ومئة ألف مستوطن بين أعوام 2007 و 2019 وهجرة مليون إضافي منذ معركة طوفان الأقصى إضافة إلى الأرقام التي أوردها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي والتي تشير إلى رغبة 1 من كل 4 مستوطنين لمغادرة الكيان نهائيا .
إذن، نحن، وفق قراءة معربوني، أمام تحولات كبيرة وخطيرة يرغب خلالها محور المقاومة بالإستمرار بنمط الإستنزاف التراتبي والمتصاعد والفعال، ويرغب نتنياهو ومجلس حربه بالذهاب إلى مستوى المعركة الشاملة .
أمام ما ورد أعلاه لا يمكن الحديث، بحسب معربوني، عن معادلة ردع اعتيادية فناتج المعركة المستمرة لا يتوافق مع ناتج جولة قتال.لهذا من المفيد القول إن أي مستند في رأيه على الأهواء السياسية وعلى تعريفات الردع السابقة يمارس الخطيئة ويجافي أبسط قواعد البحث العلمي .
الخلاصة، بحسب معربوني : يعرّف العدو على لسان رئيس وزرائه الحرب بأنها حرب وجود ويعرّفها وزير حربه بانها معركة نصر او موت وعرّفها الوزير المستقيل بني غانتس بانها حرب إذا اسفرت إلى هزيمة الكيان فلا مكان لهم في المنطقة .في المقابل عرّف السيد حسن نصرالله المعركة بعد اغتيال السيد فؤاد شكر والسيد إسماعيل هنية بانها معركة مصير .
استناداً إلى التعريفين يمكن القول إننا في معركة مستمرة لا آفاق تسوية فيها أقله في المنظورين القريب والمتوسط وهذا ما يجعل تعريف الردع ناقصاً حتى تبلور ناتج الصراع القائم .
مصدر الخبر
للمزيد Facebook