حياد لبنان.. ورقة عمل لكشر والصّائغ عن ملتقى التأثير المدني
في المحور الأول كتب الدكتور كشر: “إعتبرت الشهابية أن صيانة سيادة لبنان تتطلب سياسة أخوية مع المحيط العربي مؤسسة على التعاون المخلص، وعلى الدعم لكل سياسة عربية مشتركة. ولكن إذا انقسمت البلدان العربية على السياسة العربية-العربية، أو الدولية، على لبنان أن يتخذ موقف الحياد تجاهها. كما أن الشهابية تعتبر أن التعاون الوثيق بين لبنان والبلدان العربية، لا يلغي أبدا انفتاح لبنان على الغرب والعالم، وهو انفتاح يمارس منذ فترة طويلة وينظر إليه المسيحيون على أنه نوع من الحماية والأمان. نستخلص إذاً، بأنه في موضوع وعلاقاته الإقليمية والدولية، إعتقد فؤاد شهاب بضرورة أن تحمي سياسة لبنان الخارجية وحدته الوطنية والعكس، وبالنسبة إليه كانت الوحدة الوطنية الداخلية عنصرا هاما جدا فيما يتعلق بسياسة الدولة العامة، فهو رأى واستنتج عبر التاريخ وخصوصا جراء أحداث 1958 بأن أسباب تلك الثورة هي انعدام الوحدة الوطنية والأهم من ذلك انعدام الولاء.”
وأضاف كشر:” في دور لبنان العربي وسياسته الخارجية، ربط الرئيس شهاب استقلالية لبنان بحياديته عن افتراق الدول العربية، كما ربط صيانة سيادة لبنان بسياسة أخوية مع المحيط العربي، عمل أن يكون لبنان صلة الوصل بين الشرق والغرب. ورغم ذلك، اتبع معادلة واضحة جدا تقول بوقف العهد الشهابي إلى جانب الدول عند اتفاقها، وعدم التدخل هو القرار عند اختلافها. كما أنه كان يعتبر بأن استقلالية لبنان تتطلب سياسة تضامنية مع البلدان العربية عندما تتفق على موقف عربي مشترك، وسياسة حياد بين هذه البلدان عندما يفترقون فيما بينهم، أو في علاقاتهم مع البلدان الأجنبيّة. في الحياد الإيجابي، كانت القاعدة الكبرى الموجهة لسياسة لبنان الخارجية في ظل الشهابيّة هي قاعدة عدم الانحياز. وتجلى ذلك من خلال إدراك الرئيس شهاب لضرورة إجراء توازن سياسي، وإعادة العلاقات الوديّة مع جيران لبنان العرب، وفي الوقت نفسه الحفاظ على العلاقات التقليدية مع الغرب حيث القيم التي يحرص عليها لبنان.
أما في المحور الثاني فكتب الصائغ:” المدخل إلى مقاربة الحياد لا يستقيم إلّا من خلال فَهم تعقيدات الصيغة اللّبنانية التعدديّة. منذ نُشوء الكيان اللبناني كان لكل من المكونات الروحية حلفاء، أو داعمون. كان ثمة من توازن إقليمي – دولي يوازي التوازن الداخلي. كان هناك حتّ حمايات مفتَرَضة. أنشأت الإمبراطورية العثمانية نظام الملل، وأنتَجت الإمبراطوريّة الرّوسيّة المسألة الشرقيّة، وسعى الغَرب الأنغلو – ساكسونيّ لِقيام إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني التاريخيّة. في خضم كل هذه التناقضات أو ربما التقاطعات، كان لا بد من تأمين مناعة للكيانِ اللُّبناني في مواجهة التّمَوضع في محاور، والاصطفاف ضمن صراعات، ما قد يستدعي الاهتزازات الإقليمية – الدولية إلى الجمهورية الجنين عام 1943. إستَشعر الفلاسفة المؤثرون في قيام الكيان اللبناني ومنهم ميشال شيحا، وشارل مالك خطر إعداد نشوء إسرائيل في اغتِصابٍ لفلسطين. وتحسسوا أيضا أنّ تركيبة الصيغة اللبنانية التعدديّة، والمحتضِنة لطوائف يتطلع بعض الفاعلات والفاعلين فيها إلى بناء تحالفات مع قوى مؤثرة من وراء الحدود، تحسسوا أنها لا يمكن أن تستمر بِشَكْل سليمٍ دون إعلانِ حياد لبنان. لم يكن في فكرِهم استقالة لبنان من دعم قضايا الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وفي مقدمها قضية فلسطين، لكن حتما لم يكن في فكرهم أيضا قبُول بتحويل لبنان منصة عسكرية أمنية تستبيح سيادة الدولة باسمِ دعمِ هذه القضايا.
وختم الصائغ: “ميثاق 1943 لم يكن تلاقي سلبيتين، بل كان دعوة لتَنقية الالتِزام الوطني من شوائب الارتهان إلى الخارج، أي خارج. كان تدعيما لفرادة الهويّة اللبنانيّة في وجهها العربي، وامتدادها الأممي. واتفاق الطائف أكد على هذا الميثاق ربطا بخيار العيشِ الواحِد، مع ما يحمله هذا الخيار من تكريسٍ للدولة المدنية، أي تعميم المواطنة على أنّها تتفوق على كُلّ الهويّات الأخرى دون إلغائها، وتحديدًا تِلك الدّينيّة منها(…) وهذا يقتضي الذّهاب أبعد من رفعِ شعار الحياد الإيجابي، والدعوة إلى مؤتمر دولي لتكريسه في القانون الدولي من خلال مجلس الأمن.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook