اشتدّي أزمة تنفرجي
منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه “حزب الله” فتح جبهة الجنوب مساندةً لحركة “حماس” في قطاع غزة ونحن نسمع التهديدات الإسرائيلية باجتياح لبنان وإعادته إلى العصر الحجري. ومنذ الثامن من تشرين الأول من العام الماضي، أي أكثر من تسعة أشهر، لم تتخطّ هذه التهديدات الخطّ المرسوم للاعتداءات اليومية، التي حوّلت القرى الجنوبية الأمامية على طول “الخطّ الأزرق” إلى كومة من الدمار بعدما هجرها معظم أهلها. ومنذ ذاك التاريخ حتى اليوم تراوحت “التهديدات العنترية” لوزراء متشدّدين في حكومة الحرب ولبعض القادة العسكريين بين السقفين الأعلى والأقل علوًا، من دون أن تقترن هذه النبرات العالية بأي آلية تنفيذية، وذلك لأكثر من سبب. وقد يكون أهمها أن تل أبيب تضرب الأخماس بالأسداس مع كل اعتداء تقوم به، لأنها تعرف أن ردّة فعل “المقاومة الإسلامية” ستكون فورية وسريعة وموجعة قياسًا إلى حجم الاعتداءات، وأن ردّها سيكون على قاعدة “الصاع صاعين”.
فإذا كان التهجير يطال أهالي القرى الجنوبية المحاذية للحدود يقابل بشيء من التسليم والرضى فإن تهجير سكان المستوطنات الشمالية يشكّل ضغطًا شعبيًا على حكومة نتنياهو. وإذا كانت الحياة الطبيعية ممنوعة على الجنوبيين فهي ممنوعة أيضًا على الإسرائيليين الشماليين. وإذا كان الدمار شاملًا هنا فهو أكثر شمولًا هناك. وإذا كان القصف بالمسيّرات يستهدف عناصر حزبية، ومن بينها قادة ميدانيون، فإن الردّ غالبًا ما يكون بالمستوى نفسه، وإن كانت تل أبيب لا تعلن عن قتلاها كما يفعل “الحزب”. وإذا طال القصف المدنيين من أهالي الجنوب فإن صواريخ “المقاومة” تكون بـ “مرصاد العين بالعين والسنّ بالسنّ والبادئ أظلم”. وإذا كانت المسيّرات الإسرائيلية قادرة على استهداف الضاحية الجنوبية أو مواقع لـ “حزب الله” أو لإيران في سوريا فإن “هدد الضاحية” قادر على تزويد القيادة العسكرية الميدانية ببنك أهداف محتملة في العمق الجغرافي الإسرائيلي، وأن هذه الأهداف، كما تقول القيادة العسكرية في “الحزب” ستكون حتمًا في مرمى القدرة الصاروخية في أي ردّ على أي هجوم إسرائيلي أيًّا يكن نوعه وحجمه.
من بين الأمثال اللبنانية الكثيرة، التي تعبّر عن الواقع خير تعبير، وهي المستمدة من تراكم الخبرات والتجارب، واحد يقول بما معناه بأن “يللي بيكّبر حجرو ما بيقدر يكبو لبعيد”. فلا إسرائيل في وارد إيصال صواريخها الكبيرة إلى المدى البعيد، ولا “حزب الله” في هذا الوارد أيضًا، لأن المساعي التي تجري من تحت الطاولة توحي بأن الأمور ذاهبة إلى عكس ما هو ظاهر للعيان.
وفي اعتقاد أوساط ديبلوماسية غربية فإن القول المأثور “اشتدي أزمة تنفرجي” يمكن أن ينطبق تمامًا على الواقع السياسي المناقض ظاهريًا للواقع الميداني، سواء في قطاع غزة، وبالتحديد في رفح، وفي الجنوب اللبناني. وتؤكد هذه الأوساط أن الحرب أيًا تكن التسمية التي تُعطى لها لن توصل سوى إلى المزيد من العنف والمزيد من القتل والمزيد من الخراب والدمار. وهذا ما سمعه نتنياهو في واشنطن ولم يعجبه كثيرًا، لأن ليس لديه خطّة جاهزة لليوم الذي سيلي بعد أن يسكت المدفع وتتوقف آلة الموت في حصد أرواح الأبرياء، وكان آخرهم في مجزرة مجدل شمس.
وتقول الأوساط نفسها أن الحل السياسي لأزمة العصر لن يكون على أيدي نتنياهو، الذي يهمه أن يبقى الوضع متفجرًا حفاظًا على رأسه، ولكن في المقابل فإن حركة “حماس” لن تكون في الواجهة عندما يُعاد النظر في التركيبة الهرمية في القطاع، من دون الإشارة إلى ما ستكون عليه وضعية “حزب الله” بعدما “أدى قسطه للعلى” في مساندته “المقاومة الفلسطينية” في غزة، وبالأخصّ عندما يوضع مصير سلاحه على طاولة المفاوضات الدولية والإقليمية وحتى المحلية الداخلية، في ضوء ما يمكن أن يكون قد توصّلت إليه المفاوضات الأميركية – الإيرانية من نتائج قبل دخول الولايات المتحدة الأميركية عمليًا في فترة “الصمت الانتخابي”، خصوصًا إذا لم يوفق الجمهوريون في إيصال دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرّة جديدة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook