آخر الأخبارأخبار محلية

الميلاد ليس شجرة وزينة وبابا نويل

مَن لم يختبر المعنى الخلاصي بحقيقته الايمانية لسر التجسد في حياته اليومية لن يستطيع أن يدرك أهمية هذا الحدث العظيم ببعض من التفسيرات، التي لم تستطع أن تتخطّى محدودية العقل البشري وحتى “الذكاء الاصطناعي”. فالميلاد ببعده اللاهوتي والايماني هو أكثر من مجرد حدث زمني عابر مرّ عليه ردح من الزمن، وهو لم يُعطَ لغير الذين يعيشون العمل الخلاصي بعمقه الروحي والإنساني أن يفهموا تلك العلاقة المباشرة بين الله وكلمته والانسان. 

Advertisement

بعد الميلاد لم يعد الانسان، أي انسان، في حاجة إلى أي وساطة ليكّلم الله مباشرة، بعدما صالح يسوع بتجسدّه الخلاصي الأرض مع السماء. فهو القائل “من رآني فقد رأى الآب”. بالميلاد أصبحت علاقة الانسان بربه علاقة محبة. ما حدث قبل 2023 سنة في قرية وادعة من أرض فلسطين، التي تعاني اليوم الأمرّين، بدّل المفهوم الذي كان سائدًا في العهد القديم عن علاقة الانسان بخالقه، وهو الذي كلمه بلسان أنبيائه من إبراهيم إلى موسى، وهو الذي ناصر خائفيه والذين يتقونه، وأقام معهم عهدًا جديدًا عبر نوح بعد الطوفان الأول. 
فالميلاد الذي نعيشه اليوم هو غير الميلاد الحقيقي. فهو لا يشبهه بشيء لا من قريب ولا من بعيد. إنه الميلاد الذي شُوهّت معانيه. لقد أصبح ميلاد الزينة وعجقة الهدايا، ميلاد “بابا نويل”. ميلاد اليوم لا يشبه صاحبه، الذي لم يولد في القصور الدافئة، بل في مغارة باردة. لقد شوهّوا لنا العيد. أفرغوه من معانيه الروحية. جرّدوه مما حمله إلينا طفل المغارة من علامات ملء الأزمنة. فبدلًا من أن نتعمّق في هذا السر الخلاصي، تأملًا وصلاة وصمتًا وخشوعًا كصمت مريم ويوسف، وخشوع الرعاة والمجوس، ننصرف إلى البهرجة والضجيج والصخب. نتعلق بالقشور ونهمل الجوهر. نصرف معظم وقتنا لتزيين شجرة اعتدنا أن نطلق عليها “شجرة الميلاد”. هي جميلة وتدخل الفرح إلى القلوب، ولكنها تبقى مجرد تعبير عن فرح خارجي فيما الفرح الحقيقي هو ذاك النابع من نور المغارة وبما ترمز إليه. 
يحاول جميع الذين لم يتلقوا بشارة الخلاص بانفتاح، ومن بينهم حركات معادية للأديان السماوية، “وثننة” معاني عيد الميلاد، وتأطيره بكوادر تجارية بحتة، وقولبته بقوالب تتعارض مع المفاهيم الايمانية لعيد أصبح الحدّ الفاصل بين عهدين، قديم وجديد. فما بعد الميلاد لم يعد ما كان قبله. فالمفاهيم التي كانت سائدة تبدّلت. السلوك الايماني امتزج بأعمال الرحمة والأخوّة والتسامح. سقطت الشريعة وما فيها من فرائض بعدما حلّت مكانها محبة جامعة ومسكونية أوصى بها كلام الانجيل. “فإذا أحببتم من يحبونكم فأي فضل لكم”. “أحبوا اعداءاكم”. أحب قريبك كحبك لنفسك”. ما من حب أعظم من هذا، وهو أن يبذل الانسان نفسه من أجل الذين يحبهم”.  
هو ميلاد المحبة. “وهكذا يعرفونكم إذا كنتم تحبون بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم”.  
في ليلَة الميلاد يُمَّحَى البُغضُ، في ليلَة الميلاد تُزهِرُ الأرضُ، في ليلة الميلاد تُدفَنُ الحربُ، في ليلَةَ الميلاد يَنبُتُ الحُبُ. عندما نسقي عطشانَ كأسَ ماء نكونُ في الميلاد. عندما نكسي عُريانَ ثوبَ حُب نكونُ في الميلاد. عندما نكفكف الدموع في العيون نكون في الميلاد. عندما نفرِشُ القلوبَ بالرجاء نكونُ في الميلاد. عندما أقبِّلُ رفيقي دونَ غشّ أكونُ في الميلاد. عندما تموتُ فيَّ روحُ الانتِقام أكونُ في الميلاد. عندما يُرمَّدُ في قلبيَ الجفا أكونُ في الميلاد. عندما تذوبُ نفسي في كيان الله أكونُ في الميلاد. (أطال الله بعمر المونسيور منصور لبكي). 
هذا هو الميلاد الحقيقي. إنه ليس يومًا واحدًا في السنة، بل كل يوم نعيشه من خلال محبتنا للآخر، أيًّا كان هذا الآخر. الميلاد هو الولادة الجديدة بالماء والروح وأعمال الرحمة والتسامح وتقبّل الآخر. هللويا. 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى