التمديد في ميزان الربح والخسارة:عون يدخل النادي السياسي ضعيفاً
أمام أي من الإستحقاقات تظهر هشاشة السياسة والساسة في لبنان. ما إن أقر التمديد لقائد الجيش جوزاف عون حتى خرج من يعلن الإحتفال، ويفرض العزاء على خصومه أو معارضي التمديد. بعض المعارضة “السيادية” ذهب لاعتبار أن ما جرى هو كسر لإرادة حزب الله، وأنهم حققوا انتصاراً في مواجهة الحزب وحليفه التيار الوطني الحرّ. لم يبق هؤلاء أي احتمال في حساباتهم لكيفية تمرير التمديد، في ضوء اتصالات كثيرة حصلت ومن بينها إتصال قبل الجلسة التشريعية، وبعد تعذر جلسة مجلس الوزراء بسبب فقدان النصاب، دفع باتجاه تمرير التمديد من قبل المجلس النيابي ورئيسه تحديداً. والإتصال حصل مع رئيس المجلس نبيه بري، وكما هو معروف في لبنان فلكل شيء ثمنه. كما كان ثمن التمديد بالنسبة إلى قوى المعارضة وخصوصاً القوات والكتائب هو إقرار تشريعات بعد مقاطعتهم للجلسات التشريعية، فلا بد من التفكير بما سيكون المقابل لصالح حركة أمل وح زب الله من جراء هذا التمديد، وما سيكون المقابل لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي كان عنصراً مسهلاً أيضاً.
الجميع رابح
وفق المعايير اللبنانية، فإنه يمكن للجميع أن يكون قد خرج رابحاً مما جرى حتى بعض المعارضين للتمديد. وعليه فإن الجميع يريد الإيحاء بأنه حقق مكسباً في ما جرى. الأكيد أن في لبنان لا أحد يمكنه تحقيق انتصار كاسح، لذا لا بد لكل طرف من السعي إلى اختيار الجزء الذي يناسبه من “الإنتصار”. وبالتالي يمكن اعتبار كل ما جرى أنه ضمن الضوابط الممسوكة.
ولكن في التسليم جدلاً بخسارة جبران باسيل لهذه المعركة، الاّ ذهب إلى المراكمة عليها، من خلال اللعب على مجموعة عوامل، أولها العودة إلى خوض المعركة من بوابة ملف اللاجئين السوريين، ووصف التمديد لجوزيف عون بأنه تمديد لبقاء اللاجئين وفتح الحدود لهم للدخول إلى لبنان وقطع طرقهم إلى أوروبا.
كما أن باسيل يتهم قائد الجيش باعتباره مرشح القوى الخارجية في سبيل تطبيق القرار 1701. ثانياً، سيسعى باسيل إلى تصوير المعركة التي خاضها وكأنها محاولة لإنتاج حلف رباعي جديد بتقاطع المصالح وتمرير الجلسة التشريعية في مواجهته، وهذا ما يريد أن يراكم عليه شعبياً. أما ثالثاً، فهو سيعلن أنه التزم بموقفه وبعدم مخالفته للدستور وللقوانين في مسألة التمديد.
مايسترو السياسة
على ضفة نبيه بري، فقد ظهر مجدداً كمايسترو في إدارة الحياة السياسية والتشريعية. أحضر الجميع إلى بيت طاعته التشريعي، ودفع المقاطعين إلى المشاركة. كما أنه نسق عملية التمديد داخلياً وخارجياً ووازن بين مواقف صامتة وأخرى معترضة. وهو حتماً لا يفصل بين هذا الإستحقاق وغيره من الإستحقاقات المتصلة بالتفاوض القائم حول الوضع في الجنوب أو حول رئاسة الجمهورية، خصوصاً أنه تقاطع في التسهيل مع حليفه ومرشحه للرئاسة سليمان فرنجية. أما ح زب الله، فلم يكن للتمديد أن يمر بدون موافقته، وقد باع بيعة بلا خسائر مكلفة، فيما لا بد من البحث والسؤال عن الثمن وهو ما سيظهر لاحقاً.
الثمن الغالي
بالشكل المباشر، فإن قائد الجيش جوزاف عون يمكنه أن يعلن الانتصار بأنه كسر إرادة باسيل، وتجاوز كل القلاقل حول عدم التمديد له، ويمكنه أن يضعه في خانة تمديد ترشيحه للرئاسة. لكن الثمن كان غالياً، خصوصاً أن الرجل خضع لما كان يرفضه على الآخرين في المؤسسة العسكرية، فهو لطالما اشتبك مع القوى السياسية حول التعيينات العسكرية، ورفض التدخل، كما اشتبك مع وزير الدفاع ولا يزال. وكان من أبرز رافضي مسألة التمديد أو تأجيل التسريح لأي من الضباط وخصوصاً رئيس الأركان السابق امين العرم. فوجد نفسه يخوض معركة التمديد لنفسه. وهي النقطة التي ارتكز عليها السياسيون لاستنزافه. سياسياً، كان الرجل يبني لنفسه موقفاً “فوق الساسة” ويتحدث في لقاءاته ومجالسه بفوقية عنهم، ويعلن عن صلابة موقفه وقدرته على تحقيق ما يريد رغماً عنهم. آلت الفرصة إليهم للرد عليه، فساهموا في إضعافه على طريق التمديد، سعياً وراء تهشيم صورة “الأبهة” التي كانت تحيط به.
دخول النادي السياسي
بذلك، دخل جوزاف عون الى النادي السياسي، حيث لم يعد بإمكانه “التشاطر” على الآخرين، أو التفوق عليهم ومواجهتهم. إدخاله إلى هذا النادي كان يقتضي إضعافه في طريقة إدارة الملف، وإظهاره بأنه يحتاج إلى هذا التمديد ويطلبه. وبالتالي أصبح مضطراً للتسويات والمناورات والمقايضات. وهذه ستصبح سمة سارية في أي استحقاق مقبل سواءً في قيادة الجيش أو في “الإنتخابات الرئاسية”. وبالتالي تقصد بعضهم إظهار قائد الجيش في موقع الضعف بعد “مهابته” من كل القوى السياسية منذ ثورة 17 تشرين.
المفارقة الأبرز هي أنه في الوقت الذي خرج البعض ليدعي الإنتصار للجيش وللبنان وحمايته انطلاقاً من هذا التمديد، جاءه تقرير شبكة سي أن أن نقلاً عن الإدارة الأميركية وانتقاداتها لتل أبيب حول الإعتداءات على الجيش اللبناني، بالإشارة إلى تنفيذ 34 اعتداء عليه في الجنوب، بدون ردّ من قبله، وكأن هناك تقصداً وإمعاناً في إظهار صورة الاستضعاف.
منير الربيع – المدن
مصدر الخبر
للمزيد Facebook