خلاف يستعر بين الحليفين واشنطن وتل أبيب؟
أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الخميس الماضي معارضته فكرة تأسيس “دولة فلسطينية” على أراضي غزة والضفة الغربية. وجاء ذلك في وقت لم تتوقف فيه الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم الأساسي لإسرائيل عن التسويق لهذا الحل على أنه أحد الشروط الأساسية لتحقيق “الأمن الحقيقي” في الشرق الأوسط. إلى أي مدى إذن يمكن للدولة العبرية تجاهل إرادة ورغبة حليفها التاريخي؟
“يجب أن تكون قادرًا على قول لا”. هذا الشعار الذي يستخدم من أجل أهداف التطوير الشخصي وجد صدىً غير عادي في إسرائيل ولدى بنيامين نتانياهو الذي أعلن مؤخرا أنه “على رئيس حكومة إسرائيل أن يكون قادرا على قول لا حتى لأعز أصدقائه”، قاصدا بذلك الولايات المتحدة الأمريكية دون ذكر اسمها.
جاء تصريح نتانياهو بعدما ما أكد أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي، استحالة تحقيق الأمن الحقيقي في منطقة الشرق الأوسط دون “إنشاء دولة فلسطينية”.
مهمة تحقيق الأمن في الشرق الأوسط وضعت على المحك مصداقية واشنطن التي تخشى أن تؤجج الحرب بين إسرائيل وحماس الوضع بشكل كامل في هذه المنطقة.
وهو ما أكده الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض بعد نهاية المكالمة الهاتفية التي جرت بين بايدن ونتانياهو خلال حوالي 30 دقيقة بالقول “إن بايدن لا يزال يؤمن بإمكانية تأسيس دولة فلسطينية”.
اقرأ أيضانتنياهو مصر على الاستمرار بالعملية العسكرية في غزة مهما كان الثمن.. لماذا؟
لكن هذا التصريح يتناقض مع تفكير نتانياهو الذي أشار إلى أن “إسرائيل بحاجة إلى مراقبة الوضع الأمني بشكل كامل وعلى جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن”، مضيفا: “هذا الشرط الضروري (مراقبة الأمن بشكل كامل) يتعارض مع فكرة السيادة الفلسطينية”.
من جهته، قال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي ينتمي إلى معسكر اليمين المتطرف قبل أسبوعين: “مع كل الاحترام الذي أكنه لهم (يقصد الولايات المتحدة الأمريكية) نحن لسنا نجمة على العلم الأمريكي”، مذكرا في نفس الوقت أن “الولايات المتحدة هي أكبر صديق لنا”.
هذا، ويشير تقرير نشره الكونغرس الأمريكي أن إسرائيل استفادت من دعم مالي قيمته 265 مليار دولار من قبل الولايات المتحدة منذ ولادتها. ما جعل الدولة العبرية البلد الوحيد في العالم الذي يتحصل على مثل هذا القدر الهائل من المساعدات المالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
والسؤال المطروح الآن: إلى أي مدى يمكن أن تقول إسرائيل “لا” للولايات المتحدة؟ وما هي العواقب الناجمة عن ذلك على القضية الفلسطينية؟
هذه الأسئلة وأخرى يجيب عليها دافيد خالفا، المدير المشارك لمرصد شؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط في مؤسسة جان جوريس الفكرية في مقابلة مع فرانس24.
Table of Contents
فرانس24: هل نحن أمام منعرج في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؟
دافيد خالفا: توصف العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها “خاصة” كونها مبنية من جهة على قيم مشتركة ومن جهة أخرى على مصالح استراتيجية.
هي علاقة مليئة بالعواطف بين صديقين وحليفين. لكنها عرفت فترات من التوتر بدءا من عهد الرئيس أيزنهاور ثم جونسون وجيمي كارتر وخلال الماضي القريب في عهد باراك أوباما ودونالد ترامب.
هذا الأخير الذي وصفه نتانياهو بأنه “أفضل صديق لإسرائيل” لم يتردد في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بوصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأنه “غبي” وانتقاد رئيس الحكومة الإسرائيلية عقب مجازر 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
اليوم العلاقة الأمريكية الإسرائيلية تمر بمرحلة مضطربة لكنها لم تصل إلى حد الأزمة المفتوحة بين البلدين لسبب واحد: جو بايدن شخصيا يصف نفسه بأنه “صهيوني” ودعمه لإسرائيل متجذر في تاريخه الشخصي والسياسي رغم العلاقة الصعبة التي تجمعه بنتانياهو.
واشنطن والرياض وحتى جزء من الطبقة السياسية في إسرائيل يدعمون فكرة إنشاء دولة فلسطينية. فهل يستطيع نتانياهو إعاقة هذا المشروع؟
دافيد خالفا: نعم يمكن أن يعيق المشروع على المدى القريب. لماذا؟ لأن هدفه الوحيد في الوقت الحالي وهو البقاء في السلطة.
أكثر من ذلك، الاستراتيجية التي يتبعها في حربه على غزة تهدف إلى إطالة أمد الحرب إدراكا منه بأنه لا يتمتع بشعبية كبيرة في إسرائيل ويعاني من مشاكل قضائية. لهذا السبب، فهو يحاول ربح الوقت، متمنيا أن تتحسن شعبيته وصورته بعدما لبس بزة مسؤول الحرب.
بنيامين نتانياهو رجل سياسي محنك وذكي ويقوم بحسابات عديدة. لكنه لا يملك كامل القوة السياسية والحرية لأن حكمه مرهون بالتحالف الذي عقده مع اليمين المتطرف الذي يعارض أي حل سياسي للقضية يرتكز على حل الدولتين. ضف إلى ذلك شيخوخته وكبر سنه، ما يجعله قريبا من مغادرة السلطة.
اقرأ أيضاخلافات بين واشنطن وتل أبيب حول “قيام دولة فلسطينية”
فبغض النظر عن الدعم الذي قدمه له الشعب الإسرائيلي في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن غالبية الإسرائيليين لا يساندونه اليوم. والدليل على ذلك هي نتائج استطلاعات الرأي التي أظهرت مدى انهيار شعبيته حتى في صفوف الناخبين الذين ينتمون إلى اليمين المعتدل.
كما يمكن القول أيضا بأن الحل السياسي الذي تقترحه دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، والقاضي بتطبيع علاقاتها مع تل أبيب مقابل بذل جهود أكبر نحو تأسيس دولة فلسطينية، سيبقى قائما حتى بعد رحيل نتانياهو. زعماء هذه الدول شبان وسيبقون على الأرجح في السلطة خلال سنوات عديدة في المستقبل، عكس نتانياهو.
بالإضافة إلى هذا، من المتوقع أن يتغير المشهد السياسي في إسرائيل بعد رحيل نتانياهو من الحكم. كما هناك إمكانية حقيقية أن يقود التيار المعتدل الذي يتزعمه بني غانتس المشعل من جديد ويقوم بإبعاد اليمين المتطرف من السلطة.
برفضه اقتراحات الإدارة الديمقراطية، هل هذا يعني بأن نتانياهو يعول على فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟
دافيد خالفا: العلاقة مع دونالد ترامب لم تعد مثلما كانت عليه في السابق. الرئيس الأمريكي السابق يعتبر أن نتانياهو خذله بعدما اعترف بفوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر/كانون الأول 2020.
كما يجب التذكير أيضا بأن 145 مليار دولار قد وعد بايدن بتقديمها لإسرائيل لم يتم الإفراج عنها بسبب معارضة الجمهوريين في مجلس الشيوخ لأسباب سياسية لا علاقة لها بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
فكل اقتراح يأتي من الحزب الديمقراطي تقابله عرقلة منتظمة من قبل الحزب الجمهوري وهذا حتى إن تعلق الأمر بتمرير مصالحهم السياسية الحالية قبل التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب.
في المقابل، في حال فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية، هناك احتمال أن يعتمد الديمقراطيون على استراتيجية مماثلة ويعرقلون كل ما سيقترحه الحزب الجمهوري.
هل يمكن أن تعيد واشنطن النظر في المساعدة المالية العسكرية التي تقدمها لإسرائيل سنويا والتي تقدر بنحو 3.8 مليار دولار؟
دافيد خالفا: مهما كان الشخص الذي سيتولى منصب رئيس الولايات المتحدة، فهناك دوائر في وزارة الدفاع الأمريكية موالية لإسرائيل وتعتبر التحالف مع تل أبيب يخدم قبل كل شيء مصالح الولايات المتحدة.
وإذا كانت المساعدات المالية المقدمة للجيش الإسرائيلي مستمرة ولا أحد يمكن أن يشكك في ذلك، فيمكن جدا بالمقابل أن تتغير شروط منح هذه المساعدة لتصبح أكثر صعوبة.
لكن إذا أرادت إسرائيل ضمان الدعم الدبلوماسي الأمريكي على المدى المتوسط، فعليها القيام بالمزيد من التنازلات مهما كان الحزب الذي سيحكم البلاد.
خاصة وأن الإسرائيليين أصبحوا يعتمدون أكثر من أي وقت مضى على هذا الدعم العسكري الأمريكي وفي وقت أصبحت الحروب الدائرة داخل المدن تتطلب عتادًا عسكريًا أكثر، مثل قذائف الدبابات التي لا تصنعها إسرائيل.
حاليا واشنطن تواصل الضغط على إسرائيل لفتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات إلى سكان غزة وتقليص التواجد العسكري الإسرائيلي في القطاع. وتستخدم إدارة بايدن شتى الضغوطات لتحقيق ذلك.
سفيان أوبان
مصدر الخبر
للمزيد Facebook