آخر الأخبارأخبار محلية

لحظات مؤثرة يرويها مصورون لبنانيون عن يوم التحرير.. ما حصلَ يُفرح القلب!

في ذكرى عيد المقاومة والتحرير في لبنان، تعود إلى الأذهان صور ومشاهد تاريخية حُفرت في ذاكرة اللبنانيين، يوم اجتمعوا على قلب واحد لاستعادة أرضهم وسيادتهم، وأصبح الخامس والعشرين من مايو، رمزاً للإرادة الصلبة والصمود في وجه الاحتلال.

 

نغوص في ذكريات ذلك اليوم من خلال حوارات مع مصورين صحفيين كانوا في قلب الحدث إلى جانب عدد من زملائهم، محمود زيات وعلي حشيشو، مصوران صحفيان عاشا أحداث التحرير بعيونهما وعدساتهما، ليقدما لنا شهادات حية وصورًا نابضة بالحياة عن فرحة الأهالي وهم يعودون إلى ديارهم بعد سنوات من الغربة والتهجير القسري.

يقول المصور الصحفي محمود زيات، لـ”سبوتنيك”، إنني “كنت أغطي مناسبة لا علاقة لها بالتحرير ولا بهذا الحدث الكبير. كانت المناسبة قد جمعت أهالي بلدة القنطرة الجنوبية المحتلة آنذاك، وأهلها جميعهم مهجرين إلى بلدة الغندورية. سمعت همسًا بينهم عن اقتحام حاجز قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) نحو بلدتهم التي تبعد دقائق قليلة. لم تكن هناك أي مؤشرات تشير إلى تحرير جنوب لبنان بعد 22 عامًا من السيطرة العسكرية الفعلية للاحتلال الإسرائيلي”.

ويضيف: “على الصعيد الشخصي، كنت محظوظًا جدًا لتواجدي في المكان حينها، وهو ما يتمناه أي مصور صحفي أن يغطي هذا الحدث الكبير، خاصة إذا كانت معظم مسيرة عمله في جنوب لبنان. كان شيئًا يشبه الحلم. مشينا معهم وبدأ الترقب. وصلنا إلى نقطة الطوارئ ووقع عراك بين الأهالي وجنود اليونيفيل انتهى بتحطيم الباب الحديدي ودخول الناس إلى البلدات. ساحة الجنوب كانت تشهد عمليات عسكرية للمقاومة وحركة نار كبيرة، ولكن أن تنتهي بتحرير الجنوب بعد 22 عامًا من الاحتلال كان شيئًا خارج التوقعات”.

وحول أبرز الصور التي التقطها قال: “أبرز الصور، وهي غنية جدًا، كانت الاحتفالات العفوية التي حدثت في البلدات وصولاً إلى بلدة الطيبة، عندما رأينا مقاتلين من المقاومة يخرجون إلى الطرقات بزيهم العسكري وسلاحهم ويلتقون بأهاليهم. عندها صدقنا أن التحرير بدأ. ومن بعدها بدأنا نسمع أن ميليشيا لحد بدأت بالهرب، إلى جانب تفكيك الجيش الإسرائيلي لمواقعه. أصيبوا بالإرباك أمام تحرك الناس الذي ترافق بتحركات على خط الناقورة معبر الحمرا وخط بيت ياحون بنت جبيل وخط كفرتبنيت النبطية. هذه المعابر كانت الفاصلة بين المناطق المحررة والمحتلة، ولكن الشرارة الأولى كانت بوابة الغندورية القنطرة”.

 

ويتابع: “ما يرضيني أنني استطعت إيصال هذه الصورة إلى وسائل الإعلام خارج لبنان وداخله، صورة الفرح المتمثل بالتحرير. والصورة التي توقفت عندها هي صورة تمثل إرادة الناس التي حطمت بوابة مقفلة منذ 22 عامًا من مواطن أراد العودة إلى منزله بعد تهجير لسنوات طويلة. صور عديدة التقطناها في هذه المرحلة، مثل تعارف أفراد العائلة الواحدة على بعضهم البعض، على سبيل المثال أخ يتعرف على أخته بعد 22 عامًا من الفراق، وامرأة تقول لرجل: “أنا ابنتك”. وذلك بسبب أن الناس كانوا يعمدون إلى تهريب أبنائهم نحو المناطق المحررة كي لا يتم تجنيدهم بجيش لحد، ولذلك لحظات لم الشمل والتعارف كانت عاطفية جدًا لأنه لم يكن سهل التواصل بين المناطق المحررة والمحتلة كونها كانت تخضع لإجراءات كبيرة ومزاجية”.

 

وأوضح أنه “كان شعورًا جميلًا جدًا أنني أظهرت جزءًا بسيطًا جدًا جدًا من مسيرة معاناة الناس، وخاصة أنني كنت أتابع المنطقة المحتلة من خارجها”، وأردف: “كنت أعرف أسماء البلدات وطبيعتها من سنوات، وكان شعورًا جميلًا جدًا أن أدخلها وأتعرف عليها عن قرب. من ناحية إنسانية، أشعر براحة كبيرة كونني استطعت أن ألتقط صورًا معبرة عن هذا الحدث، بالرغم من أنه مهما كانت الصورة معبرة، يبقى الحدث أكبر منها. لا تستطيع صورة واحدة أن تجسد تحرير الجنوب. رأيت إحدى صوري قد رسمت على الجدار الذي بناه الاحتلال للفصل بين المستوطنات وبلدات جنوب لبنان. الرسام لم يعلم من هو المصور، وأنا لم أعلم من رسم اللوحة، وهذا ليس تفصيلًا مهمًا، لأن الأهم أن الصورة تجسدت في منطقة تعني الكثير اليوم”.

 

وختم: “يوجد فضول عند المصور الصحفي، خصوصًا إذا كانت المنطقة تعني له، لذلك يحتفظ بشيء لأن الذاكرة أحيانًا تخون. ولذلك في 27 مايو/أيار عام 2000، دخلنا إلى معتقل الخيام الذائع الصيت، وكان مشابهًا للمعتقلات النازية. وجدت كومة مفاتيح، وسألت عددًا من المعتقلين عنهم، فأخبروني أنهم مفاتيح الزنازين. أحدهم قال لي إن السجان، لكي يشعرهم بالرعب، كان يهزها قبل أن يفتح الزنزانة إيذانًا بجولة من التعذيب للمعتقل. لذلك كنت محظوظًا بحصولي على مفاتيح معتقل الخيام”.

 

بدوره، يروي المصور الصحفي علي حشيشو مشاهداته لـ”سبوتنيك” وكيفية تلقيه خبر التحرير قائلا: “من خلال عملنا قبل التحرير، كنا نستيقظ صباحًا على وقع أخبار قصف البلدات الجنوبية مثل برعشيت ومجدل سلم، أي البلدات المحاذية للشريط الحدودي. لذلك كان من طبيعة عملنا أن نكون متأهبين لتغطية الاعتداءات الإسرائيلية والأضرار الناتجة عنها. في 21 أيار عام 2000، استيقظنا على خبر لا تستطيع تصديقه للوهلة الأولى، وهو انسحاب إسرائيل من الجنوب. مع الوقت، اتضح أن هناك بلدات يخرج منها الإسرائيليون بشكل نهائي، فركبنا السيارة أنا وأحد الزملاء وانطلقنا نحو الجنوب دون معرفة وجهتنا. تتبعنا الأخبار على الطريق واتخذنا قرارًا بالتوجه نحو بلدة مجدل سلم. وصلنا، ركنَّا السيارة ووجدنا المئات من الناس يتجهون نحو وادي السلوقي، الذي كان يُعد خطيرًا جدًا وسقط فيه للمقاومة عشرات الشهداء نتيجة الألغام والتشريكات. لذلك قررنا أن نمشي مع الناس ونصور عبورهم نحو بلداتهم”.
وتابع: “في هذه الطريق، التقيت بإحدى النساء قالت إنها أم شهيد، ابنها استشهد في وادي السلوقي، وكانت متحمسة جدًا. كانت في بعض الأحيان تمشي حافية القدمين على الشوك والحجارة، إلى هذه الدرجة كانت حماسة الناس في 21 أيار”.

يستذكر حشيشو صورة لا تغيب عن ذهنه ويقول: “هناك صورة لا أستطيع أن أنساها في وادي السلوقي باتجاه بلدة طلوسة التي كانت محتلة. على مشارف البلدة، أذكر وجود امرأة تحمل ابنها وتريد أن تتسلق جَل عالي، وكان هناك شاب على الأرجح من المقاومة لأنه كان يحمل السلاح. وضع سلاحه على جنبه وحمل الولد من الأم. بالنسبة لي، إنها من أجمل الصور التي التقطتها، لأنني اعتبرت أن الناس الذين وضعوا ثقتهم بالمقاومة لتحرير الأرض، جائت المقاومة حتى خلال التحرير في تلك اللحظة بالذات وساعدتهم للوصول إلى بلداتهم”.

 

ويتابع: “في بلدتي دبل وعين إبل، وجدنا تجمعًا لآليات عسكرية، من الممكن أن تكون لجيش لحد أو للجيش الإسرائيلي، ورأينا الناس يهجمون على الآليات المجهزة ويعمدون إلى ركوبها وتفكيك الأسلحة والذخيرة. وثقت أحد الشباب يحمل رشاشًا متوسطًا ويخرج به من الموقع بالإضافة إلى ذخائر. في هذه اللحظة، من أين خُلقت صور قادة المقاومة وأعلام عدد من الأحزاب الوطنية ورفعت من على ظهر الملالات والآليات لا أعلم، لأنها كانت بالتزامن مع أول ساعات التحرير. هذه من المشاهد السعيدة، لأنه بقدر ما صورنا مشاهد ما قبل التحرير من مجازر ودمار، كنا نعلم أن لحظة التحرير قادمة، التاريخ قال ذلك، ولكن أن تعيش التحرير هو بلا شك إضافة”.

 

يقول حشيشو إنه هناك صورتين للتحرير: “الأولى هي على بوابة فاطمة والموقع الإسرائيلي الملاصق. مشهد الآلاف من الناس الذين كانوا يتوجهون إلى هناك لرجم الموقع بالحجارة، صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً بهدف الانتقام، دون أي رد فعل من الإسرائيليين. بوابة فاطمة كانت صورة ما بعد التحرير بساعات، بمعنى أن الناس تفرغ غضبها هناك. المشهد الثاني كان في القطاع الغربي في بلدة الضهيرة، أكاد أجزم أن كل سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان زاروا هذه النقطة التي كانت تتيح لهم الالتقاء بأهاليهم الذين كانوا يأتون من الأراضي الفلسطينية إلى السياج الفاصل. وكانت مشاهد العناق والتقبيل عبر السياج، وثقنا أن الفلسطينيين القادمين من لبنان كانوا يهدون أهاليهم وأنسبائهم علم فلسطين تحت مرأى الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يقمعونهم”.

 

واستذكر حشيشو مشهدا مختلط بين الحزن والفرح قائلا “في معتقل الخيام، رأينا أسرى محررين جاءوا بعد عدة أيام إلى المعتقل لأخذ أغراضهم من ثياب وأدوات بسيطة صنعوها خلال فترة الاعتقال، كالمسابح من عجوة الزيتون ورسائل كانوا قد كتبوها ولم يتسنى لهم إرسالها لأهلهم. هذه المتعلقات، التي بلا شك تعني لهم، جاءوا مرة أخرى دون السجان لأخذها والاحتفاظ بها”.

 

بجانب علي طيلة الوقت كانت توجد خوذة عسكرية يقول حشيشو أنني “أخذتها من موقع إسرائيلي كانوا قد أخلوه لتوهم. فالآليات التي كانت تتواجد في الموقع كانت لا تزال مجهزة ومسلحة، والناس دخلت وأخذت كل ما يظهر أمامها من أسلحة وعتاد عسكري. حتما الناس أخذتها للذكرى، لذلك أخذتها للذكرى. وهي من الذكريات التي يقول لي ابني أنه يريد أن يرثها مني، علمًا أنها ماديًا لا تعني شيئًا ولكن معنويًا تعني الكثير”.

 

ما يميز روايات هؤلاء المصورين هو أن الصور التي التقطوها في تلك اللحظات التاريخية لا تزال تُتداول حتى اليوم، حاملةً في طياتها مشاعر الفرح والانتصار والفخر الوطني. هذه الصور لم تكن مجرد لقطات عابرة، بل أصبحت جزءًا من الذاكرة الجماعية للبنانيين، تروي قصة التحرير وتخلّدها للأجيال القادمة. (سبوتنيك)


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى