آخر الأخبارأخبار محلية

صناعة الفخار في لبنان: هل تسقط آخر قلاع التراث أمام عواصف الأزمات؟

في زوايا القرى اللبنانية وعلى جوانب الطرقات الترابية، تجد الأفران التقليدية التي ما زالت تصنع الفخار بالطريقة التي توارثها الأجداد عبر الأجيال. هذه الصناعة العريقة، التي كانت يوماً رمزاً للمهارة اليدوية والإبداع الفني، باتت اليوم تواجه خطر الاندثار، وسط الحروب والأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.


فمنذ ما يقارب الألفي عام تقريبا، كانت صناعة الفخار مزدهرة في المنطقة، تعتمد عليها العديد من العائلات كمصدر رزق أساسي. الأواني الفخارية كانت جزءاً لا يتجزأ من حياة اللبنانيين اليومية، سواء في المطبخ أو في الزينة المنزلية. إلا أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب التأثيرات المدمرة للنزاعات المسلحة، أضعفت هذه الصناعة بشكل كبير، ليغيب عن المشهد أحد أهم الحرف التي توارثها اللبناني عن أجداده الفينيقيين.

الحرب اللبنانية والأزمات المتلاحقة لم تؤثر فقط على الأسواق المحلية، بل أدت أيضاً إلى تراجع الإقبال على الفخار، نتيجة لتغير أنماط الحياة والانتقال إلى استخدام المنتجات البلاستيكية والألومنيوم الأرخص والأكثر وفرة. علاوة على ذلك، فإن معاناة الحرفيين القدامى، الذين كانوا يشكلون العمود الفقري لهذه الصناعة، ساهمت في تسارع انهيار هذا التراث الحرفي.

وفي جولة على القرى اللبنانية، رصد “لبنان24” معامل الفخار في لبنان، وبانحدار لا مثيل له، بات أرباب هذه الصناعة معدودين، إذ ما زال هناك عدد قليل من الحرفيين الذين يتمسكون بهذه المهنة، معتبرين إيّاها جزءاً لا يتجزأ من هويتهم وتراثهم. فمثلا، لا يتعدى عدد القرى في الشمال وجبل لبنان التي تقوم بتصنيع الفخار 4 قرى، وقلّما تشهد حركة، بينما بقاعا، تبرز بلدة راشيا الفخار التي لا تزال تقاوم بالتراب والمياه اندثار هذه الحرفة، من خلال عائلات تحاول نقلها لأولادهم وأحفادهم، ومصنع آل فاخوري في اقليم الخروب خير شاهد على ذلك، إذ لا يزال يعرض عددا من الأواني والصحون والتحف الفخارية.

هؤلاء الحرفيون يحاولون بشتى الطرق الصمود والبقاء، من خلال إدخال بعض التعديلات على التصاميم التقليدية لتناسب الذوق العصري، أو من خلال فتح أبوابهم أمام السياح لإطلاعهم على عملية صناعة الفخار المثيرة، والتي تميز بها لبنان، خاصة منطقة طرابلس.

ورغم هذه الجهود، فإن صناعة الفخار في لبنان تعيش اليوم على أمجاد الماضي، مستذكرة الأيام التي كانت فيها هذه الصناعة تزدهر وتنتج أجمل القطع التي كانت تزين البيوت اللبنانية.

المستقبل يبدو غير واضح لهذه الصناعة، حيث أن الحفاظ عليها يتطلب دعماً حقيقياً من المجتمع والدولة، وإلا فإنها قد تنضم إلى قائمة طويلة من الصناعات التقليدية التي تلاشت مع مرور الزمن، حيث ستصبح الأفران القديمة شاهدة على مجد مضى وصناعة برع بتنفيذها اللبنانيون.

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى