آخر الأخبارأخبار دولية

اتهامات لمنجم ذهب بالتسبب في التلوث وتحقيق يبقي الغموض

تعرض ستة صحافيين يعملون لصالح موقع مستقل متخصص في التحقيقات الاستقصائية في أذربيجان “أبزاس ميديا” إلى الاعتقال منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 في باكو. وكان هؤلاء الصحافيون قد نقلوا تفاصيل عن تحقيقهم لصالح مجموعة “فوربيدن ستوريز” الاستقصائية التي نشرت عملهم بالتعاون مع 14 وسيلة إعلام أوروبية بينها فرانس24 وإذاعة فرنسا الدولية (إر إف إيه) في إطار مشروع “باكو كونكشن”. عودة على الاحتقان بشأن منجم ذهب في غرب البلاد يستخدم منتوجه بصناعة بضائع تكنولوجية لماركات عالمية.

حرر هذا المقال: كورنتان بانييه

من خلال رؤية إصرارهم على مواجهة قوات الأمن التي تم نشرها لمنهم من التظاهر، نشعر بحالة الغضب العارم التي تستبد بهم. ففي 20 حزيران/ يونيو 2023، تظاهر سكان قرية سويودلو في غرب أذربيجان للتعبير عن رفضهم لبناء بئر جديد بمثابة بحيرة لتخزين فضلات منجم ذهب يعمل في المنطقة من سنة 2012 والذي تستغله الشركة الأمريكية “أنغلو آسيان مانينغ”. ويعتقد هؤلاء أن بحيرة الفضلات الأولى، التي شارفت على الامتلاء، تسببت في تلوث الهواء والتربة كما تسبب البخار الذي تخرجه في ارتفاع حالات الأمراض التنفسية.


مقطع فيديو نشر على حساب “أدربيجان ريببلكاسيAzərbaycan Respublikası” في فيس بوك يظهر غضب سكان القرية، 21 حزيران/ يونيو 2023.

تقع هذه البحيرة الاصطناعية الأولى التي تبلغ طاقة استيعابها نحو ستة ملايين متر مكعب على بعد بضع مئات الأمتار من بلدة سويودلو. ولفصل الذهب عن الصخور، تستخدم شركة “أنغلو آسيان ماينينغ” مادة السيانير ومن ثم تكب الوحل الناجم عن العملية والذي يحتوي على مواد سامة (مثل السيانير والأرسنيك) في البحيرة. ويتم ذلك بمعدلات لا تمثل تهديدا للطبيعة أو لصحة السكان، وفق تأكيد الشركة.

ولكن السكان يشعرون بعكس ذلك. ولكن تحركهم في حزيران/ يونيو الماضي سرعان ما انتهى. إذ تظهر صور رجال شرطة يرتدون أزياء مكافحة الشغب يطلقون عبوات غاز مسيل للدموع مباشرة على وجوه المتظاهرين ومن بينهم بالخصوص نساء مسنات أو استخدام أعيرة مطاطية لتفريق الاحتجاج.

“وضعت الشرطة حواجز ولم تسمح للصحافيين غير الموالين للحكومة بالدخول”

وفي سؤال لمجموعة التحقيقات الاستقصائية الدولية، يقول الصحافي المستقل عماد الدين شامل زاده:

كان هناك نحو 300 شرطي. كان العدد كبيرا قياسا بالمنطقة. وجاء ممثل السلطة المحلية للتحدث مع الناس. ومن ثم أراد نقلهم إلى ما يشبه بناية حكومية. كان يريد أن يجري معهم محادثة بدون حضور الصحافة أو ناشطين. رفض القرويون ذلك وحصلوا على طلبهم بأن ترافق وسائل الإعلام المحادثات.

في اليوم التالي، وضع رجال الشرطة حواجز ولم يسمحوا للصحافيين غير الموالين للحكومة بالدخول. ولم يسمح لهم بالتوجه إلى القرية أيضا وتم التحقق من جوازات السفر حتى تلك التي تعود لأهالي القرية.

وبعد ذلك، غادر عماد الدين شامل زاده البلاد. وذلك بعد أن تعرض للتوقيف عند عودته إلى العاصمة باكو بسبب نشره صورة لشرطيين حاضرين في سويودلو. ويؤكد شامل زاده أنه تعرض للضرب والتعذيب وهدد بالاغتصاب ما جعله يمنح كلمة عبور حسابه على فيس بوك للشرطة لكي يقوم بمسح المنشور.

وتم اعتقال ما لا يقل عن أربعة صحافيين منذ 22 حزيران/ يونيو بسبب تغطية أو تناقل أخبار عن هذه المظاهرات. ثلاثة كانوا في عين المكان بينهم نرجس أبسالموفا التي تعمل لصالح موقع “أبزاس ميديا”. واتهمت نرجس رجال الشرطة الذين اعتقلوها بممارسة العنف ضدها وضد زملائها. وحسب الشرطة، فإن الأشخاص الثلاثة الذين تم توقيفهم لم يكونوا يحملون أي “شارة خاصة” تسمح بالتعرف عليهم كصحافيين. كما تم توقيف صحافي آخر في 23 حزيران/ يونيو الماضي وهو مدير موقع “أبزاس ميديا” أولفي حسنلي بعد أن نشر صورة شرطيين اثنين متهمين باعتقال الصحافيين. وقد تم إطلاق سراحه بعد أربع ساعات.

منشور على فيس بوك نقلته سيفنش فاكيفيزيكي رئيسة تحرير موقع “أبزاس ميديا” الذي تسبب في إيقاف مدير الموقع أولفي حسنلي لأربع ساعات في 23 حزيران/ يونيو 2023, © صورة من فيس بوك

اعتقالات في الموقع وأسئلة بدون أجوبة

في مقطع فيديو التقطه موقع أبزاس ميديا في قرية سويودلو، نرى المسؤول عن منطقة غادابي، أورخان مورسالوف يقول أمام المتظاهرين “القرية موجودة هنا منذ 11 عاما. هل كانت هناك شكاوى طيلة هذه الأعوام؟ لا، لماذا توصل السكان لقناعة بين ليلة وضحاها بأن البحيرة تمثل تهديدا لحياتهم؟ من المرجح أن الناس تلقوا معلومات كاذبة أو مغلوطة. ومن يقوم بتضليلهم؟ إنها وسائل التواصل الاجتماعي مع الأسف”. بعد أن اتهمت وسائل إعلام حكومية في أذربيجان وسائل إعلام في الغرب ومن ثم في روسيا بالوقوف وراء تنظيم هذا المظاهرات، تكلم رئيس أذربيجان الموجود في السلطة منذ 2003 إلهام علييف عن الموضوع في 11 تموز/ يوليو الماضي. وحسب الرئيس علييف، فإن خروج هذه المظاهرات جاء بسبب “محرضين” بينهم من “يختبئ في أذربيجان وآخرون في الخارج”. ولكن علييف دافع في المقابل عن حق السكان في التظاهر في محاولة لتلميع صورته وسط شعبه، وفق تأكيد ناشط. وقرر علييف تحميل المسؤولية لوزير البيئة الذي اتهمه بـ”الإهمال”. “والنتيجة كانت مستثمرا أجنبيا يسمم طبيعتنا” وفق ما قال علييف. وذلك على الرغم من أن الدولة الأذربيجانية منحت حق الاستغلال لشركة أنغلو آسيان ماينينغ والتي يملك الرئيس المدير العام فيها أكبر عدد من الأسهم وهو الأمريكي من أصل إيراني رضا فازيري والذي يقال أنه صديق شخصي لرئيس الدولة. كما أنه يتقاسم أرباح استغلال المنجم مع الدولة وفق اتفاق مبرم بين السلطات والشركة.

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف مع رضا فازيري خلال افتتاح مصنع المعالجة في سنة 2013.

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف مع رضا فازيري خلال افتتاح مصنع المعالجة في سنة 2013. ©الموقع الرسمي لرئاسة أذربيجان.

وأمرت سلطات أذربيجان في الأخير في منتصف يوليو/ تموز الماضي بإجراء تحاليل على الموقع وتم إيقاف النشاط في المنجم خلال فترة التحقيقات.

وفي 23 أيلول/ سبتمبر 2023، أعلنت شركة أنغلو آسيان ماينينغ نتائج التحليل في بيان. وأكدت أنه حسب التحاليل التي أجراها مخبر مايكون البريطاني ومخبر إيكليم الأذربيجاني، لم يكن هناك قلق من تلويث يسببه الموقع. حيث قال البيان “مستوى الإشعاع في جيدابيك مطابق للظروف الطبيعية في المنطقة”. وأضافت الشركة أيضا أنه “لم يتم رصد أي مشكل متعلق بجودة الهواء” وأن “كل عينة أخذت من التربة لم تكن تحتوي على كميات تتجاوز حدود المعقول من مادة السيانير (أقل من 0.06 مليغرام في الكيلوغرام). ولكنها لم تنشر أي تفاصيل أو منهجية التحقيق باستثناء أسماء المخابر التي قامت به. ولم ترد الشركة أو المخابر المذكورة عن طلب الاستفسار الذي وجهه فريق تحرير مراقبون للحصول على التقرير.

في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلنت الشركة أنها وقعت على “خطة تحرك” مع حكومة أذربيجان لاستئناف نشاطها، وتنص الخطة على “مراقبة بيئية على الموقع” وإنشاء “مصلحة للتواصل مع السكان المحليين” بدون أن توضح كيفية عملها. في الأخير، أعلنت الشركة أنها تخلت عن مشروع إقامة بحيرة نفايات ثانية وفضلت رفع مستوى سد البحيرة الأولى لتواصل كب النفايات المنجمية فيها.

تواصل فريق تحرير مراقبون فرانس24 مع شركة أنغلو آسيان ماينينغ للاستفسار بخصوص عدة نقاط وبالخصوص بشأن نتائج مفصلة للتحاليل المخبرية أو تفاصيل مشروع رفع سد بحيرة النفايات الأولى. واكتفت الشركة بإعادة إرسال نفس بياناتها مضيفة رسالة من مديرها العام رضا فازيري ننقلها لكم بحذافيرها فيما يلي

"تحترم شركة أنغلو آسيان ماينينغ بشكل تام القوانين المحلية والمواثيق الدولية المختصة. واستعانت الشركة خلال الأعوام القليلة الماضي مع ثلاثة مراكز دولية مستقلة مختصة في الاستشارات بشأن البينة والهندسة والبناء وذلك للقيام بمهام تفقد دورية لمنشآت سد النفايات (المنجمية) والتي أكدت كلها أن عمليات (الشركة) مطابقة للمواثيق والمواصفات الدولية. في أيلول/ سبتمبر 2023، برأت دراسة بيئية مستقلة قامت بها مؤسسة "مايكون إنترناشونال كو ليميتد Micon International Co Ltd شركتها من أي انتهاكات للقوانين المتعلقة بالنشاط بشأن التلويث وأكدت أن منشآتنا كانت مطابقة للمواصفات الدولية وذلك بعد تحليل معمق لعينات من الماء والهواء والتربة. وتعاونت الشركة بشكل كامل مع الدراسة التي أثبتت أمان عملياتنا المستمرة. في كانون الثاني/ يناير 2024، يسر الشركة الإعلان بأنها انضمت إلى رواد القطاع المنجمي من خلال التزامها باحترام معايير جي إي إس تي إم GISTM فيما يخص الفضلات المنجمية والتي أقرها كل من تشيرش إنغلند بونسيون بورد Church of England Pension Board وإي سي إم إم ICMM و بي أن يو إي PNUE المعروفة بأنها مرجع في ما يتعلق بأفضل أساليب التصرف في النفايات.

“تحترم شركة أنغلو آسيان ماينينغ بشكل تام القوانين المحلية والمواثيق الدولية المختصة. واستعانت الشركة خلال الأعوام القليلة الماضي مع ثلاثة مراكز دولية مستقلة مختصة في الاستشارات بشأن البينة والهندسة والبناء وذلك للقيام بمهام تفقد دورية لمنشآت سد النفايات (المنجمية) والتي أكدت كلها أن عمليات (الشركة) مطابقة للمواثيق والمواصفات الدولية. في أيلول/ سبتمبر 2023، برأت دراسة بيئية مستقلة قامت بها مؤسسة “مايكون إنترناشونال كو ليميتد Micon International Co Ltd شركتها من أي انتهاكات للقوانين المتعلقة بالنشاط بشأن التلويث وأكدت أن منشآتنا كانت مطابقة للمواصفات الدولية وذلك بعد تحليل معمق لعينات من الماء والهواء والتربة. وتعاونت الشركة بشكل كامل مع الدراسة التي أثبتت أمان عملياتنا المستمرة. في كانون الثاني/ يناير 2024، يسر الشركة الإعلان بأنها انضمت إلى رواد القطاع المنجمي من خلال التزامها باحترام معايير جي إي إس تي إم GISTM فيما يخص الفضلات المنجمية والتي أقرها كل من تشيرش إنغلند بونسيون بورد Church of England Pension Board وإي سي إم إم ICMM و بي أن يو إي PNUE المعروفة بأنها مرجع في ما يتعلق بأفضل أساليب التصرف في النفايات. © صورة من بيان شركة أنغلو آسيان ماينينغ Anglo Asian Mining

” هذا الماء السام يتسلل عبر الصخور”

من دون تقديم تفاصيل دقيقة، كيف يمكن قياس خطر التلوث؟ قام عضو في منظمة غير حكومية في أذربيجان “إيكو فرونت” بأخذ عينات من الماء والتربة في محيط بحيرة النفايات المنجمية وذلك أثناء المظاهرات التي خرجت في يونيو/ حزيران الماضي، ولكنه تعرض للتوقيف وتمت مصادرة العينات التي كانت معه. ولكن منظمة “إيكو فونت EcoFront” ما تزال على قناعة بأن بحيرة النفايات تمثل مصدر تلوث لأن مياهها تخترق الأرض. ويقول أحد مسؤوليها وهو جافيد غارا:

خلال الأعوام القليلة الماضية، توسعت مساحة بحيرة النفايات. لا يتعلق الأمر بعملية هندسية منظمة بل بمجرد شاحنات تحفر الأرض لتكبير البحيرة. ومع عمليات الحفر، تتسبب الشاحنات في اهتزازات وبالتالي تصدعات ومن ثم تسربات أكبر. يتسلل هذا الماء السام عبر الصخور ليصل إلى غاية الأنهار ومصادر المياه القريبة من الخزان. تقع بلدة سويودلو في مكان أعلى من خزان النفايات وبالتالي فهي غير مهددة بشكل مباشر لكن القرية تملك نشاطا زراعيا. إذ يحمل سكان القرية قطعان الماشية من أبقار وخرفان إلى مكان يقع أسفل الخزان لكنهم لا يستخدمون أبدا المياه القريبة من بحيرة النفايات وذلك لأنهم يعتقدون بأنها ملوثة.

غبار وروائح نتنة واختراق للتربة

أكد مختصون في الجيولوجيا تواصلت معهم مجموعة “فوربيدن ستوريز” هذه الهواجس مشيرين إلى أنه تم حفر بحيرة النفايات مباشرة في الصخور: “نرى عبر صور الأقمار الاصطناعية بأن الشركة حفرت داخل منطقة صخرية. وهو ما يعني سهولة أكبر في حصول تواصل بين النفايات المخزنة مع طبقات الأرض الباطنية وهو ما يزيد في إمكانية حصول تسربات تحت الأرض وفقها” مع تسربات لمياه بحيرة النفايات، وفق تحليل هؤلاء المختصين.

مكان حفر بحيرة النفايات المنجمية في سنة 2012 وذلك قبل بدية الأشغال.

مكان حفر بحيرة النفايات المنجمية في سنة 2012 وذلك قبل بدية الأشغال. © صورة أقمار اصطناعية لشركة ماكسار تكنولوجي 2024 Maxar Technologies.

وتظهر صور التقطتها منظمة “إيكو فرونت” غير الحكومية وجود مركب صغير تحت السد الذي يحيط ببحيرة النفايات، الغاية منه التقاط تسرباتها. ولا يعد ذلك أمرا مفاجئا للمختصين في الجيولوجيا الذين يضيفون: “بين مركز الحفظ والطوبوغرافيا الطبيعية للمكان، يوجد هناك عدم تجانس وبالتالي تحدث تسربات بالضرورة”. ولكن حسب شركة أنغو آسيان ماينينغ، فإن الحوض الجانبي يتولى عملية تصفية المياه التي يمكن أن تكون ملوثة قبل صرفها في النهر.

وفي ظل غياب معطيات، لا يمكن للمختصين في الجيولوجيا الحكم على نجاعة الحوض ولكنهم يطرحون السؤال التالي: حوض صغير لا يمكنه التكفل بكل النفايات ولكنه قادر على امتصاص جزء منها، قدرة هذه المنشأة لا تتجاوز التقليل من تركز المعادن في المياه وهذا لا يعني بالضرورة امتصاصا ناجعا لهذه المواد قبل صرف المياه في النهر”. فيما أكدت منظمة “إيكو فرونت” من جانبها بأنها مقتنعة بأن هذا المركز لا يصفي مياه بحيرة النفايات بالقدر الكافي وبالتالي يتلوث النهر بشكل مباشر


مقطع فيديو التقطته منظم “إيكو فرونت” في أسفل سد بحيرة النفايات. وتخشى المنظمة غير الحكومية من أن حوض التصفية لا يقوم بما يكفي فيما يتعلق بالمياه التي يسكبها في النهر أسفله.

ويشتكي السكان أيضا من الروائح الكريهة التي تنبعث من البحيرة وفق تأكيد جافيد غارا الذي يضيف:

عندما يكون الطقس حارا، يبدأ كل هذا السائل بالتبخر. يكون هذا البخار نتنا بشكل لا يطاق خلال أيام الصيف الحارة. وهذا النوع من الخزانات لا يجب أن يكون موجودا بالقرب من منطقة سكنية.

في مقاطع الفيديو التي صورتها وسيلة الإعلام “أبزاس ميديا” ووسائل إعلام أخرى مستقلة خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي، اشتكى سكان من عدة أمراض تنفسية. فيما تحدث آخرون عن ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان منذ تشييد بحيرة النفايات. ولكن قمع المظاهرات في المنطقة أتى أكله إذ لم يعد أي من سكان سويودلو يتجرأ على الإدلاء بشهادته لمجموعة “فوربيدن ستوريز” ولم نكن قادرين على الحصول على تقارير طبية تثبت هذه الأمراض.

وينطبق نفس الأمر على مدينة غابادي المجاورة التي تلتصق بشكل تام بالحوض المنجمي. ولكن هذه المرة، يكفي إلقاء نظرة على الخريطة ليحصل إجماع وسط علماء الجيولوجيا والمختصصين في المواد المسممة الذين تواصلت معهم المجموعة: إذ أن القرب الشديد للمدينة من المنجم يعرضها سكانها بشكل مؤكد إلى الغبار الذي تنقله الرياح أو مياه الأمطار.

خريطة المنطقة تظهر موقع المنجم ومدينة غابادي المجاورة وقرية سويودلو وبحيرة تخزين النفايات المنجمية.

خريطة المنطقة تظهر موقع المنجم ومدينة غابادي المجاورة وقرية سويودلو وبحيرة تخزين النفايات المنجمية. © صورة أوبيان Upian

من شركات تكرير سويسرية إلى الهواتف المحمولة

أين ينتهي الأمر بذهب “غيدابيك”؟ حسب تقرير لنشاط شركة أنغلو آسيان ماينينغ لسنة 2022، تقتني شركتا تكرير سويسرية الذهب من الشركة. في اتصال مع مجموعة “فوربيدن ستوريز، أكدت شركة “أرغور هاريوس Argor-Heraeus” بأنها وضعت حدا لعلاقتها مع أنغلو آسيان ماينينغ حيث قالت “في إطار تحديث لعملية “Know Your Customer” (تعرف على زبونك) التي أطلقت في سنة 2022، لم تقدم شركة أنغلو آسيان ماينينغ أيا من المعلومات المطلوبة” حسب توضيح شركة تكرير الذهب السويسرية التي تؤكد بأنها قامت “بوقف التعامل مع الشركة منذ شهر أيار/ مايو 2023.” أي قبل قمع مظاهرات سويودلو.

أما الزبون الثاني لأنغلو آسيان ماينينغ وهو شركة تكرير الذهب إم كي إس MKS Pamp، التي أكدت لمجموعة “فوربيدن ستوريز” بأنها “تواصل التعامل مع شركة أنغلو آسيان ماينينغ” وأشارت إلى التحاليل المخبرية التي تم إجراؤها في صيف 2023. ومن بين زبائن شركة التكرير السويسرية هذه نجد كبار منتجي أجهزة التكنولوجيا مثل “آبل” و سامسونغ وتيسلا وإتش بي، والتي لم ترد كلها على طلب الاستفسار الذي قدمناه لها. وتبقى شركة مايكروسوفت الوحيدة التي ردت على أسئلتنا وأكدت أنها “تلزم مزوديها باحترام كل القوانين والمعايير المطبقة فيما يتعلق بالعمل والأخلاقيات والصحة وسلامة الشغل وحماية البيئة” بدون تقديم تفاصيل عن مشترياتها من الذهب من شركة التكرير السويسرية المذكورة سابقا.

“لا تطلب شركات التكرير من المناجم القيام بتحاليل علمية لجودة المياه وتلوث الهواء

وبالنسبة إلى المحلل مارك أوميل، المسؤول عن قسم المواد الأولية في منظمة “سويس إيد” Swissaid غير الحكومية، فإن شركات تكرير الذهب السويسرية ليست مطالبة بأي شكل من الشفافية، حيث يقول:

المشكل في واجب الاجتهاد لشركات تكرير الذهب، هو أنها تعتبر في معظم الحالات على طلب بسيط لعدد من الوثائق من عند المزودين أو الشركات المنجمية، لكن لا يوجد أي تفقد أو رقابة فعلية على المواقع المنجمية.

يقومون بعملية المراقبة في عين المكان ولا يخطر ببالهم في معظم الحالات هذا النوع من المشاكل لأنهم لا يتواصلون مع السكان المحليين الذين يعانون من التداعيات السلبية لهذه المناجم. الالتزامات التي تقع على عاتق شركات التكرير هي في النهاية محدودة جدا. لا تطلب شركات التكرير من المناجم التي تتزود منها القيام بتحاليل علمية لجودة المياه وتلوث الهواء، تطلب منها فقط وببساطة القيام بمراقبة وتحديد المخاطر والوقاية منها والتخلص من أثرها السلبي.

عندما تغلق حكومة ما منجما بسبب مشاكل متعلقة بالتلوث أو انتهاكات حقوق الإنسان، فإن ذلك يشكل بالتأكيد موضوعا مثيرا للقلق. فالدولة في حد ذاتها ليس لها مصلحة في إيقاف نشاط منجم لأن ذلك سيتسبب عموما في خسائر في العائدات

و”بسبب رغبتهم في التحقيق في موقع جيدابيك المنجمي، وأيضا بسبب اهتمامهم بملفات الفساد أو التعذيب التي يتهم بها النظام في أذربيجان، يواجه الصحافيين الستة المعتقلين الذين يعملون لصالح وسيلة الإعلام “أبزاس ميديا” خطر الحكم بالسجن لمدة تصل إلى ثماني سنوات” ويتعلق سبب اعتقالهم الرسمي بـ”تداول عملات أجنبية”.

بطاقة إنتاج تصل إلى 1200 كيلوغرام من الذهب كل عام، فإن منجم جيدابيك يبقى ذو إنتاج متواضع نسبيا مقارنة بمناجم أخرى لاستخراج الذهب. لكن هذه المنطقة النائية في أذربيجان مثل بارقة أمل تنموية. وعلى الرغم من أن المنجم يوفر فرص عمل للسكان، حل الخوف والقلق مكان الأمل التنموي إضافة إلى القمع العنيف لمئة متظاهر وتحقيق غامض حول ملف التلوث. وتطوق قوات الأمن المنطقة المنجمية والتي باتت موصدة أمام الصحافيين أو الناشطين. وعلى الرغم من أنه من الصعب بمكان تأكيد حقيقة التلوث، فإن الملف أقلق راحة السلطات في أذربيجان ويطرح سؤالا في بلد ما انفك يؤكد أن يضع ملف البيئة ضمن أولوياته، خصوصا وأنه سيحتض قمة الأطراف حول المناخ 29 “كوب 29” في كانون الأول/ ديسمبر 2024.

تم إعداد هذا المقال بالتعاون مع ليا بيريشون وليلى مصطفايافا ولمياء أديلجيزي وصوفيا ألفاريز جورادو (مجموعة فوربيدن ستوريز) وفيرجين بيرونون (راديو فرانس) وفروا روشتي (إر تي إس السويسرية).


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى