آخر الأخبارأخبار محلية

ويلات الحرب الأوكرانية الروسية.. لبنان يعانى أزمة طاحنة

بعد توقعات مختلفة بشأن اقتحام روسي محتمل لأوكرانيا، جاء تاريخ 24 شباط 2022 حاسماً، عندما أعلن بوتين عن بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. وقال إنه يستهدف “نزع السلاح من أوكرانيا واجتثاث النازية منها”.

Advertisement

بدأ الجيش الروسي منذ 26 شباط 2022 توسيع نطاقات هجماته في أوكرانيا “على الاتجاهات كافة”. وفي اليوم نفسه أعلن الاتحاد الأوروبي في خطوة غير مسبوقة عن الشروع في شراء أسلحة لتسليمها لأوكرانيا.
وأعلنت أوكرانيا حالة الطوارئ على مستوى البلاد، وبدأت روسيا في إخلاء سفارتها في كييف وأنزلت أيضًا العلم الروسي من أعلى المبنى. وتعرَّضت مواقع البرلمان والحكومة الأوكرانيين، إلى جانب المواقع المصرفية، لهجمات الحرمان من الخدمة.
وقبل نهاية شهر شباط، دخلت روسيا وأوكرانيا في مفاوضات، وضع كل من الطرفين خلالها اشتراطاته، وحددا سلسلة الأولويات، لكنها تعثرت ولم تصل حد التهدئة أو تجميد الصراع.
 
أبرز أرباح وخسائر روسيا-أوكرانيا
وفق الخبير الروسي فلاديمير إيغور، فإن موسكو حققت مكاسب استراتيجية، كان على رأسها:
إثبات الصمود العسكري بوجه الهجوم الأوكراني المضاد رغم الأسلحة الغربية المتطورة.
توسع جيوسياسي بسيطرتها على نحو من 15 في المائة من الأراضي الأوكرانية.
نجحت بوجه العقوبات الهائلة والقاسية من الغرب.
العملية العسكرية أدت إلى توحيد الرأي العام حول القيادة السياسية وساهمت في تصاعد المشاعر القومية لدى الروس.
أنشئت تحصينات منيعة بالشرق الأوكراني ما يجعل قوات كييف بحاجة إلى 3 أضعاف جنودها لاختراقها.
ومن جانبه اعتبر الخبير العسكري الأوكراني أوليكسي ستيبانوف، أن كييف حققت أرباحا خلال الحرب بينها:
تحقيق تقدم في مفاوضات انضمامها للناتو والحصول على ضمانات أمنية غربية ومساعدات غير مسبوقة قد تعكس بوصلة الحرب لصالحها.
القدرة على استهداف الكرملين وقلب موسكو بالمسّيرات وزعزعة الأمن وبث الرعب في قلوب الروس وتنفيذ تكتيك ما يسمى بـ” توازن الرعب”.
روسيا فقدت السوق الأوروبي للغاز والنفط من دون إيجاد البدائل ما يؤثر على اقتصادها، أصبحت محاصرة ومعزولة في المحيط الأوروبي والغربي وهو أمر لن تعوضه إلا بعد عشرات الأعوام.
روسيا فقدت نصف دباباتها وذخائرها المتطورة في المعارك.
أما على الجانب الأوكراني، وفق الخبراء، فكانت أبرز الخسائر فشل الهجوم المضاد في استعادة أي أراض، وانهيار سد كوفاخوكا الاستراتيجي.
وقالت الأمم المتحدة إن 9 آلاف مدني قتلوا منذ بدء الحرب، رغم أن العدد الفعلي “أكبر بكثير”.
 
ردود الفعل الدولية على الحرب الروسية الأوكرانية
ان للحرب الروسية -الاوكرانية تداعيات على الدول ذات المصالح المشتركة مع الطرفين لذلك استوجب من تلك الدول اتخاذ مواقف حسب الرؤية الاستراتيجية لمصالحها مع طرفي النزاع.
بادرت الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا إلى تزويد كييف بالمعدات العسكرية والتدريب اللازم لجيشها، فضلا عن المساعدات الاقتصادية وحشد الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي لإحباط الغزو الروسي للبلد.
ومع استمرار الحرب وتعالي الأصوات التي تطالب واشنطن “ببذل المزيد” يبرز سؤال مهم هو: ما المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في أوكرانيا؟
ومن أبرز المسوغات أو الحجج أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتسامح مع العدوان الروسي في أوكرانيا، لأن ذلك من شأنه تشجيع موسكو على التوسع أكثر في عدوانها على نحو يهدد المصالح الأميركية.
وقد عبّر السفير الأميركي السابق في روسيا مايكل ماكفول عن هذا الرأي عندما قال “لدينا مصلحة أمنية في (مساعدة أوكرانيا على هزيمة روسيا). الأمر ببساطة شديدة هو كالتالي: إذا انتصر بوتين في دونباس شجعه ذلك على المضي إلى أبعد منها داخل أوكرانيا، وسيشكل ذلك تهديدًا لحلفائنا في الناتو”.
وبخصوص مصلحة الصين في الحرب، فأنها مستفيدة من حرب روسيا على أوكرانيا، لكونها تسمح باستنزاف أميركا في الحرب، وهو ما جعله يعتبر أن بكين لا تقوم بهذه الوساطة بشكل جاد وحقيقي ولكنها مجرد واجهة تحمل داخلها أسبابا خاصة بالصين.
 
آثار الحرب في أوكرانيا على المنطقة العربية
الدول العربية تعتمد بشكل مفرط على استيراد الغذاء والطاقة، الأمر الذي يتركها هشة على نحو خاص أمام الصدمات الاقتصادية نتيجة الأزمة الأوكرانية؛ إذ إن بعض الدول تشتري كميات كبيرة من القمح من أوكرانيا وروسيا. وفي حين أن البعض، مثل دول الخليج العربية، تمتلك احتياطات كبيرة، فإن دولاً أخرى، مثل لبنان، لا تمتلك أية احتياطات، الأمر الذي يجعل احتمال حدوث نقص لديها حقيقياً جداً.، فإن المستوردين يواجهون صعوبة متزايدة في شراء القمح من روسيا بسبب صعوبات تحويل الأموال إلى الشركات الروسية والتأمين على السفن. كما أن الاعتماد على النفط والغاز المستوردين مشكلة أيضاً. فقد تبقى دول لديها اكتفاء ذاتي أو حتى تصدر النفط والغاز، مثل ومصر والعراق، وليبيا وبعض دول الخليج العربية، محمية من الركود، بينما قد تواجه دول أخرى مثل لبنان، وفلسطين، والأردن، واليمن وتونس صعوبات اقتصادية مع معاناة سكانها من درجة أكبر من الحرمان.
قد تُحدث الكلفة المتزايدة للنفط والغاز نفسها أثراً على ارتفاع كلفة النقل وبالتالي أسعار السلع بشكل عام، الأمر الذي سيفرض ضغوطاً تضخمية ويمكن أن يعطل سلاسل الإمداد بالسلع الأساسية وغير الأساسية بشكل يزعزع الاقتصادات الهشة أصلاً. إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار الوقود سيجبر الدول الفقيرة بالنفط على تخفيض سعر صرف عملاتها الوطنية، ما سيحدث انخفاضاً في الدخول وتردياً في الأحوال المعيشية.
 
التأثير الأكبر لاجتياح أوكرانيا على لبنان
يتأثر لبنان اقتصادياً بغالبية الأزمات والحروب الخارجية، مهما كانت بعيدة جغرافياً، انطلاقاً من أنّه يعتمد على الاستيراد وليس لديه اكتفاء ذاتي بمعظم السلع. وانطلاقاً من أنّ لبنان يعتمد لتأمين القمح على استيراد هذه المادة الأساسية من أوكرانيا وروسيا، يواجه أزمة بعد الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية وما استتبعه من تداعيات، فضلاً عن انعكاس ارتفاع أسعار المحروقات عالمياً على اللبنانيين الذين يعانون أساساً الأمرّين جراء انهيار الليرة دراماتيكياً أمام الدولار. كذلك يتأثر البلد سياسياً وأمنياً، لأنّه من خلال موقعه على البحر المتوسط، باباً للشرق الأوسط والدول العربية وجاراً عدواً لاسرائيل.
يستورد لبنان أكثر من 80 بالمئة من قمحه من أوكرانيا، الأمر الذي يتركه هشاً أمام صدمات الأسعار. كما أن البلاد فقدت أربعة أخماس قدرتها التخزينية في انفجار مرفأ بيروت عام 2020، الذي دمر صوامع الحبوب الرئيسية في البلاد. نتيجة لذلك، ومنذ بداية الأزمة المالية في عام 2019، ارتفعت أسعار الخبز، رغم انخفاض سعر العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي، وحقيقة أن لبنان يستورد كل مدخلات إنتاج الخبز (القمح، والطاقة، والسكر)، وبالتالي فإن ارتفاع أسعار القمح سيجعل عملية الدعم أعلى كلفة.
على العكس من ذلك، فإن زيادة حادة في أسعار الطاقة الناجمة عن الأزمة الأوكرانية لها تداعيات أكبر بكثير. من شأنها أن تولد ضغوطاً تضخمية سيكون لها تداعيات على سائر قطاعات الاقتصاد. وسيتمثل أحد الآثار في زيادة سعر الخبز، لأن الغاز يستعمل في تشغيل الأفران. إضافة إلى ذلك، فإن الآلات في المخابز الصناعية تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، وبالتالي الديزل لتشغيل المولدات، بالنظر إلى أن شبكة كهرباء الدولة توفر أقل من ساعتين من الكهرباء يومياً.
وحسب مؤسسة “الدولية للمعلومات”، يوجد خلل كبير في الميزان التجاري بين لبنان وأوكرانيا لمصلحة أوكرانيا، إذ إن لبنان لا يصدّر شيئا لها، في حين تبلغ قيمة الواردات من أوكرانيا نحو 354 مليون دولار كمتوسط سنوي بين 2012 و2020.
وإلى جانب القمح الذي يتصدر المرتبة الأولى من الواردات إلى لبنان، يستورد لبنان أيضا من أوكرانيا الزيوت الخام (بقيمة 44.3 مليون دولار)، والحبوب الأخرى والحديد وبعض الحيوانات الحية.
وبينما يشمل الفقر المتعدد الأبعاد نحو 80% من اللبنانيين، وفق تقديرات دولية، يراقب معظم سكان لبنان الحرب الروسية بعين الريبة من تداعياتها الاقتصادية المباشرة عليهم، ويتتبعون يوميا ارتفاع أسعار المحروقات التي سبق أن رفع الدعم عنها، في حين تتكبد الأسر أكثر من نصف مداخيلها على تسديد فواتير مصادر الطاقة.
 
في كل الأحوال، ارتفاع الأسعار لا تتقبله الشعوب حتى لو كانت في البلدان الغنية، فكيف تستسيغه في دول عربية نامية كتونس والمغرب والجزائر ومصر والسودان ولبنان واليمن، التي يكد مواطنوها لتوفير الرغيف اليومي لهم ولأسرهم، وإن وضع من هذا القبيل فيه “تهديد للأمن الغذائي وقد يؤدي إلى تحركات اجتماعية” رافضة لغلاء المعيشة.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى