مَن يُنزل حزب الله عن شجرة الجنوب؟
المعلومات المتوافرة عن المفاوضات الجارية بالنسبة إلى الوضع القائم في قطاع غزة لا توحي بكثير من التفاؤل، وإن كان البعض يعتقد أن الحرب بمعناها العسكري قد انتهت فعليًا من دون أن تتضح معالم المرحلة التي ستلي، مع تأكيد تل أبيب أن عمليتها الأمنية لن تتوقف. وهذا يعني أن ملاحقة إسرائيل لقادة حركة “حماس” ستتواصل، سواء أكانوا داخل القطاع أو خارجه. ولكن يبقى السؤال عن وضع الجبهة الجنوبية بعد وقف الحرب الهمجية في غزة من دون جواب واضح، خصوصًا أن “حزب الله” لن يعود لديه الحجّة الكافية للإبقاء على سخونة الجبهة بعد زوال السبب الأساسي، الذي جعله يفتح هذه الجبهة، وهو مساندة الغزاويين في مواجهتهم للآلة الإسرائيلية، وإن كان خصوم “الحزب” يُتهمونه بأنه ورّط لبنان بحرب لغير الأسباب المعلنة، والتي يعتبرونها غير مقنعة وغير مجدية من حيث النتائج.
وعلى رغم هذه الأجواء الضبابية فإن اللقاءات التي يعقدها نائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم مع نائب مدير المخابرات الألمانية أولي ديال قد توصل إلى نتيجة محتملة، وإن لم يكن لمفاعيلها مواقيت محدّدة وقريبة، لأن التفاوض مع “الحزب” له شروطه وقواعده ومقتضياته ومفاعيله الآنية والمستقبلية، وإن كانت تجربة المخابرات الألمانية في مفاوضاتها السابقة مع “حارة حريك” أدّت إلى انفراجات نسبية في وقت لم تؤدِّ أي مفاوضات غربية أخرى إلى أي نتيجة، بل زادت الأمور تعقيدًا.
وفي اعتقاد الذين يتابعون التحرّك الألماني في اتجاه “حزب الله”، وإن من بعيد، أن الأمور متجهة نحو انفراجات لم تكن متوقعة من قبل، ولكن الأهمّ من كل هذا ما يدور في خلد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وما الذي يسعى إليه بالنسبة إلى الجبهة الجنوبية بعد هدوء جبهة غزة، وهل سيتجاوب مع المسعيين الأميركي والفرنسي عبر آموس هوكشتاين وجان ايف لودريان، وهل سينجح الألماني في السياسة كما نجح في العامين 2004 و2008 بالأمن عندما كان التفاوض محصورًا برئيس وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا، وحينما كان الجانب الألماني وسيطاً بين “الحزب” وتل أبيب لتنفيذ صفقتي تبادل الأسرى الشهيرتين؟
ما يهمّ الجانب الألماني في الوقت الحاضر هو معرفة خطة “حزب الله” بعد انطلاق المرحلة الثالثة من الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، والتعرّف إلى موقفه، تمامًا كما كان همّ هوكشتاين عندما طرح على الرئيس نبيه بري الخطة الأميركية القاضية بسحب مقاتلي “المقاومة الإسلامية” إلى العمق الجنوبي بما يوازي العشرة كيلومترات. وهذا ما رفضته “حارة حريك” في حينه، متمسكة بخيار مواصلة عملياتها انطلاقًا من مواقعها الحدودية المتقدمة ما دامت الحرب مستعرة في غزة.
فهل ينجح الألماني في المساهمة بمساعدة “حزب الله” على النزول من شجرة الجنوب حيث فشل الآخرون، وهل يمكن أن تشهد المرحلة المقبلة مفاوضات من نوع آخر بين برلين و”حارة حريك” على خلفية ما سينتج عن المرحلة الثالثة من الحرب الإسرائيلية على غزة؟
أسئلة كثيرة، ولكن الأجوبة عنها تبقى رهن التطورات الميدانية في غزة، خصوصًا أن تل أبيب لا تزال تناور في ما خصّ المرحلة الثالثة من حربها، التي لا حدود لها ولا أفق سياسي، أو بمعنى آخر أنها لا تسعى إلى المساهمة في التجاوب مع المساعي الدولية في محاولة لـ “ترتيب” البيت الفلسطيني الداخلي. فما هو أكيد بالنسبة إلى المجتمع الدولي، وبالأخص بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية أن من كان الأداة الفعلية لنشوب “حرب العصر” لن يستطيع بالتأكيد أن تكون له مساهمات في صنع السلام، أي رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو من جهة، وقادة “حماس” من جهة ثانية، على أن يبقى موضوع “حزب الله” موضوعًا على رفّ التسويات المؤجلة في انتظار اكتمال حلقاتها مع وصول مسعود بزشكيان إلى رئاسة الجمهورية الإيرانية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook