هذا هو أسوأ ما في تغييب رأس الدولة
يتحدّث هؤلاء السياسيون عن أن مجلس النواب الحالي لن يتمكّن من انتخاب رئيس جديد للجمهورية المتهالكة وكأنهم يتحدّثون عن إلغاء مباراة ودّية في كرة السلة أو كرة القدم، بعدما حوّلوا (بصيغة المجهول) الرئاسة إلى كرة يتقاذفها اللاعبون بأرجلهم من دون أهداف. فلو كان لدى نواب الأمّة، المعطّلِين منهم وغير المعطِّلين، إحساس بأن الذين انتخبوهم في السابق لن يعيدوا الكرّة ثانية لكانوا فكرّوا ألف مرّة في ما هم فاعلون. ولكن يبدو أنهم متأكدون من أن المحاسبة ملغاة من قاموس الذين لا يزالون يعتبرون أن زعيمهم دائمًا على حق في كل ما يفعل ولا يفعل، فيما الآخرون هم الذين يجب أن يُحَاسَبوا على ما يقدمون عليه وعلى ما لا يقدمون.
وطالما أن الأمر هو على هذا المنوال فإن الموكَلة إليهم مهمة الإنقاذ، ولو نظريًا، سيجدَّد لهم تلقائيًا بحجة أن ظروف البلاد لا تسمح بإجراء انتخابات نيابية تمامًا كما حصل عندما مُدّدت ولاية المجالس البلدية والاختيارية سنة جديدة، وسيبقى القديم على قدمه، وستبقى البلاد من دون رئيس للجمهورية. ويأتيك كثيرون بأخبار “لا تركب على قوس قزح” عن أن البلد “ماشي” مع رئيس أو من دون رئيس، حتى أن البعض تستطيب له المقارنة بين الفراغ الرئاسي وبين الفترة التي تولى فيها الرئيس السابق ميشال عون رئاسة الجمهورية، ويذهبون إلى استنتاج تفضيل الفراغ، “لأن الكحل يبقى أفضل من العمى”. فالفراغ فراغ وليس أي أمر آخر، مع ما يعني ذلك من تفريغ الدولة من مؤسساتها الشرعية لتحّل مكانها بدائل شبيهة بأصحاب المولدات و”سترنات” المياه.
فالوضع المتفجّر في الجنوب يجب أن يكون حافزًا لتسريع عملية الانتخاب وليس العكس. هذا ما يجب أن يُعمل عليه قبل أي أمر آخر. وهذا ما تبّلغه جميع المعنيين بالاستحقاق الرئاسي من الإدارة الأميركية، التي لا تزال تعتبر أن ملف الرئاسة أولوية أميركية مع الإصرار على إفهام الجميع بأن الرئاسة مفصولة كلياً عن الجنوب ولا أثمان تُقرّش في بعبدا من ميزانية الميدان. وهذا يعني في ما يعنيه لجهة الجهود المبذولة لمنع تدّرج المناوشات المتبادلة عبر الحدود الجنوبية مع إسرائيل إلى حرب واسعة. وهذا ما سمعه رئيس حكومة العدو في لقاءاته في واشنطن.
ومن ضمن الرسائل السرّية المتبادلة بين واشنطن وطهران فقد تمّ وضع الديبلوماسية الإيرانية في صورة ما تتطلع إليه الإدارة الأميركية بالنسبة إلى الوضع الجنوبي ووجوب فصله عن الملف الرئاسي، وهو ملف يجب أن يكون خارج إطار التفاوض والتقايض تمامًا كما حصل في موضوع الترسيم البحري، الذي لم “يقرّش” حينها في الملفات الداخلية، وكان لبنان قد دخل يومها في مهلة الشهرين الانتخابيين.
فأي كلام يخالف المنطق الطبيعي للمسار الرئاسي هو كلام يرفضه جميع اللبنانيين، الذين لا يزالون يصرّون على أن يبقى لبنان أولًا في “أجندة” الأولويات الداخلية والخارجية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook