آخر الأخبارأخبار محلية

سباق بين الحرب والتسوية.. أيّ ثمن لضربتي النبطية وجدرا؟!

فعلها العدو الإسرائيلي مجدّدًا، فوسّع رقعة اعتداءاته، لتشمل عملياته مناطق بقيت خارج دائرة الاستهداف المباشر منذ بدء الاشتباكات بينه وبين “حزب الله” في الثامن من تشرين الأول الماضي، ولو على شكل “عمليات استهداف محدّدة” في كلّ من النبطية وجدرا، كما فعل سابقًا في الضاحية الجنوبية لبيروت، وكأنّه بذلك يشرّع لنفسه “استباحة السيادة اللبنانية بالكامل”، من دون أيّ حسيب أو رقيب، ووسط صمت دوليّ متواصل.

 
في القراءة الميدانية والعسكرية، يمكن وضع التصعيد الإسرائيلي المستجدّ على الجبهة اللبنانية تحديدًا، في إطار سعيه لتحقيق شيءٍ ما، بعدما عجز على مدى حربه التي تصنَّف الأطول على غزة، من تحقيق أيّ إنجاز عسكريّ يُبنى عليه، وكذلك في إطار محاولته الضغط على “حزب الله”، أو بالأحرى التفاعل مع “الضغوط” التي يتعرّض لها، بعد “تفريغ” مستوطنات الشمال من سكانها بفعل عمليات الحزب المتواصلة منذ الثامن من تشرين الأول.
 
لكن، في القراءة السياسية، يطرح التصعيد الإسرائيلي الكثير من علامات الاستفهام، خصوصًا أنه يأتي بعد تسريباتٍ تحدّثت خلال الأيام الأخيرة عن “اتفاق وشيك” بين تل أبيب و”حزب الله”، برعاية أميركية، سيبصر النور خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فهل يبقى مثل هذا الاتفاق، إن وُجِد، مطروحًا بعد ضربتي النبطية وجدرا؟ وما هي التبعات المحتملة للتصعيد الإسرائيلي على أرض الميدان، وتحديدًا من جانب “حزب الله”؟!
 
تطوّر “خطير”
 
يقول العارفون إنّ “حزب الله” يتعامل مع ضربتي النبطية وجدرا بوصفها “تطورًا خطيرًا” في مجريات المعارك المفتوحة منذ الثامن من تشرين الأول، إذ إنّ الإسرائيلي لا يخرق من خلالهما قواعد الاشتباك فحسب، ولكنّه يقول إنّ كلّ المناطق اللبنانية باتت “هدفًا مشروعًا” بالنسبة إليه، إذا ما أراد استهداف أيّ شخصية في أيّ منطقة، ولو حاول ربط هذه “الأهداف” بحربه على غزة، وعلى حركة حماس، وبالتالي “تحييد” لبنان، وحتى “حزب الله” عنها.
 
صحيح أنّ ضربتي النبطية وجدرا سبقتها ضربات “نوعية” أخرى، شملت مناطق خارج نطاق العمليات التي تبقى محصورة في المناطق الحدودية، لعلّ أخطرها تلك التي حصلت في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، لاغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، لكنّ العارفين يقولون إنّ رفع وتيرة الاستهداف بهذا الشكل يُعتبَر استفزازًا لـ”حزب الله”، الملتزم حتى الآن بـ”ضبط” ردوده، تفاديًا للذهاب إلى حرب لا تحمد عقباه.
 
لكنّ العارفين بأدبيّات “حزب الله” يؤكدون أنّ صبر الأخير ليس مفتوحًا، وأنّ على الإسرائيلي أن يتحمّل “عواقب” أفعاله، وأنّ الرد هذه المرّة يجب أن يكون مختلفًا عن كل المرات السابقة، لتكريس معادلة الردع، ومنع العدو من التمادي في انتهاكاته، علمًا أنّ الحزب يكرّر دومًا وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله، أنّه جاهزٌ للحرب ومستعدّ لها، ولو أنّه لا يريدها، بل إنّ الحرب متى نشبت، ستحرّره من الكثير من القيود التي يدركها الإسرائيلي قبل غيره.
 
ماذا عن “التسوية”؟!
 
ليس خافيًا على أحد أنّ الضربتين الأخيرتين على النبطية وجدرا، معطوفة على مجريات العمليات العسكرية في الأيام الأخيرة، والتي شهدت تصعيدًا لافتًا على أكثر من خط، كلها تركت انطباعًا بأنّ حظوظ “التسوية” تراجعت إلى حدّها الأدنى، وأنّ فرص “تصعيد المواجهة” هي التي ارتفعت، بل إنّ سيناريوهات “الحرب الشاملة” باتت في هذه المرحلة أقوى من أيّ وقت مضى، بمعزل عن كلّ ما يُحكى بخلاف ذلك في بعض الأوساط السياسية.
 
لكنّ العارفين يعتقدون أن كل ما يُثار في هذا السياق يبقى في خانة “التكهّنات” ليس إلا، علمًا أنّ ما حصل في الأيام الأخيرة وإن بدا بمثابة “إعلان حرب” في مكانٍ ما، يبقى “مضبوطًا” بشكل أو بآخر، باعتبار أنّ ما كان يمنع نشوب الحرب في السابق لا يزال يمنعها اليوم، ولو أنّ الإسرائيلي يحاول “الاستفزاز” في مكانٍ ما، للتغطية على إخفاقه المستمرّ في تحقيق الأهداف المُعلَنة من حربه على غزة، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس.
 
ومع أنّ كل السيناريوهات تبقى مطروحة على الطاولة وفقًا للعارفين، علمًا أنّ لا شيء يدفع للاعتقاد بأنّ اتفاقًا قد أنجِز بالفعل، ولا سيما أنّ مثل هذا الاتفاق لم تنضج معطياته أصلاً، فإنّ ما يمكن اعتباره “ضمانة” لعدم الذهاب إلى حرب يبقى في الموقف الأميركي، الذي لا يبدو مساندًا لأيّ حرب إسرائيلية على لبنان كما في غزة، والذي يسعى أصلاً لاحتواء التوتر، قبيل الانتخابات الأميركية، حتى لو أدّى ذلك إلى تقديم “انتصار” لـ”حزب الله”.
 
ثمّة من يعتقد أنّ جولة التصعيد الحاليّة تمهّد في مرحلة ما للانزلاق نحو حربٍ تتزايد احتمالاتها يومًا بعد آخر، وقد تصبح “أمرًا واقعًا” في أي لحظة بفعل التهوّر الإسرائيلي، الذي يرقى لمستوى “الجنون”. لكن ثمّة في المقابل، من يضع الأمر في خانة “مواكبة المفاوضات” الجارية خلف الكواليس، في ظلّ اعتقاد بأنّ الميدان هو الذي يرسم “خطوط التفاوض”، ويرفع الأسهم بشكل أو بآخر. فأيّ الاحتمالين سيسبق الآخر؟!

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى