آخر الأخبارأخبار محلية

الحملة المتجدّدة على الحكومة.. من يطبّع مع الفراغ الرئاسي؟!

 
مع أنّ قرار الحكومة تعيين رئيس الأركان في الجلسة الأخيرة لم يكن مفاجئًا، إذ بدأ التحضير له منذ نهاية العام الماضي، بدفعٍ من “الحزب التقدمي الاشتراكي”، بالتوازي مع العمل على التمديد لقائد الحيش العماد جوزيف عون، إلا أنّه استُتبِع بـ”حملة واسعة” شاركت فيها قوى سياسية ترفض تسيير الحكومة لشؤون البلاد والعباد منذ اللحظة الأولى للشغور الرئاسي، وكأنّ المطلوب تكريس “الفوضى الشاملة”، التي لا تفضي سوى إلى “المجهول”.

 
ومع أنّ الحكومة التي أحجمت منذ اليوم الأول للفراغ في رئاسة الجمهورية، عن الكثير من التعيينات خصوصًا في وظائف الفئة الأولى لغياب التوافق بشأنها، استندت هذه المرّة إلى دراسة قانونيّة معلّلة، تنطلق من كون الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد، تتطلب ملء الشغور في هذا المنصب الحسّاس، فإنّ الأمر وصل بالبعض لحدّ اتهام مجلس الوزراء بارتكاب “جرم جنائي” يُعاقَب عليه بالسجن، كما جاء مثلاً في “مطالعة” الوزير السابق جبران باسيل.
 
قد يقول قائل إنّ هذا النوع من “الحملات” ليس جديدًا، خصوصًا من جانب باسيل، الذي أعلن “القطيعة” مع الحكومة منذ فترة طويلة، حتى إنّه يرفض مجرّد اجتماعها، ولو لتسيير شؤون الناس، أو لتحصين الساحة في مواجهة الحرب الإسرائيلية، فإنّها تدفع مرّة أخرى إلى طرح سلسلة من علامات الاستفهام، حول التبعات المحتملة على المسار السياسي العام، ولكن أيضًا حول منطق “التطبيع مع الفراغ”، ومن الذي يقوم به فعليًا.
 
ظروف استثنائية
 
يستغرب المؤيّدون لوجهة نظر الحكومة الهجوم القاسي الذي تعرّضت له على خلفية قرارها الأخير تعيين رئيس للأركان، بحجّة مخالفة الدستور، أو مصادرة صلاحيات وزير الدفاع، فضلاً عن التطبيع مع الفراغ الرئاسي، في حين أنّ القاصي والداني يدرك أنّ الحكومة تعبر منذ اليوم الأول للفراغ الرئاسي “بين ألغام”، بأتمّ معنى الكلمة، وتحرص على عدم القيام بأيّ خطوات يمكن أن تُفسَّر “استفزازًا” لهذه الشريحة أو تلك من اللبنانيين.
 
يشدّد هؤلاء على أنّ الظروف الاستثنائية التي تشهدها البلاد كانت الدافع الوحيد خلف تعيين رئيس الأركان، لأنّ الاستمرار بالوضع القائم يُعتبَر غير مقبول في الأوقات العاديّة، فكيف بالحريّ في وقت تبدو البلاد برمّتها في حالة حرب، ينذر التصعيد الإسرائيلي بتوسّعها في أيّ لحظة، ما يتطلّب جهوزية أمنية منقطعة النظير، علمًا أنّ رئيس الأركان وحده يستطيع أن “ينوب” عن قائد الجيش في أيّ ظرف قد يتطلب ذلك.
 
من هنا، يشدّد المدافعون عن وجهة نظر الحكومة على البعد “الوطني” للقرار، بعيدًا عن أيّ حسابات سياسية، لا تبدو حاضرة سوى في “مخيّلة” بعض المعترضين، علمًا أنّ هؤلاء يمكنهم أن يسلكوا الطريق القانونية في اعتراضهم، فيطعنوا بكل بساطة في القرار، والأكيد أنّ الحكومة لن تتأخّر في الالتزام بأيّ قرار يصدر بموجب ذلك، بل “ستخضع لأي قرار قد يصدر في حال تقديم أي طعن”، كما جاء في بيان رئيسها نجيب ميقاتي.
 
“تطبيع مع الفراغ”
 
تبقى العبارة السحرية التي تُستخدَم في الحملات، والتي “يتقاطع” حولها الخصوم، هي “التطبيع مع الفراغ”، وهي عبارة باتت مستهلكة في كلّ المفاصل والمحطات، كأن يوضع تعيين رئيس الأركان في خانة “التطبيع مع الفراغ الرئاسي”، بمعنى التعامل مع هذا الفراغ وكأنّه أمر عادي، لا يؤثّر على سائر الاستحقاق، وهو ما قد يترك انطباعًا أنّ البلاد يمكن أن تُحكَم، من دون حاجة لوجود رئيس الجمهورية، مع كل ما يثيره مثل هذا “المنطق” من جدل.
 
إلا أنّ المفارقة، وفق ما يقول العارفون، أنّ نغمة “التطبيع مع الفراغ” بهذا المعنى تصبح “استنسابية”، فبعض من يرفضون تعيين رئيس الأركان اليوم بحجّة “التطبيع مع الفراغ”، مع إدراكهم لعدم جواز استمرار “الشلل” في المؤسسة العسكرية، لا يرون الأمر نفسه في حالات مشابهة، بل إنّ بعض هؤلاء مثلاً كان يدعو جهارًا لتعيين قائد أصيل للجيش منعًا للتمديد للعماد جوزيف عون، كما كان يطرح رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مثلاً.
 
أبعد من ذلك، يقول العارفون إنّ من يتحمّل مسؤولية “التطبيع مع الفراغ” ليست الحكومة التي تعمل كلّ ما بوسعها لتسيير شؤون الناس في الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلاد على كل المستويات، فهي تقوم بواجباتها البديهية في هذا المضمار، بل إنّ من يهاجمونها ليلاً نهارًا من يتحمّلون هذه المسؤولية، بتقاعسهم حتى الآن عن القيام بواجباتهم بانتخاب رئيس للجمهورية، أو حتى بفتح المجال لمثل هذا الانتخاب عبر رفض كل أشكال الحوار والتفاهم.
 
“انتخبوا رئيسًا ليرتاح لبنان”. بضع كلمات قالها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ردًا على الحملات، قد تختصر بحدّ ذاتها الرسالة التي أراد إيصالها. ليست الحكومة من يطبّع من الفراغ، وليست من يتحمّل مسؤولية إطالة أمد هذا الفراغ، بل إنّ المسؤولية هي عاتق نوابٍ “يطبّعون مع الفراغ” بصدّهم كلّ محاولات إنهائه، عبر التفاهم على انتخاب رئيس، من شأنه أن يؤدي تلقائيًا إلى انتظام المؤسسات الدستورية، وهنا بيت القصيد!

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى