ما هي وظيفة التكنو-سياسي… محرك الدمى في النظام السياسي الروسي؟
غالبا ما تتم مقارنة وظيفة التكنو-سياسي الروسي بوظيفة المستشار، ومع ذلك، فالأول يحتل مكانة بارزة في أركان النظام السياسي الروسي بل وحتى خارج حدود البلاد. إيليا غامباتشيدزه، الشخصية التي يظهر اسمها أكثر فأكثر في عمليات التضليل الروسية حول العالم، هي مثال على ذلك التكنو-سياسي.
نشرت في: 01/03/2024 – 09:09
8 دقائق
يرتبط اسمه بحملة التضليل الروسية الواسعة “دوبلغينغر”[“الشبيه” باللغة الألمانية] في أوروبا وأمريكا الجنوبية. كما اتهمته كييف في ديسمبر/كانون الأول الماضي بتطوير خطة جديدة للحرب المعلوماتية في أوكرانيا؛ إنه إيليا غامباتشيدزه.
كل ذلك يكفي لإعطاء الانطباع بأن هذا الرجل الخفي يلعب دورا مركزيا في جهاز الدعاية الجديد الذي تديره موسكو على شبكة الإنترنت. وهكذا أصبح مرشحا جادا لترؤس العمل الدعائي عبر الإنترنت “لوكالة أبحاث الإنترنت”، أكاديمية المؤثرين، تلك التي خفت تأثيرها بعد وفاة مؤسسها يفغيني بريغوجين.
اقرأ أيضاإيليا غامباتشيدزه: جندي بسيط من جنود آلة التضليل الإعلامي الروسية أم قائد الكتيبة؟
رسميا، فإيليا غامباتشيدزه هو “تكنو-سياسي” مثله مثل المئات في روسيا. وهذه المهنة هي مهنة معروفة لدى الروس، الذين يشاهدون هؤلاء الخبراء كل يوم وهم يستعرضون البرامج السياسية على أجهزة التلفزيون، بيد أنها غير معروفة خارج حدود البلاد.
يعتبر التكنو-سياسي شخصية مركزية في الطيف السياسي في روسيا ويجسد بشكل متزايد قدرة موسكو على التأثير في العالم. أندرو ويلسون، خبير الشؤون الروسية في كوليدج أوف لندن، ومؤلف كتاب “التكنو-سياسة: عولمة التلاعب السياسي”، الذي نشر في ديسمبر/كانون الأول 2023، يقدم لنا تحليله لهؤلاء المتخصصين الروس في التواصل السياسي.
فرانس24: لنبدأ بسؤال عمن هو التكنو-سياسي؟
Table of Contents
أندرو ويلسون: وفقا للتعريف الرسمي في روسيا، فإنه الشخص الذي يقدم حلولا هندسية سياسية [دعم القرار السياسي – أسرة التحرير] من أجل توفير ميزة حزبية لرب عمله.
ولفهمٍ أكثر لما يغطيه هذا المنصب بالضبط من مهام، يجب أن نعود بالزمن إلى الوراء قليلا. تبلور الدور الحديث للتكنو-سياسي في عام 1990، بعد وقت قصير من سقوط النظام السوفييتي. كانت مهمته الرئيسية آنذاك هي مساعدة سيده السياسي على تجنب المشاكل. بهذا المعنى، قام فلاديمير بوتين بعمل التكنو-سياسي في عام 2000، قبل فترة وجيزة من أن يصبح رئيسا، لصالح الرئيس السابق بوريس يلتسين لضمان إفلاته من الإجراءات القانونية ضده.
ثم أصبحوا بعد ذلك من كبار المسؤولين عن هندسة الانتخابات. من الأمثلة الشهيرة على التكتيكات التي يستخدمها التكنو-سياسيون هو تكتيك ترشيح الجنرال ليبيد ضد بوريس يلتسين خلال الانتخابات الرئاسية لعام 1996. فالأفراد الذين مولوا حملة الرئيس الروسي المستقبلي كانوا أيضا، من وراء الكواليس، هم من دفعوا ألكسندر ليبيد لترشيح نفسه. واحتل هذا العسكري السابق المركز الثالث في السباق بحصوله على ما يقرب من 15 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى، ثم دعا جميع أنصاره بعد ذلك للتصويت لبوريس يلتسين.
توضح هذه الحالة الطريقة التي بدأ بها التكنو-سياسيون في السيطرة على عناصر النظام السياسي الروسي. ثم بالمال والنفوذ و”الكومبرومات” (بالروسية: استخدام طرق قذرة لابتزاز الضحايا)، أقاموا نظاما سياسيا أكبر بكثير، مثل رقعة الشطرنج التي باتوا يتحكمون من خلالها في حركة كل قطعة عليها.
ما هو الفرق بينهم وبين “أطباء التأثير” أو “المستشارين السياسيين” الموجودين في الغرب؟
كان الدور الأصلي “لأطباء التأثير” هو الذهاب إلى وسائل الإعلام بعد نقاش سياسي ومحاولة إقناعها بأن مرشحهم قد فاز بالمناظرة. من المفترض أن يقوم المستشارون السياسيون أو المستشارون ببساطة بتقديم المشورة أو تحسين صورة المرشح الذي يعملون من أجله.
من الواضح أن هذه المفاهيم قد تطورت وهؤلاء الأفراد يقودون الآن جميع جوانب الحملة الانتخابية. لقد أنشأوا نظاما كاملا من البث الإعلامي، وحرصوا على جمع الأموال وتأسيس سرديات الحملة الانتخابية. بهذا المعنى، يمكن أن يكون ذلك قريبًا مما يفعله التكنو-سياسيون.
لكن السياق مختلف. في الولايات المتحدة مثلا، يعمل المرشحون في خدمة الممولين الخاصين لحملاتهم، واللجان الانتخابية ووسائل الإعلام التي تقترح واقعا بديلا مواتيا لهذا المرشح. السياسيون منغمسون في هذا العالم كله الذي أنشأه المستشارون السياسيون لتسليط الضوء عليهم.
في روسيا، السياسيون هم مجرد دمى في أيدي التكنو-سياسيين. فتكتيكاتهم جعلت بإمكانهم فرض سيطرة كاملة على العالم السياسي حيث يكون الجميع ممثلين يحترمون السيناريو والنص. كل ما يخرج من فم فلاديمير بوتين مثلا يقف وراءه تكنو-سياسي من أجل إنتاج التأثير المطلوب.
كيف تطورت هذه المهنة؟
بعد سيطرتهم على النظام السياسي الروسي في 1990، صقل التكنو-سياسيون أساليبهم لمنع الدمى من الهروب من قبضتهم. ثم كان عليهم بعد ذلك مواجهة الاحتجاجات الشعبية ضد هذا النظام السياسي الخاضع للسيطرة. وهذا ما حدث، لا سيما مع مظاهرات 2011-2012 [في أعقاب عمليات التزوير الضخمة التي تم الكشف عنها خلال الانتخابات التشريعية – أسرة التحرير]. ثم طور التكنو-سياسيون وسائل لتحييد هذا التهديد. لقد نجحوا في تحقيق هذه الغاية لأن جميع مراكز السلطة اليوم باتت واقعة في قبضة هؤلاء التكنو-سياسيين.
ولكن إذا تم تزوير كل شيء تحت سمع وبصر الجميع، فلن يريد أحد المشاركة والتصويت بعد الآن. وهذا ما أضاف للتكنو-سياسيين قيمة أكبر وساهم في نمو سلطتهم: العمل بنجاح من أجل تحسين المشاركة الانتخابية.
منذ فبراير/شباط 2022، أصبحت روسيا أكثر قمعا تجاه المعارضة وبالتالي في حاجة إلى قدر أقل من الدراية الفنية للتكنو-سياسيين للتحكم بالنظام السياسي. لذا بدأ هؤلاء في إعادة تشكيل أنفسهم ومهنتهم وباتوا أكثر اهتماما بكل ما يتعلق بالسياسة، حتى خارج العملية الانتخابية.
وهذا هو التغيير الرئيس منذ انتخاب فلاديمير بوتين في عام 2000. لقد استولى التكنو-سياسيون تدريجيا على السردية التاريخية الروسية [من تأسيسها وحتى وصول بوتين إلى السلطة – أسرة التحرير]، وأعادوا كتابتها لجعلها أداة دعائية. وباتوا يولون عناية فائقة للسياسة الخارجية ويتدخلون في السياسة الدينية.
فلاديمير ميدينسكي، وزير الثقافة الحالي، خير مثال على هذا التطور. كان يطلق عليه أحيانا مؤرخ بوتين، وتم تعيينه في بداية الحرب ضد أوكرانيا للتفاوض مع كييف، وكان يعمل في شركة “تكنو-سياسية” في أعوام التسعينات.
هل يجب على الغرب الحذر من هؤلاء التكنو-سياسيين؟
نعم. بالمناسبة، كان العنوان الأول الذي فكرت فيه لكتابي هو “اختراق الديمقراطية العالمية”. بدأت العمل على هذا الكتاب بمناسبة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016. الطريقة التي سعت بها روسيا للتأثير على نتيجة هذه الانتخابات ليست أكثر من تطبيق على المسرح الدولي للأساليب التي يستخدمها التكنو-سياسيون على المستوى الوطني الروسي.
الطريقة الرئيسية هي ما يسمى “العدوى الثانوية”. يبدأ التكنو-سياسيون بحقن معلومات خاطئة في النقاش العام، ثم يشرعون في تنفيذ “العدوى الثانوية” التي تتكون من تعميم هذه المعلومات في وسائل الإعلام التقليدية. وقد وقعت الصحف والقنوات التلفزيونية الأمريكية الرئيسية في هذه الأحبولة من خلال معالجة الموضوعات التي دفعها التكنو-سياسيون الروس في الأصل لإشعال النقاش.
ومنذ ذلك الحين، وجدنا تكنو-سياسيين يعملون في العديد من البلدان، وبخاصة في القارة الأفريقية. إنهم يحاولون التأثير على الأحزاب في هذه البلدان، وتدريب مراكز محلية على فن تزوير الانتخابات، وبشكل أعم، تنظيم التلاعب في استطلاعات الرأي. كما كانوا نشطين للغاية خلال حملة استفتاء الاستقلال في عام 2017 في كاتالونيا حيث لم يكن لدى موسكو، بداهة، أي مصلحة هناك… سوى إشعال الخلافات داخل بلد عضو مهم في الاتحاد الأوروبي.
النص الفرنسي: سيباستيان سايبت | النص العربي: حسين عمارة
مصدر الخبر
للمزيد Facebook