فرصة تاريخية للتحرير الكامل.. هل يفتح حزب الله الباب للمفاوضات؟!
في خطابه الأخيرَين، والمتقاربَيْن زمنيًا، ثبّت الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله بصورة أو بأخرى، معادلات “الردع” مع العدوّ الإسرائيلي، فأكّد أنّ الرد على استهداف الضاحية الجنوبية واغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري “آتٍ لا محالة”، وشدّد على أنّ الحزب الذي يقاتل “بحسابات” منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، لن يتوانى عن التحرّر من كلّ الأسقف والضوابط إذا ما وسّع العدو حربه ضدّ لبنان.
لكنّ ما سبق لم يكن “أهمّ” ما ورد في كلام السيد نصر الله برأي كثيرين، ممّن توقّفوا عند كلام الأمين العام لـ”حزب الله” عن “فرصة تاريخية” فتحتها الجبهة اللبنانية “للتحرير الكامل لكل شبر من أرضنا، وتثبيت معادلة تمنع العدو من اختراق سيادتنا”، وهو ما فسّرته الكثير من الأوساط على أنّه “ضوء أخضر” للشروع بالمفاوضات، بل “رسالة” إلى الوسيط الأميركي تحديدًا، النَّشِط لا على خطّ تفادي سيناريو الحرب فحسب، ولكن على خطّ الترسيم أيضًا.
لكنّ الحديث عن “الدبلوماسية” جاء متزامنًا مع تصعيدٍ ميدانيّ وصل إلى ذروته على الأرض في الأيام القليلة الماضية بين “حزب الله” وإسرائيل، وتجلّى بشكل خاص باغتيال إسرائيل أحد القادة الميدانيين الأساسيّين للمقاومة، وقبل ذلك بتسجيل أكبر الرشقات الصاروخية من جنوب لبنان باتجاه الأراضي المحتلة، فهل فتح كلام السيد نصر الله الباب فعلاً أمام المفاوضات، أم أنّ كلمة الميدان التي أعطاها مرّة أخرى الأولوية، سيكون لها كلام آخر؟!
شرط “حزب الله”
يقول العارفون بأدبيّات “حزب الله” والمطّلعون على الأجواء السياسية والعسكرية إنّ تداول كلام الأمين العام لـ”حزب الله” في الأيام الأخيرة، خصوصًا من جانب خصوم الحزب، تجاهل ما يمكن اعتباره “شرطًا” طرحه السيد نصر الله في سياق “المرونة” التي أبداها إزاء المفاوضات، وهو انتهاء المعركة الحالية المفتوحة بالدرجة الأولى، سواء في قطاع غزة، أو في “جبهة الإسناد” في جنوب لبنان، كما يصفها “حزب الله”.
وفقًا لهؤلاء، فإنّ ما أراد الأمين العام لـ”حزب الله” قوله هو أنّ كلّ شيءٍ في السياسة مُباح وممكن، وأنّ باب التفاوض يمكن أن يُفتَح من أجل تحقيق المكاسب من خلاله، بناءً على الإنجازات التي تحقّقت على الأرض، وهو تعمّد القول إنّ هذه “الفرصة” إن وُجِدت، فقد فتحتها “الجبهة اللبنانية” تحديدًا، ليردّ بذلك ضمنًا على القائلين بأنّ “لا قيمة” للجبهة الجنوبية، علمًا أنّه أراد بذلك أيضًا “ردّ الظلم” اللاحق بهذه الجبهة إعلاميًا.
لكنّ السيد نصر الله أراد أيضًا أن يكون واضحًا في تثبيت المعادلة، وهي أنّ أيّ حديث من نوع التفاوض يبقى “مؤجَّلاً” إلى ما بعد انتهاء الحرب على غزة، فالكلمة الآن تبقى للميدان، ولا شيء غيره، طالما أنّ المعركة مستمرّة، وأنّ القصف متواصل، بمعنى أنّ التفاوض لا يمكن أن يبدأ قبل انتهاء المعركة، ليُبنى على نتائجها المقتضى المناسب، وهذه الرسالة قد تكون موجّهة للأميركي قبل الإسرائيلي، وفقًا للعارفين.
تصعيد يسبق “العاصفة”؟
بمعزل عن رسائل “حزب الله” ومغزى كلام أمينه العام السيد حسن نصر الله، وما إذا كان يفتح بابًا، أو بالحدّ الأدنى نافذة للمفاوضات، يتوقف كثيرون عند التزامن الذي قد يكون “معبّرًا” بين مثل هذا الكلام والتصعيد الميداني على الأرض، والذي يقترب وفقًا للمتابعين من “حافة الانفجار”، إن جاز التعبير، في ضوء التطورات المتسارعة التي سجّلتها “الجبهة” في الأيام الأخيرة، والتي خرجت عن الدائرة “الضيقة” المعتمدة منذ بدء الحرب.
هنا يتحدّث العارفون عن “قراءتين موضوعيتين” لهذا التزامن، تنطلق الأولى من أنّ التصعيد الحاصل “يتكامل” مع فتح الباب أمام الدبلوماسية، وكأنّ كلّ طرف يحاول أن “يراكم” أوراق القوة بين يديه للاستفادة منها عندما يحين موعد المفاوضات، خصوصًا في ضوء الحراك الدولي المكثّف لتفادي سيناريو الحرب، والذي ينشط الأميركيون على خطّه، من خلال المبعوث الدولي آموس هوكستين الذي يحطّ في بيروت هذا الأسبوع، بعد زيارة لتل أبيب الأسبوع الماضي.
أما وجهة النظر الثانية، فتقوم على أنّ التصعيد الميداني “منفصل” عمّا يجري في الاجتماعات المغلقة، علمًا أنّ الطرفين يحرصان على الإشارة إلى أنه لا يزال “مضبوطًا بحسابات دقيقة”، بما يمنع الانزلاق إلى حرب حتى إشعار آخر، علمًا أنّ الإسرائيليين أوصلوا هذه الرسالة، وإن أوحوا بأنّ “الصبر ينفد”، ومثلهم فعل “حزب الله” عندما توعّد بالتحرّر من “الحسابات” في حال أقدم الإسرائيلي على أيّ “مغامرة غير محسوبة” ضد لبنان.
هو السباق بين القوة العسكرية والجهود الدبلوماسية، بحسب ما يقول العارفون، الذين يتحدّثون عن “مرحلة دقيقة وحاسمة” على هذا الصعيد. وإذا كانت “طبول الحرب” تُقرَع بالتوازي هذه الأيام أكثر من أيّ وقتٍ مضى، فإنّ هناك من يعتقد أنّ احتمال المواجهة الشاملة لا يزال بعيدًا للعديد من الأسباب، أهمّها أنّ لا مصلحة بالحرب لصاحب قرارها، أي الإسرائيلي، ولو كان طامحًا لتعويض “فشله” في غزة، بالغوص في مستنقع آخر…
مصدر الخبر
للمزيد Facebook