ما علاقة رئاسة الجمهورية بحرب غزة؟
قد يفهم بعض المتعاطفين مع “حزب الله” ربطه التصعيد في الجنوب بالحرب الدائرة في غزة، وإن كانت كرة ثلج المواقف غير المؤيدة لما يقوم به بدأت تكبر شيئًا فشيئًا. إلا أن ما لا يفهمه جميع اللبنانيين إصرار “حارة حريك” على ربط الاستحقاق الرئاسي بالحرب الإسرائيلية على أهالي غزة، التي قد تطول أكثر مما يتوقعه بعض المتفائلين بأن تتوقف آلة الموت الإسرائيلية في أسرع وقت. وعندما تُراجَع القيادة السياسية في “الحزب” بضرورة التجاوب مع المساعي الهادفة إلى إيجاد تسوية رئاسية على غرار التسوية السياسية، التي أدّت إلى التمديد لقائد الجيش ولسائر القيادات الأمنية تجيب بأن الوقت اليوم هو لتضميد جراح أهل غزة ومساندة مقاومتهم بكل الإمكانات المتاحة، ومن بينها التخفيف عن “الغزاويين” بعض الضغط، وذلك عبر عملية الهاء قسم من الجيش الإسرائيلي التي يقوم بها على طول جبهات الخطّ الأزرق، وليس الوقت وقت البحث عن رئيس لا أحد يعرف لأي جمهورية سيكون.
وزيرة الخارجية الفرنسية، التي زارت لبنان مؤخرًا، نصحت اللبنانيين بعدم الربط بين غزة والجنوب. وما يصح بالنسبة إلى النصيحة الفرنسية عن جبهات القتال يصحّ أكثر بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي، من دون أن يعني ذلك بطبيعة الحال أن لبنان يعيش في جزيرة منفصلة عن محيطه، وهو لا يتأثّر بما يحصل من حوله.
فالملفات والاستحقاقات كافة قد رحّلت طبيعيًا الى العام المقبل، وعلى رأس ما هو مرحّل الملف الرئاسي وسط معلومات تشير الى أنه سيعاد تحريك الملف مطلع العام الجديد بتفعيل الدور الفرنسي وزيارة مرتقبة للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان ومسؤولين قطريين، للاستفادة من التسوية السياسية التي حصلت للتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون وتوجت بانعقاد المجلس النيابي وإقرار القانون.
فالرئيس نبيه بري، كما يُنقل عنه، يعتبر أن الوقت قد حان ليكون ملف انهاء الشغور الرئاسي بنداً اول على طاولة الاهتمامات في السنة الجديدة. فأي تأخير في انتخاب رئيس جديد للبلاد قد يقود إلى تفاقم الخسائر الاقتصادية المتراكمة، مع تزايد حجم التعقيدات المتوالدة والمستنسخة.
فلا شيء يمنع النواب، على اختلاف توجهاتهم السياسية، أن يكرّروا مشهد 15 كانون الأول في أي جلسة قد يدعو إليها الرئيس بري، خصوصًا إذا وُضعت المصالح السياسية الضيقة جانبًا من قِبل كل الكتل المؤثرّة في أي قرار على مستوى كل الوطن، بعدما ثبُت للجميع أن رئاسة الجمهورية هي “أم السلطات”، ومن خلالها تنتظم الحياة الدستورية والسياسية، ومعها يكتمل عقد فصل السلطات وتكاملها، وكذلك ثبُت أن توافق معظم الكتل النيابية هو الممر الاجباري والطبيعي لتعبيد الطريق الممتدة من “ساحة النجمة” إلى القصر الرئاسي في بعبدا.
فما هو مطلوب اليوم ليس أكثر مما عُقد من لقاءات ومشاورات مكثفة التي تمت بعيدة عن الأضواء، وانتهت الى اتفاق ترجم في مجلس النواب بإقرار اقتراح قانون تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون، ويمكن البناء عليه في الاستحقاق الرئاسي.
فـ “بروفة” التمديد كانت ناجحة فلماذا لا تُستنسخ بـ “بروفة” رئاسية، يكون فيها للرئيس بري الدور ذاته الذي قام به بنجاح في “تخريجة” التمديد العسكري الى بروفة رئاسية. فلو أراد “الفركشة” لكان من السهل عليه “تطيير” النصاب بعدما انسحب نواب “حزب الله” من الجلسة تمامًا كما كان يحصل في الجلسات الرئاسية الاثنتي عشرة.
ما هو أكيد أن أطراف المعارضة ستفعّل حراكها على خط رئاسة الجمهورية داخليًا وخارحيًا للدفع والضغط على كافة الأطراف للنزول الى المجلس النيابيّ وانتخاب رئيس للجمهوريّة، كما ستقوم بحملة سياسيّة إعلاميّة لإقناع الرئيس بري بالدعوة الى جلسات متتالية للمجلس لانتخاب رئيس على غرار دعوته الى جلسة لإقرار قانون التمديد، مع العلم أن حسابات وظروف ملف قيادة الجيش تختلف عن حسابات رئاسة الجمهورية، لا سيما أن نصاب جلسة التمديد 65هو نائباً والتصويت 33 نائباً، أما في انتخاب الرئيس فالقاعدة الدستورية مختلفة، فالنصاب والانتخاب هو 86 نائباً في الدورة الأولى، والنصاب 86 والانتخاب 65 في الدورة الثانية، ما يستحيل أن يتمكن أحد الأطراف من فرض مرشحه، وبالتالي المخرج الوحيد لانتخاب الرئيس هو الحوار ونسج تحالفات بين القوى الرئيسية الثلاث التي تشكل المجلس، وهي “الثنائي الشيعي”، “التيار الوطني الحر”، والمعارضة بكل أطيافها.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook