تحييد لبنان في المواجهة الإيرانية – الأميركية
ثمّة مستويات عدّة لهذه المقاربة. أولاً، أن لبنان ليس ساحة للوجود الأميركي العسكري كما في المناطق التي تعرّضت للقصف. ومع ذلك، فإن أول احتكاك مع الديبلوماسية الأميركية في لبنان، مهما كانت هوية القائمين بها، وتنصّل حزب الله منها، ضبط سريعاً ولم يتكرّر، لأنه في لحظة ما كاد أن يتحوّل إلى فتنة داخلية، ولا مصلحة لحزب الله، في تلك الساعة وحتى اليوم، بأن ينقل أيّ جانب من جوانب التوتر الى الداخل فيما هو منشغل في الاشتباك الجنوبي.
الأمر الثاني هو أن لبنان في مرحلة الثمانينيات كان أرضاً خصبة للمواجهات المختلفة الأشكال، فيما كان العراق وسوريا مضبوطَين تحت حكمَي الرئيسَين: صدام حسين وحافظ الأسد، ولم يكن لإيران تالياً النفوذ الذي تملكه حالياً في كليهما. فتحوّل نفوذها مع بداية تمدّدها خارج حدودها تدريجاً الى لبنان، الذي شهد بداية وجود إيران على المتوسط.
المستوى الثالث، أن لبنان اليوم، مع هذا الحشد الديبلوماسي غير المسبوق، لا يزال يمثّل نقطة تقاطع إقليمية ودولية، في نظرتَين مختلفتين بحسابات الدول المعنية. وما يظهر أنه في مقابل اهتمام غربي وعربي بعدم دخول لبنان في الحرب، فإن إيران لا تريد كذلك فتح الساحة التي تملك التأثير الأكبر والمباشر فيها، لصراع مع الولايات المتحدة أو أوروبا. وهي لا تزال تراهن على نفوذها في لبنان وامتلاك أرجحية القرار فيه، وفي غنى عن أن تفقد ورقته بنقل المواجهة الدولية الى أرضه، ما دام لديها ساحات مفتوحة، وقادرة على أن تستخدمها كأداة مساومة، من دون أن تخربط الإيقاع اللبناني، ما يؤهّلها للاستثمار فيه مستقبلاً، ولا سيّما في اللحظة التي تشهد كثافة تدخل أوروبي فاعل، مع واشنطن، الى جانب لبنان، فضلاً عن الموزاييك اللبناني المتشعب الذي لايزال قادراً بالحدّ الأدنى على فرملة بعض الاتجاهات، ولو لم ينجح في تغييرها بالكامل.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook