آخر الأخبارأخبار محلية

ما علاقة الحرب على غزة بالممر الهندي؟

في التاسع من أيلول الماضي، أُعلن من مدينة نيودلهي الهنديّة عن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والخليج وأوروبا، على هامش قمّة مجموعة العشرين. الممر المقترح يفترض أن يمتدّ من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يعبر المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل، قبل أن يصل إلى أوروبا. في حينه وصف الرئيس الأميركي جو بايدن الإتفاق بـ “التاريخي”. العبارة نفسها ردّدها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، وأمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، حمل الأخير خريطة رُسم عليها الممر الموعود، وراح يتحدث عن “شرق أوسط جديد”. المشروع بدا منافسًا ل”الحزام والطريق” الذي أطلقته الصين قبل سنوات. فيما انقسمت الآراء حيال تأثيره على قناة السويس المصرية التي تستحوذ على 12% من حركة التجارة العالميّة، بحيث اعتبر البعض أنّه سيسحب من مصر دورها في تسييل غاز شرق المتوسّط الإسرائيلي والمصري في محطاتها، قبل شحنه بالبواخر إلى أوروبا، وفي المقابل رأى البعض الآخر أنّ نقل الطاقة عبر مِثل تلك الممرات لا ينافس قناة السويس بأيّ شكل، على اعتبار أنّ أقصى ما يمكن نقله عبر البر لا يشكل 1% مما يمكن نقله عبر السفن العملاقة التي تمر بالقناة، فضلًا عن انخفاض تكلفة الشحن عبر السفن والقدرة على نقل كميات كبيرة من البضائع بها، هذا ما يجعل استخدام مسارات برية وسكك حديدية أقل شيوعًا. الممر المعروف اختصارًا باسم “آيمك” IMEC لم يرق لتركيا، التي تسعى إلى تجميع غاز شرق المتوسّط، ومن ثم ضخّه إلى أوروبا. أمّا إيران فبدت خارج خارطة المشروع، كونه لا يمر بمسارح نفوذها في المنطقة.

في السابع من تشرين الأول، أي بعد حوالى شهر على توقيع اتفاقية ممر الهند-الشرق الأوسط –أوروبا، قلبت المقاومة الفلسطينية المعادلة العسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي عملية نوعيّة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي الفلسطيني، انتقلت من موقع الدفاع إلى الهجوم، فأصابت شظايا طوفانها أقصى بقعة في الممر الهندي، سواء قصدت ذلك أم لا، لاسيّما وأنّه سيمتدّ عبر ممر ضيق بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ولن يبعد سوى 25 كم عن قطاع غزة.
فهل من رابط بين حرب اسرائيل على غزة والممر الهندي؟ وهل يمكن وضع الموقف الهندي المنحاز لإسرائيل في خانة سياسة الممرات والأنابيب في المنطقة؟
عميد كلية إدارة الاعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا والخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري لفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ الهند جزء من عدّة مشاريع في المنطقة، منها مشروع سابق هو I2U2 الذي يضمّها إلى إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة. لكن ربط عملية طوفان الأقصى بالممر الهندي لجهة افتراض رسالة للتخريب على مساره، أو فرضه بالقوة من خلال حرب اسرائيل على غزة، مبالغ فيه “بدليل أنّ اسرائيل لم تختر التوقيت، وكل ما يحكى عن دور إيراني كجزء من التخطيط لعملية طوفان الأقصى يفتقد إلى أيّ إثبات، وهو ما ردّده الأميركي، الذي كرّر أكثر من مرّة عدم وجود دليل على ضلوع إيران في العملية، كما أنّ الإسرائيلي بدوره عاجز عن إثبات ذلك. من ناحية ثانية لا يجب إغفال حقيقة أنّ المشكلة مزمنة، عمرها أكثر من سبعة عقود من الإحتلال والإستيطان، رفضت إسرائيل خلالها كلّ فرص السلام، وذهبت إلى حد قتل رئيس الوزراء في حينه اسحاق رابين كي لا تتجرّع كأس السلام. كل هذه التراكمات انفجرت بطريقة دراماتيكيّة في السابع من تشرين، ليس بسبب ذاك الممر، بل نتيجة جليّة لتراكمات وممارسات الإحتلال على مدى 75 عامًا. علاوة على ذلك لا يمكن تجاهل خصوصيّة حركة حماس فكريًّا وعقائديًّا وسياسيًّا، وارتباطها القوي بدول أخرى مثل قطر وتركيا، وكلّه يقود إلى تأكيد  تمايز حماس في علاقتها بالمحور الإيراني كعلاقة تحالفيّة قويّة، أكثر مما هي علاقة فريق واحد”.
موقف الهند منحاز ولكن
الهند التي اصطفّت تاريخيًّا إلى جانب القضيّة الفلسطينيّة ودعمت حلّ الدولتين، أطلّت بموقف مناقض غداة السابع من تشرين، حيث سارع رئيس وزرائها ناريندرا مودي إلى إعلان تضامنه مع اسرائيل، وكتب في تغريدة “إنّني مصدوم من أخبار الهجمات الإرهابية في إسرائيل. نحن متضامنون مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة” ثم راحت الأجهزة الأمنية الهنديّة تقمع احتجاجات المناهضين للمجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في القطاع. تصريح مودي مرتبط  بموقف الحكومة الهندية من هجوم حماس، وفق الخوري، ولا يلغي دعم الهند الثابت لحلّ عادل للقضيّة الفلسطينيّة على أساس حقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم.

طوفان الأقصى أثبت حاجة الجميع للتسوية
الممر الهندي وغيره من المشاريع الإقتصادية، واكتشافات الغاز والنفط في المنطقة وسياسة الأنابيب، من شأنها أن تخلق صراعًا وتنافسًا بين الدول التي تسعى لتأمين مصالحها. في هذا الشق تحديدًا يرى الخوري إمكان أن تؤدي الحرب التي اشتعلت في غزة إلى فرصة لتحقيق السلام، لتأمين طريق الهند، وغيره من المشاريع الإستثمارية في المنطقة التي تحتاج لاستقرار مستدام ” لاسيّما وأنّ الدخول إلى غزة من شأنه أن يفجّر العالم الإسلامي، وهذه المقاربة يعيها الأميركي جيدًا، من هنا أرى خلف الإستعراض الأميركي الظاهر، موقفًا مغايرًا لا يصب في مسار توسيع الحرب أو اجتياح قطاع غزة”. وفق مقاربة الخوري لا مصلحة للولايات المتحدة الأميركية بإبقاء المنطقة برميل باردو قابل للإشتعال في أي لحظة “صحيح أنّها تسعى لحماية اسرائيل بطبيعة الحال، ولكن سلوكها بعد عملية “طوفان الأقصى” لا يتجاوز معادلة استعراض قوتها، ولكنّها فعليًّا لا تريد تفجيرًا في منطقة هي قبلة لاستثمارات واعدة ورخيصة، والعالم برمته يراهن على فرص الإستثمار في هذه البقعة الجغرافيّة. لكن الإستثمار المستدام لا يمكن أن يتحقق من دون حلٍّ عادل للقضية الفلسطينية، وهي حقيقة أثبتتها التجارب. من هنا أعتقد أنّ غزة ستكون شهيدة من أجل السلام، ودماء أهلها لن تذهب هدرًا بل ستؤسّس لمعادلة مغايرة، وصولًا إلى تسوية، باتت ضرورية ليست بالنسبة للفلسطينيين فحسب، بل بالنسبة للمجتمع الدولي ككل، من منطلق مصلحته في استقرار المنطقة، كقاعدة لا بدّ منها للإستثمار”.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى