عندما يصبح العرف أقوى من الدستور

Advertisement
ولأن ما هو آتٍ أعظم وأدهى لم يعد من الجائز أن تُطوى سنة جديدة من عمر الوطن (14 حزيران 2023- 14 حزيران 2024)، وهي السنة التي لم يتم فيها دعوة نواب الأمة إلى أي جلسة من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، فإن المطلوب اليوم هو أكثر مما كان مطلوبًا بالأمس وقبل الأمس. وقد يكون المطلوب من القوى المسيحية أكثر مما هو مطلوب من غير المسيحيين، لكي لا يُقال لهم في يوم من الأيام إنهم أعطوا، عرفًا، ما لم يقدروا أن يحافظوا عليه برموش العيون. صحيح أن العرف أصبح بمثابة نصّ دستوري، وهذا ما يخشاه الذين يرفضون اشتراط الذهاب إلى الحوار قبل العملية الانتخابية. هذا ما حصل في الدوحة، ولم يتكرّر في العام 2016، ويعمل الفريق “المعارض” على ألا يحصل اليوم، ولكي لا يحصل في الغد وبعده وفي السنوات، التي ستلي كاستحقاقات لاحقة.
ولأن المطلوب من القوى المسيحية ما هو مطلوب من الآخرين، ولو بنسب متفاوتة، فإن التنازلات المتساوية من قِبل الجميع باتت أكثر من ملحّة، إذ من دون هذه التنازلات سيبقى الوضع يراوح مكانه، وقد يأتي اليوم، الذي لن يرى فيه اللبنانيون رئيسًا لجمهوريتهم. وقد تصبح نبوءات البعض عن أن الرئيس ميشال عون هو آخر رئيس ماروني للبنان التعدّدي واقعًا مفروضًا بقوة الأمر الواقع.
فهذه التنازلات المطلوبة اليوم يعتبرها البعض شكلية فيما يؤكد آخرون أنها جوهرية. فـ “التيار الوطني الحر” لا يرى ضيرًا في أن تذهب “القوات اللبنانية” ومعها سائر القوى المعارضة إلى حوار سيدعو إليه الرئيس نبيه بري ويترأس جلساته. أمّا “القوات” فترى في ما يرّوج له النائب باسيل تسخيفًا لأهمية عدم السماح بتكريس الحوار قبل أي استحقاق انتخابي، رئاسيًا كان أم غير رئاسي، كعرف قد يصبح التنصّل منه صعبًا، إن لم يكن مستحيلًا.
وتقول أوساط “قواتية” إن ما تُطَالب به “معراب” لجهة التنازل عن رفضها الذهاب إلى “حوار الإذعان” هو كمن يُطَالب بأن يتخّلى عن بيته عندما تشتدّ العواصف، إذ كان حري به أن يحصّن دعائمه لكي لا يتعرّض للسقوط عند هبوب أول عاصفة.
وتضيف هذه الأوساط أنه بدلًا من أن يطالب البعض، وعلى رأسهم باسيل، “القوات اللبنانية” بالتساهل والتجاوب مع دعوة الرئيس بري، أن يعمل على اقناعه بالدعوة إلى جلسة انتخابية مفتوحة مع ضمان عدم اقفال محضر الجلسة الأولى وبقاء جميع النواب، وبالأخص أعضاء كتلة “التنمية والتحرير”، داخل القاعة العامة للمجلس، على أن يتخلل كل دورة انتخابية جلسات تشاورية غير رسمية بين الكتل النيابية للتوصّل إلى انتخاب رئيس لا يموت معه “غنم المعارضة”، ولا يفنى كذلك “ذئب الممانعة”، أو العكس بالعكس. وهكذا يُحتَرم الدستور، ولا يُسجّل بالتالي أي تكريس لعرف قد يصبح أقوى من الدستور.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook