مشروع “غير مدروس” لتجديد الأهرامات يثير جدلا كبيرا بين علماء المصريات
أثار مشروع تجديد أحد أهرامات الجيزة الثلاثة (هرم منقرع)، التي تريد السلطات المصرية تنفيذه عبر تغطية قاعدته بالجرانيت الرمادي، موجة من الاحتجاج في أوساط علماء المصريات. ويستنكر المتخصصون الأهداف التجارية خلف هذا المشروع والتي تأتي على حساب الحفاظ على التراث المصري القديم.
نشرت في: 06/02/2024 – 17:26
5 دقائق
“هدية مصر إلى العالم في القرن الحادي والعشرين”. في مقطع فيديو نشره في 26 يناير/كانون الثاني على حسابه على فيس بوك، أعلن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، الدكتور مصطفى وزيري، من سفح هرم منقرع، بفخر عن أعمال التجديد الأولية التي تم تنفيذها على أصغر أهرامات الجيزة الثلاثة. ففي إطار مشروع استعادة المظهر الأصلي للهرم، سيتم تثبيت خمسة صفوف من كتل الجرانيت الرمادي على قاعدة الهرم. فهيكل الهرم الذي يبلغ عمره أكثر من 4500 عام، كان مغطى بنحو 16 صفا من كتل الجرانيت الرمادي.
الهرم الأصغر منقرع
يقول مصطفى وزيري إن مشروع “التجديد هذا سيستمر ثلاث سنوات على الأقل”، مؤكدا أنه “سيسمح لنا برؤية هرم منقرع لأول مرة كما بناه المصريون القدماء”.
لكن هذا المشروع لا يروق إطلاقا لعلماء المصريات. فقد شجب عدد منهم على شبكات التواصل الاجتماعية هجوما على التراث، ودعوا منظمة التربية والعلوم والثقافة الأممية (اليونسكو) والأكاديميين إلى الوقوف في وجه ما يعتبرونه أمرا عبثيا.
اقرأ أيضامصر تعلن اكتشاف ممر سري جديد في هرم خوفو بطول 9 أمتار
“لم يعد ناقصا إلا تغطية هرم منقرع بالبلاط! متى سيتوقف هذا العبث في التعامل مع التراث المصري القديم؟ تتساءل عالمة المصريات مونيكا حنا على منصة “إكس”. “كل القواعد الدولية وأسس الترميم تحظر مثل هذه التدخلات، يجب على جميع علماء الآثار التحرك على الفور”.
“ما يثير الصدمة في هذا الفيديو هو أننا نرى العمال يحفرون بدون أي احتياطات تحترم هذا الأثر. وحتى منطقة العمل لم يتم حتى تحديد إطارها! “، يضيف عالم مصريات فرنسي لم يرغب في الكشف عن هويته، خوفا من إعاقة السلطات المصرية لعمله البحثي وحرمانه من الحصول على تراخيص العمل في البلاد. “إن الحفر بهذه الطريقة يدمر الطبقات الأثرية. الآن، من المهم معرفة ما سيتم تنفيذه من مشاريع حول هذه الأهرامات. فبهذه الطريقة الحالية في العمل فإننا نخاطر بفقدان معلومات قيمة للغاية! المشكلة هي أن هذا المشروع غير واضح على الإطلاق”، يردف عالم المصريات.
مخاوف أعرب عنها أيضا عالم المصريات ووزير الآثار السابق زاهي حواس. “إن تلك الكتل الحجرية حول الهرم كلها غير مكتملة وغير مشغولة. يقول حواس، الذي يرأس لجنة تقييم مخصصة تم تشكيلها لتقرير مصير المشروع، لـقناة “إيه بي سي نيوز” : “إنها غير مناسبة تماما لإعادة وضعها وتركيبها على جسم الهرم”.
ردود فعل السلطات المصرية
في مواجهة الغضب الإعلامي، انتهى الأمر بوزارة الآثار والسياحة المصرية بالإعلان يوم السبت 3 فبراير/ شباط، عن أنها شكلت لجنة دراسة “برئاسة زاهي حواس”، وبرفقة “خبراء هندسة وآثار مصريين وأمريكيين وتشيك وألمان”. وتقول الوزارة: “ستخلص هذه اللجنة إلى تقرير ما إذا كان سيتم تنفيذ مشروع التجديد هذا أم لا”، موضحة أنه سيتعين على اللجنة أيضا الاهتمام “بالإجراءات اللازمة للتنسيق مع منظمة اليونسكو”.
بيد أن الضرر قد وقع بالفعل. فقد لاحظ صحفيو وكالة الأنباء الفرنسية بالفعل أن العمل قد بدأ الأسبوع الماضي عند سفح هرم منقرع.
“هذا هو نوع من أنواع المشاكل التي توجد في مصر هذه الأيام. فهناك عدد من الترميمات المذهلة، الفظة في معظم الأحيان، كما هو الحال في مدينة الأقصر الأثرية. نرى مثلا على واجهة معبد الأقصر الواقع على البر الشرقي لنهر النيل، تمثالا عملاقا منصوبا للفرعون رمسيس الثاني، لكنه لم ينصب في موضعه الصحيح كما أن وجه التمثال المنحوت حديثا ليس مخلصا إطلاقا للتمثال الأصلي”، يقول عالم المصريات الذي أجرينا الحوار معه. “سيكون من الأفضل تخصيص الإمكانات للحفاظ على ما هو هش من الآثار وترميمه. لكن يبدو أن مصلحة الآثار في البلاد ترغب قبل كل شيء في جذب السياح”.
اقرأ أيضامصر تعلن عن اكتشاف مدينة سكنية أثرية كاملة من العصر الروماني في الأقصر
“مدينة ملاه”
يحذر عالم المصريات من أن بعض المواقع الأثرية “مهددة بسبب كثرة السياح”، مثل قبر نفرتاري زوجة الفرعون رمسيس الثاني في وادي الملكات، الذي بدأت بعض القطع من سقفه في التساقط. وهو تدهور قد يكون ناجما أيضا عن ظاهرة التغير المناخي.
وهي الملاحظة التي يتشاركها معه مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS)، مارك لافيرني: “نحن نتجه في الغالب لرؤية ما يشبه مدينة الملاهي، بأشياء مبهرجة للغاية”، يقول هذا المتخصص في الشؤون المصرية، إن الهدف من أعمال التجديد والترميم الرئيسية هذه تجاري بحت. ففي هذا البلد المثقل بالديون، تمثل السياحة نحو 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
النص الفرنسي: بهار ماكويي | النص العربي: حسين عمارة
مصدر الخبر
للمزيد Facebook