لقاءات ميقاتي العربية تعيد عقارب الساعة إلى فاعلية الديبلوماسية اللبنانية
وعلى رغم ما في قصة لافونتين من واقعية مجحفة فإن كل الحروب في العالم انتهت إلى تسويات أو اتفاقات أو بروتوكولات. وهذا ما سيحصل في غزة على رغم ما دفعته من ضريبة باهظة من دماء أطفالها ونسائها وشيوخها، وما حلّ فيها من دمار وتشريد جماعي. ففي النهاية لا بدّ من أن يصمت المدفع، وأن تحلّ مكانه لغة العقل والمنطق السليم، وليس منطق لافونتين.
فما قاله الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطاب 3 تشرين الثاني رفع منسوب إعطاء فرصة حقيقية لأي تسوية ممكنة لوقف العدوان على غزة. وهذا ما شجّع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على استكمال جولته العربية طارحًا مبادرته الهادفة إلى وقف إطلاق النار في القطاع الغزاوي، والعمل على منع وصول شرارة الحرب إلى لبنان وتدرجها من معارك “قواعد الاشتباك” إلى حرب شاملة ومدّمرة.
فبعد زيارته لدولة قطر ولقائه أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني التقى الرئيس ميقاتي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعدما توجه إلى مصر من الأردن، حيث التقى وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن. وهذه الحركة الديبلوماسية لرئيس حكومة لبنان أعادت إلى الدور اللبناني بعضًا من أهميته، وإلى الديبلوماسية اللبنانية الكثير مما فقدته خلال السنوات الأخيرة من قوة حضور وفاعلية، وذلك نتيجة عدم الوضوح في الرؤية وفي السياسة الخارجية اللبنانية.
فالرئيس ميقاتي، الذي يكرّس كل وقته حاليًا، في زياراته الخارجية، وفي اتصالاته بجميع الأطراف المعنيين بالحرب الدائرة في غزة، لا يسعى سوى إلى ما يمكن أن يُستنتج من خلاصات من شأنها أن تطمئن اللبنانيين إلى أن شبح الحرب قد أصبح وراءهم، وإن كان الحذر في التعامل مع الوقائع الميدانية واجب، خصوصًا أن ما يمكن أن تؤول إليه من مفاجآت اللحظات الأخيرة يقتضي التصرّف معها على أساس التعامل مع كل حدث على حدة، وذلك في انتظار ما ستفضي إليه “الديبلوماسية الناعمة” من نتائج متوقعة، وهي ستكون في أسوأ الأحوال أفضل بمئة مرّة من انتقال الحرب الشاملة إلى كل بقعة من جغرافية لبنان.
ولا ينسى الرئيس ميقاتي في خلال لقاءاته واتصالاته بأن يذكّر بان لبنان متروك من دون رئيس منذ سنة، وما لتغييب لدور رئيس الجمهورية من سلبيات تلاحق اللبنانيين عبر تفريغ المؤسسات وتهميش أدوارها التشريعية والتنفيذية والقضائية والإدارية.
فالذين يؤيدون رئيس الحكومة أو لا يؤيدونه يجمعون على السواء بأن ما يقوم به الرجل على المستويين الداخلي والخارجي هو أقصى ما يمكن أن يُعمل في هذه الظروف الحرجة، خصوصًا أن لبنان غير مدرج على سلم أولويات الاهتمامات الدولية الصديقة والشقيقة. وهذا ما يجعل من مهمة الاقناع صعبة بعض الشيء، من دون أن يعني ذلك تثبيطًا للهمم، بل يشكّل عامل دفع إضافيًا لإكمال ما تمّ إنجازه حتى الآن.
وما يجدر ذكره أن مجمل هذه الاتصالات والمساعي واللقاءات تخلص إلى قاسم مشترك واحد بين جميع الذين يهتمون بالوضع اللبناني، وهو أن استقرار لبنان هو ضرورة وأساس للاستقرار في المنطقة. وهذا ما سمعناه يتردّد كثيرًا عندما وقّع لبنان على اتفاق ترسيم الحدود البحرية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook