سنة 2023 الأكثر سخونة على الإطلاق و”تغير هائل وكلي وسريع للمناخ”
استمرت مظاهر التغير المناخي في 2023 لكن بوتيرة أعلى وبتسجيل أرقام قياسية جديدة، إذ تلاحقت الكوارث الطبيعية منذ مطلع السنة مخلفة آلاف النازحين والقتلى. اتُّخذت الكثير من الإجراءات خلال العام ونُشرت الدراسات والتحليلات للتوعية بهذه المسألة والحد من مخاطرها على البيئة، لكن كل ما تم اتخاذه حتى الآن “لا يرقى إلى مستوى التحديات البيئية” أمام “تغير هائل وكلي وسريع للمناخ”، حسبما صرح جيل رامستاين الباحث بشؤون المناخ لفرانس24.
سجل العام 2023 درجات الحرارة الأكثر سخونة على الإطلاق، وشهد تلاحق كوارث طبيعية من أعاصير وفيضانات وحرائق واسعة أحدثت خسائر في الأرواح والموارد الطبيعية. واتخذت إجراءات سياسية وقانونية ومبادرات للحد من انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبب بها الدول الغنية وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة، لكن التحديات والمسؤوليات تجاه تغير المناخ تبقى مهولة.
أكد مرصد كوبرنيكوس الأوروبي أن شهر تموز/يوليو الفائت كان الشهر الأكثر حرا على الإطلاق منذ بداية تسجيل درجات الحرارة. ونوه إلى أن تغير المناخ وعودة ظاهرة إل نينيو، التي تتسبب بحوادث مناخية متقلبة وسريعة كالفيضانات وموجات الحر الشديدة، يدفعان درجات حرارة المحيطات واليابسة إلى مستويات غير مسبوقة. وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن الأسبوع الأول من الشهر نفسه هو أشد الأسابيع حرا على الإطلاق وفقا لسجلاتها. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بعد أن شهد تموز/يوليو درجات حرارة أعلى من الشهر الذي سبقه “انتهى عصر التغير المناخي وبدأ عصر الغليان العالمي، الهواء غير قابل للتنفس والحرارة لا تطاق ومستوى أرباح الوقود الأحفوري وتدهور المناخ غير مقبول”.
كما نشر المرصد الأوروبي في بداية آب/أغسطس بيانات تفيد بأن المحيطات العالمية حطمت رقما قياسيا جديدا في الحرارة السطحية مع بلوغها 20,96 درجة مئوية. وأصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الصيف الماضي تحذيرا من ارتفاع غير مسبوق بدرجات الحرارة بين 2023 و2027. ونبه العلماء إلى موجات حر قاتلة ودرجات قياسية في عدد من دول العالم وكذلك إلى موجة الحر التي تضرب مياه البحار والمحيطات والتي تتسبب، وفقهم، بمجزرة غير مرئية للأجناس البحرية.
وتتربع الصين على عرش لائحة أكثر دول العالم تسببا في الانبعاثات الملوثة، تليها الولايات المتحدة، وهما يتسببان معا لوحدهما في حوالي 40 بالمئة من إجمالي التلوث الكربوني. فيما تتسببألمانيا في أعلى قدر من الانبعاثات الكربونية على المستوى الأوروبي لاعتمادها الكبير على الفحم، وذلك بعد أن اتخذت قرارا بغلق مفاعلاتها النووية وكان آخرها ثلاثة أنهت عملها هذه السنة بهدف التخلي نهائيا عن الطاقة الذرية.
Table of Contents
أعاصير وفيضانات وحرائق.. كوارث متلاحقة بوتيرة متسارعة
شهدت ولاية كاليفورنيا الأمريكية بداية العام موجة أمطار وثلوج غزيرة تسببت بمقتل 19 شخصا بفعل السيول والانهيارات الطينية. ودمرت زوابع في ولاية ميسيسبي البيوت وقتلت 25 شخصا واقتلعت الأشجار في مارس/آذار. كما تساقطت أمطار غزيرة في ولاية نيويورك في شهر تموز/يوليو وتسببت بفيضانات “مهددة للأرواح” حولت الطرق إلى ممرات مائية جرفت معها جسورا. وقتل شخصان وحرم مئات الآلاف من الكهرباء وألغيت رحلات في مناطق من شرق البلاد جراء عواصف قوية في آب/أغسطس. وقتل وفقد أكثر من ألف شخص جراء حرائق الغابات في جزيرة ماوي بولاية هاواي، في حصيلة هي الأكثر فتكا بالبلاد منذ أكثر من قرن. وعموما تضررت زراعة القطن في الولايات المتحدة بسبب شح الأمطار في مناطق منها.
وشهدت كندا موجات حر قياسية الصيف الماضي اندلعت على أثرها حرائق واسعة شرقي البلاد وشمالها، وأخلت السلطات نحو 30 ألف شخص من منازلهم في الغرب في مواجهة عدد ضخم من الحرائق أعلنت بسببه حالة الطوارئ. كما أخلت لاحقا مدينة هاي ريفر الشمالية من جميع سكانها جراء الحرائق.
كما لقي 65 شخصا مصرعهم في البرازيل في فبراير/شباط وتشرد مئات آخرون في المناطق الساحلية جنوب شرق البلاد بسبب الفيضانات وانهيارات التربة الناجمة عن الأمطار الغزيرة.
وشهدت الصين خصوصا في شمالها تسجيل أشد أيامها حرارة في حزيران/يونيو إذ وصلت إلى 40 درجة مئوية. وتم فيها إجلاء 40 ألف شخص في إقليم سيتشوان جراء الفيضانات في تموز/يوليو. وقتل في العاصمة بكين 11 شخصا بسبب الفيضانات أيضا وهذه خسائر لم تعهدها البلاد منذ 140 عاما. وقتل نحو مئة شخص في الشمال بسبب الأمطار الغزيرة في آب/أغسطس. كما أصدرت الصين تحذيرا بأعلى المستويات في بداية سبتمبر/أيلول بسبب الإعصار الكبير ساولا الذي ضرب جنوب الصين مصحوبا برياح تعتبر الأقوى في المنطقة.
وضرب إعصار “هايكوي” سواحل شرق تايوان، ما أجبر السلطات على إجلاء الآلاف بداية سبتمبر/أيلول. وقتل 33 شخصا وفقد العشرات في كوريا الجنوبية بعد أمطار غزيرة تسببت بفيضانات وانزلاقات للتربة في تموز/يوليو. وقتلت امرأة في اليابان في الشهر نفسه للأسباب ذاتها في جنوب غرب البلاد. كما أتى الإعصار “فريدي” على حياة أكثر من مئتي شخص في مالاوي في آذار/مارس بعد قطعه مسارا طويلا من إندونيسيا حتى الجنوب الأفريقي.
وتوسعت الصحراء في إسبانيا، التي حدث فيها تساقط للثلوج غير مألوف في أجزاء من الشمال أتت بعد شهور من الجفاف وارتفاع درجة الحرارة. وشهدت مدريد موجة حر خانقة في الصيف. وأجلت السلطات الإسبانية آلاف السكان بسبب حريق خرج عن السيطرة في إحدى جزر الكناري في تموز/يوليو. وجاهد مئات رجال الإطفاء في البرتغال المجاورة لمكافحة حرائق غابات قضت على أراض في وسط وجنوب البلاد. وتوفيت امرأة في هولندا إثر أقوى عاصفة صيفية تسجل بتاريخ البلاد. وعانت غابة في منطقة فال-دو-لوار الفرنسية من جفاف أكثر حدة من ذي قبل. ورفع في فرنسا خلال الصيف مستوى التنبيه بشأن الطقس إلى اللون الأحمر وهو التنبيه الأعلى.
واستعرت حرائق ضخمة في اليونان وتركيا وخاضت السلطات “معارك هائلة” من أجل إخمادها جراء الحر الشديد. وقتل في اليونان عشرون شخصا أغلبهم من المهاجرين في آب/أغسطس بحرائق الغابات التي وصفت بأنها “الأكبر على الإطلاق في الاتحاد الأوروبي”.
وتوفي العشرات في الهند جراء موجة حر تجاوزت 46 درجة مئوية خلال الصيف. وتم إجلاء نحو 150 ألف شخص في الهند وباكستان بسبب الإعصار بيبارجوي. وقتل في باكستان 27 شخصا جراء الأمطار الغزيرة والرياح العاتية.
والعراق من بين الدول الأكثر تضررا في العالم، وأدى تراكم المشكلات البيئية فيها إلى كوارث اقتصادية واجتماعية وديموغرافية، إذ أثر الجفاف على المنتجات الزراعية وتسبب بتكثيف حركة النزوح من الأرياف. وهذا أيضا حال شمال شرق سوريا حيث يعيش الناس شحا في المياه والغذاء. ولم تسلم منطقة الخليج أيضا من تأثيرات هذا التغير فقد زادت حدة الصيف في دوله.
وأخمدت تونس حرائق غابات في منطقة حدودية مع الجزائر في تموز/يوليو. وقتل في الجزائر 34 شخصا بينهم عشرة عسكريين بسبب حرائق عنيفة استعرت في شمال شرق البلاد في نهاية الشهر نفسه. وتسببت العاصفة “دانيال” بتدمير سدين في ليبيا في سبتمبر/أيلول، ما أحدث سيولا قضت على عشرين ألف شخص بالأخص في مدينة درنة الساحلية. وفي اليمن قتل ثمانية أشخاص ودمرت عشرات المنازل بسبب عواصف رعدية وسيول جارفة في سبتمبر/أيلول في غرب البلاد.
وفي نصف الكرة الجنوبي، سجل الشتاء الأكثر دفئا في أستراليا منذ بدء تسجيل البيانات.
مخاطر ذوبان الأنهار الجليدية والغرق وانتشار الأوبئة
يضاف إلى هذه الحوادث المأساوية، ازدياد مخاطر سقوط الصخور وذوبان الأنهار الجليدية التي تعد أكثر من أربعة آلاف صارت معرضة للزوال في جبال الألب وتقلصت كميات الثلوج على بعض قممها. وكذلك التهديد الذي يشكله الاحتباس الحراري على سفوح جبال الهيمالايا من ذوبان متسارع للثلوج وانهيارات أرضية وانقراض للأنهار الجليدية، وما يتبع ذلك من تأثيرات على شمال الهند بشكل خاص. وهذه الظاهرة ممتدة على مرتفعات أخرى أيضا مثل القرى الجبلية في البيرو التي يهددها ذوبان الأنهر الجليدية.
وهناك أيضا خطر الغرق، إذ يهدد ارتفاع مستوى مياه المحيطات بغرق جزر المالديف والتي هي عبارة عن أرخبيل استوائي 80% من جزره البالغة 1200 جزيرة لا يتجاوز ارتفاعها عن مستوى سطح البحر مترا واحدا. وهناك تخوف من أن تغمرها المياه بالكامل بحلول عام 2100. إندونيسيا أيضا تعيش هاجس غمر أراضيها في السنوات الأخيرة.
تهديد آخر يرافق هذه المتغيرات وهو خطر انتشار الأوبئة، فقد ارتفعت حالات الملاريا في مالاوي وباكستان، وانتشرت بعوضة النمر ذات اللون الأبيض والأسود في فرنسا وبلدان أخرى ويعرف عنها نقلها لثلاثة أمراض رئيسية: حمى الضنك وداء الشيكونغونيا وأيضا فيروس زيكا.
إجراءات ومبادرات
الحدث السياسي الأبرز المتعلق بالقضايا البيئية في العام هو قمة المناخ 28 التي عقدت في الإمارات وخلصت إلى التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري. وعرفت هذه النسخة خلافات واسعة بشأن هذا التخلي بعد ممانعة جاءت بالأساس من دول نفطية عربية. لكن المؤتمرين توصلوا في الختام لاتفاق تاريخي يشير إلى التحول عن الوقود الأحفوري بالكامل في العقد الحالي. لكنه لم يتحدث عن “الاستغناء” عن النفط والغاز والفحم، وهو ما طالبت به أكثر من مئة دولة، بعد أن رفضت السعودية والكويت والعراق أي اتفاق يمس بالنفط والغاز.
وبحثت النسخة السادسة من قمة “الغابة الواحدة” في آذار/مارس في ليبرفيل عاصمة الغابون مصير الغابات الاستوائية في العالم، وترأسها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكان هدفها تطبيق الأهداف المحددة في اتفاق باريس للمناخ 2015. وتعد الغابون “التلميذ النموذجي” على المستوى الإقليمي بمحافظتها على غاباتها أمام جارتها جمهورية الكونغو الديمقراطية مثلا والتي شهدت أعلى معدل إزالة للغابات في العالم بعد البرازيل. كما عقدت قمة للمناخ في نيروبي لبحث الطاقة المتجددة في أفريقيا في أيلول/سبتمبر. واستضافت فرنسا قمة في نوفمبر/تشرين الثاني لبحث التغيرات المناخية في القطبين الشمال والجنوبي.
والإجراء الفعلي الأبرز هذا العام هو ما قام به الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بإعادة تفعيل شرطة البيئة للحفاظ على الأمازون التي تعد رئة العالم ووقف قطع أشجارها. كما أطلقت عدة مبادرات للحد من تصحر الغابات في غانا وإعادة تشجيرها إذ يخطط لزراعة أكثر من خمسين مليون شجرة بحلول عام 2050.
وكمبادرات أخرى يجدر ذكرها، أطلقت مجموعة سوليغرين بالتعاون مع إدارة الغابات في تونس حملة وطنية لتشجير وحماية الغابات المهددة في باجة وجندوبة والكاف وسليانة وبنزرت ونابل، وذلك في محاولة لترميم ما شهدته البلاد من حرائق خصوصا في 2020. كما فرضت تونس قيودا على استخدام مياه الشرب لمواجهة أزمة الجفاف.
ونجحت مملكة بوتان في أن تصبح أكثر الدول اخضرارا في العالم، وتوصف بأنها سالبة للكربون أو ذات بصمة كربونية سلبية، إذ تأخذ من غازات الاحتباس الحراري أكثر مما ينبعث منها. وتقع في الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا، وأصبحت مثالا للحفاظ على البيئة.
كما راكمت بنغلادش خبراتها في التعامل مع الفيضانات الناجمة عن التغير المناخي عبر تطوير خطط للتأهب للكوارث والتدريب على أنظمة الإنذار المبكر وإجراءات الإخلاء والإسعافات الأولية، إضافة إلى تحسين البنى التحتية، لتصبح بذلك نموذجا للتكيف مع الكوارث المائية.
وفي مصنع من الطوب الأحمر في مدينة هامبورغ الألمانية ينتج من قشور حبوب الكاكاو مسحوق أسود يطلق عليه اسم الفحم الحيوي “بايوشار” يتسم بقدرة مكافحة التغير المناخي.
ومن ناحية أخرى هناك إجراءات قانونية بحق ممارسات تضر بالبيئة، إذ ينظر القضاء الفرنسي في قضية “تقاعس مناخي” مارسته شركة توتال إينرجي الفرنسية بعد أن رفعت ضدها دعوى من قبل منظمات غير حكومية ومدينتي باريس ونيويورك. وانتقد خبراء أمميون شركة “أرامكو” السعودية العملاقة للنفط على خلفية مزاعم بأن لأنشطتها آثارا سلبية على حقوق الإنسان مرتبطة بتغير المناخ.
وعلى صعيد القوانين، اتخذت الأمم المتحدة قرارا “تاريخيا” باللجوء إلى محكمة العدل الدولية لتحقيق العدالة المناخية في نهاية مارس/آذار، ما يفرض “واجبات” على الدول من أجل مكافحة الاحترار.
وفاز معسكر مؤيد لقانون في سويسرا يهدف إلى بلوغ الحياد الكربوني بحلول 2050 وذلك بعد التماس تأثير تغير المناخ على ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الألب. وكان أعضاء البرلمان الأوروبي قد صوتوا بتأييد الأغلبية في شباط/فبراير لصالح مشروع القانون الذي يحظر بموجبه بيع السيارات العاملة بالبنزين والديزل المصدرة لانبعاثات الكربون بحلول 2035. ووفق مؤيدي القرار، سيُتاح لمصنعي السيارات الأوروبيين جدول زمني واضح ينتقلون بموجبه إلى إنتاج السيارات الكهربائية النظيفة. وذلك بدوره سيدعم خطة الاتحاد الأوروبي الطموحة الهادفة للتوصل إلى “الحياد الكربوني” في الاقتصاد بحلول 2050 مع صافي صفر انبعاثات مسببة للاحتباس الحراري.
دراسات تحليلية وتحذيرية
صدرت الكثير من الدراسات في مجال البيئة والتغير المناخي في 2023، من بينها، دراسة أمريكية نشرت في آذار/مارس تؤكد بأن الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات على ارتباط وثيق بمتوسط درجات الحرارة في العالم.
كما أصدر خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريرا في آذار/مارس للتحذير من ارتفاع مستوى الاحترار العالمي الناجم عن النشاط البشري إلى 1,5 درجة مئوية اعتبارا من 2030 إلى 2035. وفي تقرير آخر صدر في نفس الشهر من مؤتمر الأمم المتحدة للمياه ومنظمة اليونسكو، تم التحذير من “خطر وشيك” بحدوث أزمة عالمية نتيجة الاستهلاك المفرط للمياه الجوفية وبأنها مع ارتفاع حرارة الأرض والتلوث ستؤدي إلى “استنزاف الحياة البشرية”.
ونشرت مجلة “ذا لانسيت بلانيتاري هيلث” دراسة لفتت إلى أن الحد من الاحترار المناخي إلى أقل من درجتين مئويتين قد يمنع مئات آلاف الوفيات المرتبطة بالحر في الشرق الوسط وشمال أفريقيا. وأوضحت شبكة “وورلد وذر أتريبيوشن” نهاية تموز/يوليو أن التغير المناخي الناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان “جعل موجات الحر أكثر حرا وأطول وأكثر تواترا” مثبتة أن موجات الحر في أوروبا والولايات المتحدة كان “مستحيلا تقريبا” أن تحصل لولا التغير المناخي.
وكشفت دراسة صدرت في آب/أغسطس أن ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير لأيام معدودة يمكن أن يكون كافيا لحرمان المليارات من أصحاب الدخل المحدود من الطعام. كما توصلت دراسة نشرها معهد “بريكثرو إنستيتيوت” في كاليفورنيا إلى أن الاحترار المناخي الناجم عن نشاطات الإنسان تسبب في زيادة وتيرة “حرائق الغابات الشديدة” بنسبة 25 بالمئة مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية.
كما كشفت دراسة علمية أن مدينتي ميامي ونيو أورليانز الأمريكيتين يتهددهما خطر ارتفاع منسوب مياه البحر خلال العقود المقبلة بغض النظر عما يمكن القيام به لكبح جماح الاحتباس الحراري. وذكرت دراسة صدرت في أيار/مايو أن أكثر من نصف أكبر البحيرات والخزانات في العالم تنحسر بسبب الاحتباس الحراري والإفراط في استخدام المياه، ما يعرض الأمن المائي للبشرية في المستقبل للخطر.
إضافة إلى دراسات أخرى عنيت بتأثير النوع البشري على التغير المناخي فمنها ما أظهر أن النساء ينتجن انبعاثات أقل من الرجال وأنهن يعانين أكثر من آثار تغير المناخ عموما.
“تغير هائل وكلي وسريع للمناخ”
ولدى مراقبة وتيرة الأحداث المرتبطة بتغير المناخ في العالم، يُلاحظ اشتداد حدة هذه الكوارث في أشهر الصيف خصوصا في تموز/يوليو وآب/أغسطس، ويعزو الباحث في شؤون المناخ في (CEA) مفوضية الطاقة الذرية والطاقات البديلة في باريس جيل رامستاين ذلك إلى أن قاطني الأرض يتركزون أكثر في نصف الكرة الشمالي، إضافة إلى أنه يجري التركيز أكثر عليهم ممن يقطنون في نصفها الجنوبي. وأشهر الصيف في النصف الشمالي لكوكب الأرض معاكسة لتلك في نصفه الجنوبي والتي تمتد على ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني وشباط/فبراير وحتى آذار/مارس. ويضيف الباحث أن “الرياح الموسمية في أستراليا وأمريكا الجنوبية موجودة لكن أضعف من تلك الموجودة في نصف الكرة الشمالي وهذا معطى مهم، ويكشف عدم التماثل بين الجانبين” من الكرة الأرضية.
وحول الخطر المحدق مع احترار الأرض يضيف رامستاين “كل سنة من السنوات الأخيرة تسجل رقما قياسيا في ارتفاع درجات الحرارة، وهذا يعني أننا أمام تغير هائل وكلي وسريع للمناخ وهذا على مستوى العالم وليس منطقة بعينها”، و”ليست لدينا معلومات دقيقة بشأن مقارنات مع عهود قديمة لكن المؤكد هو أن التغير المناخي ودرجات الحرارة العالية هي الأكبر منذ وقت طويل جدا”.
ويستشهد الباحث بتقرير giec للمقررين الذي يظهر تصورا لما سيكون عليه الكوكب بحلول عام 2050 و2100، والذي يشير إلى أن 96 بالمئة من مساحة الكوكب ستتعرض لإشكالات التغير المناخي ليس بنفس الطريقة في كل المناطق وإنما إحداها ستهدد بالفيضانات وأخرى بالحرائق وأخرى بمظاهر غيرها”.
وحول نجاعة الإجراءات المتخذة هذا العام والأعوام السابقة في الحد من ظواهر التغير المناخي، يجيب رامستاين “المشكلة أن عمليات قطع الأشجار لا تزال مستمرة. ولا توجد فعليا سياسات على مستوى الكوكب ترقى إلى التحديات المطروحة. والإجراءات المعتمدة حتى في قمة المناخ 28 كانت رخوة ولم تضع جدولا زمنيا لها. استجابة الكوكب لا ترقى إلى مستوى التحديات بل هي أدنى بكثير من المطلوب”.
وبشأن ما يجب فعله بصورة عاجلة، يلقي الباحث المسؤولية على الدول الغنية لجانب “عدم تطوير أفريقيا كما تم فعله في البلدان الصناعية بالنسبة للوقود الأحفوري أو كما في الصين”، ويؤكد على أنه “يجب استخدام الطاقة المتجددة ووضع سياسات لاستخدامها وسياسة للتضامن مع الدول الفقيرة والهشة غير المسؤولة نهائيا عن التلوث حتى تحمي نفسها، أو على الأقل إعطاء البلدان الغنية التكنولوجيا بشكل مجاني لهذه البلدان حتى تتمكن من تدبير أمرها في المستقبل”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook