هل سيجد لبنان من يسانده؟
من يعتقد أن الحرب في لبنان غير قائمة يكون مخطئًا. وهي بواقعها الحالي مضرّة بالقدر نفسه، الذي يمكن أن تكون عليه، وإن بنسب أقّل، لو أنها تشمل كل المناطق اللبنانية. ولأن لبنان كلٌّ لا يتجزأ، أقّله في الوقت الحاضر، فإن ما يصيب أي جزء منه يتأذى الجسم كله تمامًا كجسم الانسان. فإذا أصاب أي عضو من أعضائه أي مكروه أو مرض يتأثر الجسم كله، ولا يقتصر الضرر على هذا العضو دون غيره من الأعضاء. ولأن الجنوب هو الذي يتعرّض للاعتداءات الإسرائيلية المتتالية والمتوالية، بسبب أو من دون سبب، فإن ما يصيبه من أذى وما يلحق به من خسائر بشرية ومادية يتأثر به كل لبنان بطريقة أو بأخرى، ويطال ضرره جميع اللبنانيين، سواء الذين يؤيدون “حزب الله” في فتح الجبهة الجنوبية أولًا، وفي ربطها بمجريات حرب غزة ثانيًا، أو أولئك الذين يعترضون على سياسته، وآخرهم “التيار الوطني الحر” بلساني عميده ورئيسه.
ووفقًا لآخر الإحصاءات عن الخسائر التي لحقت بأهل الجنوب في المناطق التي تشهد مواجهات بين عناصر “الحزب” والجيش الإسرائيلي فإن عدد الوحدات السكنية التي تضررت كلياً أو جزئياً بلغ حتى الآن ثلاثة آلاف وحدة، فيما ارتفعت التقديرات عن كلفة إصلاح الأضرار في هذه المباني، والتي كانت تقدّر سابقاً بعشرات الملايين من الدولارات. ويقول شهود عيان إن ما لحق ببعض القرى الحدودية الأمامية من دمار وخراب يشبه إلى حدّ كبير ما أصاب أكثر من منطقة في قطاع غزة. وهذا الأمر يثير أكثر من جدل بالنسبة إلى إمكانية عادة بناء ما تهدّم والتعويض بما لا يُعوضّ عمن خسر أحبته، وإن كان كثيرون من أهل الجنوب يؤمنون بالكلام الذي قاله الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، والذي جاء فيه أنه على استعداد لإعادة اعمار ما تهدّم وبحّلة أجمل مما كان عليه الوضع قبل 8 تشرين الأول الماضي. ولكن البعض الآخر يطيب له تذكير أصحاب الذاكرة الضعيفة بأنه لولا المساعدات السعودية والقطرية بنوع أخصّ بعد حرب تموز لما أعيد أعمار ما تهدّم.
وإذا أراد مَن يراقب المشهد اللبناني العام من بعيد أن يصف ما حقيقة ما يعيشه اللبنانيون اليوم فإنه لن يرى سوى أشخاص غارقين في مشاكلهم اليومية والحياتية حتى أذنيهم وغير قادرين على تحمّل وزر حرب لا يريدونها، وإن كان بعض منهم لا يخشونها، وهم بالكاد يستطيعون أن يعيشوا كل يوم بيومه طالبين من الله، صبحًا ومساء، أن يعطيهم خبزهم كفاف يومهم، وأن يبعد عنهم الشرّ المطلق، وألا يوقعهم في التجارب. وقد يكون أقسى أنواع التجارب، التي يمكن أن يقع بها اللبنانيون هي جرّهم إلى حرب هم في غنىً عنها على طريقة “هروب من الشر وغنيلو”.
فهذه الجدلية قائمة اليوم بين اللبنانيين، وهي ستأخذ أبعادًا حادّة أكثر من ذي قبل، خصوصًا بعد موقفي كل من الرئيس السابق ميشال عون والنائب جبران باسيل، اللذين انضّمّا إلى القوى المسيحية وغير المسيحية المعارضة لزجّ لبنان في أتون حرب ليس للبنان فيها أي مصلحة لا آنية ولا استراتيجية.
فالبلد مشلول بفعل الإضرابات التي تشمل كل الدوائر الرسمية في الدولة. وإذا لم يتراجع موظفو وزارة المالية عن هذا الاضراب فإن الوفًا مؤلفة من الموظفين، ومن بينهم العناصر العسكرية، لن يتقاضوا رواتبهم عن شهر شباط، الذي شارف على نهايته. وهي رواتب غير كافية في الأساس لتأمين معيشة كريمة ولائقة لأكثر من أيام قليلة، في ظلّ استمرار الشغور الرئاسي، وهو شغور يعترف الجميع بأنه مميت، وفي ظل حكومة يُمنع وزراؤها من الوصول إلى السرايا لأسباب كثيرة، ومن بينها أن العسكريين المتقاعدين يقطعون كل الطرق المؤدية إلى هذه السرايا، وفي ظلّ التشريع بـ “القطارة” على قاعدة أنه لا يحقّ للمجلس النيابي التشريع، وهو يُعتبر هيئة ناخبة فقط لا غير.
وعلى رغم كل هذه المعاناة فإن ما يلحق باللبنانيين من أضرار مباشرة أو غير مباشرة لحرب المساندة كبير جدًّا، خصوصًا أنه يُخشى في حال وقعت الحرب الشاملة والواسعة ألا يجد لبنان من يسانده كما كانت عليه الحال بعد حرب تموز.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook