آخر الأخبارأخبار دولية

“شريان الحياة” لأهل غزة… معبر رفح الذي تتجاذب إسرائيل ومصر وحماس مفاتيحه

ينظر سكان غزة إلى معبر رفح المتاخم للحدود المصرية على أنه أحد أبرز شرايين الحياة بالنسبة لهم، فهو الوحيد الذي يتيح لهم العبور إلى دولة أخرى غير إسرائيل. تم إغلاقه وفتحه عدة مرات عبر سنوات الصراع، ما دفع الفلسطينيون إلى بناء عدد من الأنفاق غير الشرعية لتسهيل مرور السلع وحركة المواطنين. وفي خضم الحرب بين إسرائيل وحماس، يلعب معبر رفح دورا مهما في إجلاء المصابين لتلقي العلاج ودخول المساعدات الإنسانية والطبية إلى غزة. ومنذ سيطرة حماس على القطاع في 2007، شددت مصر القيود على تدفق الأشخاص والبضائع.

ما هو معبر رفح؟ 

يسمح معبر رفح للفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة -وهو منطقة مزقتها الحرب منذ سنين- بالتواصل مع العالم الخارجي واقتناء المستلزمات الضرورية للعيش. 

يقع المعبر بين قطاع غزة ومصر ويمتد على مسافة تقدر بـ 12 كيلومترا. وهو أحد المعبرين اللذين يسمحان لسكان غزة بالتواصل مع العالم الخارجي. يقع جنوبي القطاع في حين يتمركز معبر آخر يدعى إريز في شمال القطاع على الحدود الإسرائيلية. ومعبر رفح هو الوحيد الذي لا تديره إسرائيل. رغم ذلك، فهي تراقب جميع الأنشطة والتحركات التي يقوم بها الفلسطينيون في جنوب غزة وذلك عبر القاعدة العسكرية “كريم شالوم” إضافة إلى أماكن مراقبة أخرى. 

ويقول لرونزو نافون، مدرس علم الاجتماع ومتخصص في القضايا المتعلقة بالحدود والنزاعات بجامعة ستراسبورغ بفرنسا “نظريا، السلطات الفلسطينية والمصرية هي التي من المفروض أن تدير معبر رفح. لكن إسرائيل لديها كلمتها فيما يتعلق بمسألة العبور من منطقة إلى أخرى”.

معبر رفح، المنفذ البري الوحيد لقطاع غزة مع العالم الخارجي، 27 آب/ أغسطس 2023. © أ ف ب

وأضاف “هذا المعبر ليس مثل باقي المعابر الأخرى المتواجدة في العالم. فهو يتميز بنوع من الانتقائية. إذ يمكن أن يفتح أو يغلق في أية لحظة. معبر رفح لا يشبه مثلا المعابر الحدودية المتواجدة في فضاء شنغن. فهي خفية، لا تراها ويمكنك عبورها بسيارتك في أي وقت ليلا أو نهارا. عكس معبر رفح”.

بقي معبر رفح مفتوحا العام الماضي خلال 245 يوما وفق الأمم المتحدة و138 يوما في 2023. ويعد نقطة استراتيجية بالنسبة للفلسطينيين لعبور الأسخاص ومرور السلع والبضائع والمساعدات الإنسانية. لكن بسبب الحصار المفروض على غزة منذ 2007، يتم فتح المعبر بشكل متقطع. 

ما أهمية معبر رفح؟ 

تعتمد غالبية سكان غزة على معبر رفح من أجل العيش. لكن منذ فرض إسرائيل الحصار البري والجوي والبحري على القطاع في 2007، تقلصت تحركات الفلسطينيين بشكل كبير وتدهورت ظروف معيشتهم. 

في أوقات السلم، يعج معبر رفح بالأشخاص الذين يتنقلون بين غزة ومصر محملين بالسلع من كل الأنواع. يشتري أهل غزة الوقود والأدوية ومواد البناء ومواد أخرى وكل المستلزمات الأساسية. أما بالنسبة للعائلات التي فرقتها الحدود، فيعتبر معبر رفح المنفذ الوحيد لها، يشرح لرونزو نافون. 

اقرأ أيضاكيف تتحكم إسرائيل بدخول الـمساعدات عبر معبر رفح؟

الدخول والخروج من غزة ليس بالأمر السهل. كل شخص يحتاج إلى تصريح من قبل السلطات المصرية أو الإسرائيلية. أما الذين يريدون مغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح، فعليهم تسجيل أنفسهم لدى سلطات حماس قبل أسابيع من السفر. أما الذين يستطيعون دفع تكاليف التصريح، فبإمكانهم أن يطلبونه من السلطات المصرية.

ووفق مكتب الأمم المتحدة المكلف بتنسيق الشؤون الإنسانية، هذه الإجراءات تفتقد إلى الشفافية. “فغالبا ما ينتظر المسافرون أياما عدة أو شهرا كاملا أو شهرين قبل العبور من غزة نحو مصر أو بالعكس. الأمر الذي يسبب إرهاقا شديدا للناس”، يقول لرونزو نافون. 

كيف تغيرت الحدود مع مرور السنين؟ 

أطلق لرونزو نافون، المتخصص في مسائل الحدود والنزاعات اسم “الحدود المتنقلة” على معبر رفح نتيجة للعديد من النزاعات المسلحة التي أثرت على المنطقة. من بينها الحرب العربية الإسرائيلية التي وقعت في 1948 وحرب الأيام الستة في 1967 وحرب الاستنزاف في 1970 وحرب أكتوبر “يوم كيبور” في 1973. 

نساء فلسطينيات يسرن مع أطفالهن وبعض ممتلكاتهن أثناء فرارهن من منطقة في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على رفح في جنوب قطاع غزة في 13 أكتوبر 2023

نساء فلسطينيات يسرن مع أطفالهن وبعض ممتلكاتهن أثناء فرارهن من منطقة في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على رفح في جنوب قطاع غزة في 13 أكتوبر 2023 © أ ف ب

بعد حرب 1967، احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة وتوسعت وكادت أن تصل حدودها إلى غاية قناة السويس” يقول لرونزو نافون، الذي أضاف أن “الجيش الإسرائيلي انسحب من شبه جزيرة سيناء في 1982 بعد ثلاث سنوات على التوقيع على معاهدة سلام مع مصر”. 

لكن قبل هذا التاريخ، “كان قطاع غزة تحت السلطة المصرية والحدود بين مصر وغزة مفتوحة نوعا ما” حسب نافون، الذي أكد أن “الحديث عن الحدود بدأ بشكل جدي بعد اتفاقيات أوسلو في 1993”. 

وفي 2005، شرعت إسرائيل في الانسحاب من غزة. في 2006، فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية وبسطت سيطرتها بالكامل على غزة في 2007. 

يفسر لرونزو نافون، “منذ ذلك الوقت، أصبحت غزة معزولة عن العالم وقامت كل من تل أبيب والقاهرة بفرض قيود صارمة على الحدود مع غزة بسبب عدم وجود سلطة أمنية حقيقية من الجانب الفلسطيني، عدا حركة حماس”.

ونتيجة لهذه القيود والحصار، تم بناء العديد من الأنفاق بين غزة ومصر بشكل سري. ما سمح للفلسطينيين وللسلع بعبور الحدود بشكل غير قانوني علما أن تاريخ اكتشاف إسرائيل للأنفاق السرية يعود إلى ما قبل 1983.

اقرأ أيضاغزة: بانتظار فتح المعبر

وفي 2011 عندما ظهرت حركات جهادية في صحراء سيناء، قامت السلطات المصرية بفرض رقابة صارمة على كل الذين يريدون السفر باتجاه المدن والبلدات القريبة من معبر رفح. أكثر من ذلك، شددت الإغلاق على كل شمال منطقة سيناء بعد مظاهرات الربيع العربي التي اندلعت في نفس السنة بمصر وتم إغلاق كل المنطقة الحدودية.

مدينة رفح بحد ذاتها سواء كان من الجانب المصري أو الفلسطيني معروفة عبر التاريخ بكونها مركزا لتهريب السلع بفضل الأنفاق التي بنيت فيها.


مواطن فلسطيني يسلك نفقا غير شرعي يستخدم لتهريب السلع عبر معبر رفح. 11 سبتمبر/أيلول 2013


مواطن فلسطيني يسلك نفقا غير شرعي يستخدم لتهريب السلع عبر معبر رفح. 11 سبتمبر/أيلول 2013
© أ ف ب محمود حمس

في 2015، غمرت السلطات المصرية عمدا المنطقة الحدودية بالمياه. كان هدفها تدمير جميع الأنفاق السرية التي تستخدم لتمرير السلع والأشخاص. وفي السنوات العشر الماضية، كان عدد الأيام الذي فتح فيها معبر رفح أقل بكثير من الأيام التي بقي مغلقا فيها.

ماذا وقع لمعبر رفح منذ هجوم 7 أكتوبر؟ 

قبل هجوم  حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والذي أجج الوضع الأمني في المنطقة، كانت كل أنواع المساعدات والسلع تدخل إلى غزة عبر معبر “كرم شالوم” الذي تديره إسرائيل. لكن منذ اندلاع الحرب، شددت تل أبيب قيودها وجعلت من معبر رفح الممر الوحيد للمساعدات الإنسانية. 

من جهتها، أعلنت مصر في الأيام الأولى من بداية الحرب أن الحدود بقيت مفتوحة لكن لا يمكن استخدامها بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل. فعلى سبيل المثال في 10 أكتوبر/ تشرين الأول، قصف الجيش الإسرائيلي معبر رفح ثلاث مرات خلال يوم واحد.

20 شاحنة مساعدات إنسانية وصلت من مصر إلى غزة عبر معبر رفح الإثنين 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

20 شاحنة مساعدات إنسانية وصلت من مصر إلى غزة عبر معبر رفح الإثنين 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. © أ ف ب

القصف أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من المعبر. ما جعل من الصعب جدا إيصال المساعدات الإنسانية عبر الشاحنات التي لم تجد طريقا لها للوصول إلى غزة. فتوقفت عند الحدود المصرية. لكن في نهاية المطاف تمكنت من العبور إلى غزة في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. 

قبل الحرب، أشارت تقديرات للأمم المتحدة أن نحو 500 شاحنة كانت تدخل يوميا من معبر رفح إلى غزة. لكن منذ 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تعبر سوى حوالي 400 شاحنة إغاثة إلى القطاع وفق مسؤول الطوارئ الصحية في المنظمة العالمية للصحة ميخائيل ريان الذي وصف كمية هذه المساعدات “بقطرة ماء في المحيط”. فيما يعد الوقود ومحطات المياه من بين المواد المطلوبة بشدة لدى أهل غزة.

21, 2023. شاحنات مملوءة بالمساعدات الانسانية والطبية تصل إلى جنوب غزة من مصر بعدما عبر معبر رفح. 21 أكتوبر 2023

21, 2023. شاحنات مملوءة بالمساعدات الانسانية والطبية تصل إلى جنوب غزة من مصر بعدما عبر معبر رفح. 21 أكتوبر 2023 © أ ف ب ، بلال الصباغ

هذا، وبفضل وساطة قطرية واتفاق ثلاثي بين إسرائيل ومصر وحماس تحت رعاية أمريكية، تم السماح باستخدام معبر رفح لعمليات إجلاء محدودة من غزة.

وغادر نحو 600 شخص ممن يحملون جوازات سفر أجنبية وبعض موظفي منظمات إنسانية قطاع غزة عبر معبر رفح منذ مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. فيما يتوقع أن يغادر عدد أكبر من الأشخاص في الأيام القليلة المقبلة.

من جهتها سمحت مصر بإجلاء حوالي 100 مصاب بجروح خطيرة من غزة برفقة عائلاتهم عبر معبر رفح لتلقى العلاج. 

ولا يزال “الغموض يلف مصير فلسطيني غزة، لا سيما بعدما قالت إسرائيل بأنها ترغب في إرسالهم إلى صحراء سيناء للعيش هناك. ما جعل منظمات الإغاثة وسياسيون يدقون ناقوس الخطر”، حسب عالم الاجتماع نافون. 

ووفق تقديرات الأمم المتحدة، 1.7 مليون غزاوي هم لاجئون. فهل ينتظرهم لجوء ثان في مصر؟ 

النص الفرنسي: لارا بولنس/ النص العربي: طاهر هاني


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى