آخر الأخبارأخبار محلية

حرب التغذية في لبنان… إبر قاتلة واختصاصيون يبيعون الأوهام فهل من رادع؟

في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب لبنان، برزت ظاهرة خطيرة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يعمد بعض اختصاصيي التغذية إلى فتح صفحات لجذب المتابعين من خلال تقديم إغراءات عبر برامج غذائية تهدف إلى تسريع عملية التنحيف بأسعار منخفضة. إلا أن ما يبدو كحل سهل وسريع قد يتحول إلى كارثة صحية، إذ يعاني العديد من الأشخاص الذين اتبعوا هذه البرامج من مشكلات صحية خطيرة، أثرت بشكل مباشر على حياتهم بسبب التفلت الحاصل.

Advertisement










يكمن الخطر الرئيسي في عدم أهلية بعض اختصاصيي التغذية الذين يسعون وراء الشهرة دون الاكتراث بعواقب أعمالهم. فبدلاً من تقديم برامج غذائية علمية ومدروسة، يقدمون نصائح قد تكون ضارة بالصحة على المدى الطويل. تشير المعلومات إلى أن بعض هؤلاء الاختصاصيين يروجون لبرامج غذائية منخفضة السعر ولكنها غير آمنة، مما يؤدي إلى مشكلات صحية جسيمة، مثل اضطرابات الأكل، نقص الفيتامينات والمعادن، وحتى أضرار تصيب الأعضاء الحيوية. ووفقًا لمسؤولين في القطاع الصحي، فإن ما يحدث هو حالة من التفلت في هذا المجال، حيث يتم استغلال حاجة الناس إلى حلول سريعة وسهلة للتنحيف لتحقيق مكاسب شخصية، دون الالتزام بالمعايير الصحية الضرورية.
سارة، امرأة في الأربعينيات من عمرها، لبنانية مقيمة في كندا، جاءت إلى لبنان لقضاء عطلتها الصيفية. خلال زيارتها، اتجهت إلى اختصاصية تغذية بعد أن شاهدت إعلانًا على وسائل التواصل الاجتماعي يدّعي أن حقنة معينة تساعد في تخفيض الوزن. ولكن بعد أيام قليلة من تلقيها الحقنة، بدأت سارة تعاني من آثار جانبية خطيرة، مما اضطرها إلى قطع عطلتها والعودة إلى كندا، إذ عانت من انتفاخ شديد في منطقة البطن والتهابات خطيرة جرّاء حقن الإبرة.
حالة سارة هي واحدة من عشرات الحالات الأخرى، التي واجهت مشكلات صحية بسبب التفلت، وعدم مراعاة أخلاقيات المهنة، والحالات حسب الأرقام والشكاوى آخذة في الإرتفاع طالما أن الجهات المسؤولة لا قدرة لها على ردع هذه “العصابات”.
هذا الأمر أثار تساؤلات جدية عن دور النقابة وأجهزة الرقابة في ضبط هذا التفلت، خصوصًا أن هؤلاء الأفراد يروجون لأنفسهم علنًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، ويعرضون تحديات مشبوهة أو يقدمون خدمات مثل حقن الإبر، التي لا يحق لهم أصلاً استعمالها، هذا عدا عن التجاوزات الكبيرة في ميدان العمل.
في هذا السياق، يفرّق اختصاصي التغذية الرياضية محمد شُكر بين اختصاصيي التغذية واختصاصي التغذية الرياضية، مشيرًا إلى أن التمييز بين الاختصاصين من الناحية الطبية أمر بالغ الأهمية نظرًا للصلاحيات المختلفة الممنوحة لكل منهما في التعامل مع المراجعين، خاصة في حال وجود أمراض معينة. وأكد شكر أنه لا يمكن التهاون في هذا الأمر، إذ قد تؤدي برامج التغذية غير المناسبة إلى عواقب وخيمة، تصل أحيانًا إلى الوفاة.
وفي اتصال عبر “لبنان24″، حذّر شكر من انتشار اختصاصيي التغذية الذين يسعون فقط وراء الربح والشهرة، مشيرًا إلى أن معظمهم يضللون المرضى عبر التركيز على أرقام الوزن، التي لا تعدّ معيارًا مهنيًا بأي حال من الأحوال، واصفًا ما يحدث اليوم بأنه “جريمة”. وعلى صعيد برامج التغذية، يؤكّد المدرب محمد شكر أن ما يحصل اليوم معيب بحق حقل التغذية، ففي حين يمنع أن يتناول أي شخص سعرات تقل عن 1200 سعرة حرارية، هناك العشرات من اختصاصيي التغذية يورّدون برامج تضر بالصحة، ولا يتخطى عدد سعراتها الـ800 سعرة حرارية.
وحذّر شكر المواطنين من اللجوء إلى اختصاصيي التغذية غير المؤهلين أو الذين يسعون فقط وراء المال والشهرة، مبيّنًا أن هؤلاء يستغلون نقص معرفة الناس بأساسيات التغذية، حيث يستفيدون من هذا الجهل رغم إدراكهم أن تلك الخطوات قد تكون ضارة بالصحة.
وفي هذا السياق، نبّه شكر أيضًا من “ترند” التحديات الذي يطلقه البعض، مشيرًا إلى أن الأرقام الخيالية التي تُطرح، مثل فقدان 10 كيلوغرامات في الأسبوع، غير قابلة للتحقق وليست منطقية على الإطلاق، إذ لا تستند إلى أي أسس علمية. وأوضح شكر أن فقدان 1 كيلوغرام من الوزن يتطلب حرق حوالي 7000 سعرة حرارية، مشيرًا إلى أن الشخص الذي يتبع برنامجًا غذائيًا مناسبًا لا يمكنه فقدان أكثر من نصف كيلوغرام في الأسبوع. من هنا، يؤكد شكر أن الطعام الذي يتناوله الفرد يجب أن يحتوي على كافة مصادر الطاقة الأساسية دون مخالفة أي قواعد علمية.
من ناحية أخرى، قدم شكر نصائح جوهرية لتجنب الوقوع في فخ اختصاصيي التغذية غير المؤهلين، مشيرًا إلى أن من أهم الخطوات هو التأكد من كمية السعرات الحرارية التي يتم تناولها يوميًا. فإذا كانت أقل من 1200 سعرة حرارية، فإن النظام الغذائي لن يكون مبنيًا على أسس علمية. وأضاف شكر: “أي وجبة فقيرة أو كميات قليلة لا تعتبر مفيدة، بل قد تؤثر سلبًا على الصحة في المستقبل”.
فلتان مستغرب
وأثناء التعمق في بعض المراكز، لاحظ عدد من المواطنين تحول عمل بعض اختصاصيي التغذية من مجرد الاهتمام بالأنظمة الغذائية وصحة المواطن إلى تقديم خدمات متعددة، مثل حقن الإبر، والاعتناء بالبشرة والتجميل، أو حتى وصف الأعشاب. من هنا، يؤكد شكر أن “هذا التفلت محدود بعدد معين من الأشخاص الذين يشوّهون صورة اختصاصيي التغذية، خاصة في ما يتعلق بالدعاية الكاذبة والاحتيال في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. فقد استغل هؤلاء نقطة ضعف المراجعين، خصوصًا فيما يتعلق بنقص معلوماتهم عن التغذية”.
أُبر خطيرة
من جانب آخر، أعرب شكر عن أسفه لعدم تنظيم توزيع الأدوية، خاصة الحساسة والخطيرة منها في لبنان، مشيرًا إلى أن هذه الإبر لا يمكن أن يُسمح لأي شخص باستخدامها دون وصفة طبية معتمدة. وأكد أن مثل هذه الأدوية يجب أن تكون تحت إشراف طبي دقيق، لضمان عدم استخدامها بطريقة غير صحيحة أو مضرّة.
ويشير شكر إلى أن الساحة اليوم مفتوحة أمام الجميع للوصول إلى الأدوية وتوزيعها، بما في ذلك الأدوية الخطيرة مثل الابر التي تُستخدم لتحويل الدهون إلى طاقة، أي أنها تعمل كناقل للدهون إلى مراكز الطاقة في الجسم. وأكد شكر أن الشباب حاليًا يتم استغلالهم من خلال النوادي الرياضية التي تغري اللاعبين باستخدام هذه الأدوية، رغم أن نتائجها قد تكون كارثية.
وعليه، لا بدّ أن يتم دق ناقوس الخطر، فأزمة توزيع الأدوية، والتفلت الحاصل داخل القطاع الصحي على صعيد اختصاصيي التغذية يجب أن يُرافق بحملة أمنية يتم من خلالها إيقاف كافة الأشخاص الذين تعدوا على هذه المهنة، أو اتخذوها سبيلا للربح والشهرة لا أكثر.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى