آخر الأخبارأخبار دولية

الجهود الدولية لتحريك الجمود السياسي في ليبيا تصطدم بعقبات داخلية معقدة

شهدت ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية تحركات إقليمية ودولية بهدف تحريك العملية السياسية المتوقفة إثر تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في أواخر 2021. لكن مراقبين يرون أن الخلافات لا تزال عميقة بين أهم أطراف الأزمة: حكومة عبد الحميد دبيبة في طرابلس وقوات المشير خليفة حفتر في بنغازي، بشأن طريقة المضي قدما لتنظيم اقتراع يشارك فيه الجميع ويفضي لتوحيد سلطات البلاد.

نشرت في: 15/03/2024 – 18:31

7 دقائق

تشكيل حكومة موحدة تتولى تنظيم انتخابات تفضي لتشكيل سلطات مستقرة ومركزية في ليبيا، ذلك هو الهدف المعلن من التحركات الدولية والإقليمية على الساحة الليبية التي تعاني للعام 13 على التوالي من تفكك مؤسساتها السياسية والأمنية والعسكرية بعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في 2011.

وتتقاسم حكومتان السلطة، الأولى تسيطر على غرب البلاد ومقرها طرابلس ويرأسها عبد الحميد دبيبة وشُكّلت إثر حوار سياسي مطلع 2021 بدون الحصول على ثقة مجلس النواب، وأخرى تسيطر على شرق البلاد من بنغازي ويرأسها أسامة حمّاد وهي مكلفة من مجلس النواب ومدعومة من المشير خليفة حفتر.

ومنذ توقف صوت البارود والمدفعية بعد العملية العسكرية التي شنها حفتر من أبريل/نيسان 2019 إلى يونيو/حزيران 2020 التي فشلت في تحقيقها هدفها المتمثل بالسيطرة على طرابلس، تعثرت العملية السياسية بعد انهيار الانتخابات التي كانت مقررة في كانون الأول/ديسمبر 2021 وسط خلافات حول أهلية المرشحين الرئيسيين خصوصا من مزدوجي الجنسية والعسكريين.

خريطة النفوذ السياسي والعسكري في ليبيا. © ستوديو غرافيك فرانس ميديا موند

 

في نظر جلال حرشاوي  المتخصص في شؤون ليبيا والباحث المساعد في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، فإن التحركات الدبلوماسية الأخيرة تأتي بعد قرار رئيس مصرف ليبيا محمد صديق الكبير إيقاف صرف أموال المشاريع التنموية منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ما شكل ضربة كبيرة للاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد ”الهدف من خطوة صديق الكبير هو عدم إنهاك احتياطات النقد الأجنبي للبلاد، وآخر خطوة من الكبير كانت الرسالة المفتوحة لدبيبة دعاه فيها لضبط الإنفاق العام في مؤشر على خلاف كبير بين الرجلين”.

اتفاق أم عدم اتفاق؟

وأفضت الجهود الأخيرة لإنهاء الانسداد السياسي بالخصوص إلى إعلان قيادات معترف بها دوليا، بعد لقاء مع الأمين العام للجامعة العربية، في القاهرة إلى تشكيل “لجنة فنية للنظر في التعديلات المناسبة لتوسيع قاعدة التوافق والقبول وحسم الأمور العالقة حيال النقاط الخلافية”.

والقادة هم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ومقرهما طرابلس، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب في بنغازي.

ويشدد الحرشاوي على أن التقارير التي تحدثت عن اتفاق القادة الثلاثة ليست دقيقة “فهي لم تتفق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بل على تشكيل لجنة فنية للنظر في المشاكل الموجودة، تكالة لم يتخل عن دبيبة وهو ما يضمن لهذا الأخير البقاء في السلطة لبضعة أشهر على الأقل”

إلى ذلك، دعا بيان سفراء الاتحاد الأوروبي وبعثة الاتحاد لدى ليبيا بمناسبة حلول رمضان القادة الليبيين إلى قبول دعوة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي للاجتماع “بدون مزيد من التأخير، ربما خلال الشهر الفضيل، لمناقشة وحل جميع العقبات العالقة التي تمنع المواطنين من إعادة الشرعية إلى المؤسسات من خلال الانتخابات الوطنية”.

انتخابات ”مهما كان الثمن” 

يرى الحرشاوي في هذا البيان تغيرا في نبرة الأطراف الدولية بشأن الانتخابات عما كان عليه الحال في 2021: ”خطاب القوى الدولية بدا خفيفا جدا بشأن الانتخابات هذه المرة، فهي لم تعد تطالب بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية على كامل التراب الليبي، والآن أصبح المطلب تنظيم انتخابات بدون تحديد ظروفها أو شروطها ولا جدولها الزمني. حتى أن عبد الله باتيلي التقى قادة الميليشيات لضمان الأمن في أي انتخابات مقبلة، لكن ذلك يعطي شرعية لهذه المليشيات التي ارتكبت مجازر”.

ويعتبر حرشاوي أن مصر هي الطرف الأكثر تأثيرا في الفترة الحالية في المشهد الليبي حيث يقول ”ما انفكت القاهرة عن الدعوة لانتخابات بدون تحديد ظروفها وشروطها ما قد يمهد الطريق لإقامة نظام رئاسي متسلط على رأس البلاد. فيما اختارت الولايات المتحدة التي تتحرك هي الأخرى في الملف الليبي إبقاء موقفها غامضا بشأن التحركات المصرية، وهو غموض مقصود من إدارة الرئيس جو بايدن يترك الأزمة الليبية مفتوحة على كل الاحتمالات خصوصا فيما يتعلق بمصير دبيبة”.

حفتر يعد أبناءه لخلافته

داخليا، لم يتغير موقف أهم طرفين سياسيين في ليبيا، وهما حكومة دبيبة والسلطات الموالية لخليفة حفتر في اتجاه مرونة أكبر.

وكان دبيبة صرح سابقا أنه لن يسلم السلطة إلى حكومة تنبثق عن انتخابات وهو ما جدده في لقاء مع باتيلي الأحد. فيما أدلى حفتر الخميس بتصريح مليء بالدلالات في خطاب بمدينة سرت قال فيه “المسار السياسي قد أُعطي من الفرص أكثر مما ينبغي بدون أن تظهر في الأفق أية ملامح لحلول توافقية تنتهي بتسوية سلمية عادلة وتدفع باتجاه تحقيق الاستقرار السياسي”، معتبرا أن “مجال منح الفرص أصبح ضيقا”.

ويرى الحرشاوي، أن لقاء القاهرة يخدم مصالح حفتر أكثر من دبيبة ” تصريح حفتر في سرت يفهم منه أنه يرى في غياب دبيبة عن اللقاء أمرا يجعل منه الطرف المشاغب في الأزمة الليبية. حفتر يعتبر نفسه فوق الأزمة الليبية وليس طرفا فيها. في المقابل، حفتر سيبلغ هذا العام 81 عاما وهو ما يبعده أكثر فأكثر عن دور في مستقبل ليبيا لكنه بصدد إعداد نجليه صدام وخالد للعب دور رئيسي في البلاد ”أعتقد أن دور صدام هو الأكبر على الأقل في المرحلة الحالية ولعل الهدوء النسبي الذي عرفته ليبيا خلال الأعوام الماضية هي علاقة صدام الجيدة بإبراهيم دبيبة وهو ابن أخ رئيس الحكومة، لكن هذه العلاقة انقطعت مؤخرا ما يفسر التوتر الحاصل في الوقت الحاضر”.

تقارب ”براغماتي” بين صديق الكبير وسلطات الشرق

هذه التحركات تأتي في خضم أزمة تضخم اقتصادية مع تهاوي سعر صرف الدينار الليبي أمام الدولار حيث وصل السعر الخميس إلى  7.43 دينارا للدولار الواحد. قرر عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي في شرق ليبيا الخميس خفض قيمة الدينار عبر فرض ضريبة تبلغ 27 بالمئة على مشتريات العملات الأجنبية، في خطوة قال إن العمل بها يستمر حتى نهاية العام فقط.

يقدر الحرشاوي أن قرار عقيلة صالح يوحي بتقارب مع صديق الكبير للمرة الأولى ”رئيس مصرف ليبيا المركزي الذي دعا منذ أيام إلى رفع سعر صرف الدينار الليبي أمام الدولار وسرعان ما تجاوب عقيلة صالح مع هذا المطلب. صديق الكبير هو رجل عقلاني ويعي جيدا أنه لا يستطيع خوض معركتين كبيرتين في آن، باعتبار خلافاته الأخيرة مع دبيبة، يبدو أنه اختار في الوقت الحاضر التقرب من معسكر عقيلة صالح- حفتر شرقا”.

في المحصلة، تواجه المحاولات الدولية والإقليمية لتحريك الجمود على الساحة الليبية خلافات عميقة وحسابات معقدة للأطراف الداخلية في ظل غياب أفق واضح بشأن دستور جديد للبلاد تتمخض عنه انتخابات وسلطات جديدة موحدة.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى