حرب لبنان: هل تسبق حرب غزة؟
اذا كانت عملية «حماس» قد حقّقت هذه النتائج وكادت تقلب المقاييس والموازين العسكرية، فماذا كان سيحصل لو أنّ «حزب الله» نفّذ في التوقيت نفسه هجوماً مماثلاً واخترق الخط الأزرق ودخل المستوطنات الإسرائيلية وأوقع الخسائر بالجيش الإسرائيلي والمستوطنين وأسر العديد من الجنود؟ وهل كان مثل هذا الهجوم من الشمال يسمح بالبقاء في المناطق التي اقتحمها مع «حماس» والتوغل مسافات أكبر داخل الكيان الإسرائيلي؟ ثمّة من يعتبر أنّ مثل هذا الأمر، لو حصل، لكان أربك الجيش الإسرائيلي بشكل يفوق إرباكه نتيجة عملية غزة بعشرة أضعاف خصوصاً أنّ عامل المفاجأة كان حاسماً في مثل هذه العملية.
أفقدت عملية «حماس» عنصر المفاجأة الذي كان يمكن أن يتمتع به «حزب الله». خلال حرب تموز 2006، التي فاجأت «الحزب» أيضاً لأنّه لم يكن يتوقّع ردّة فعل بهذا الحجم، قاتل «الحزب» كمجموعات متحرّكة في التحام على الجبهات مباشرة مع الجيش الإسرائيلي الذي كان يحاول التقدم على أكثر من محور، بالإضافة إلى عمليات القصف التي كان ينفّذها وتستهدف مواقع وأحياء في الضاحية الجنوبية وسائر المناطق اللبنانية، ومن بينها أهداف تابعة للجيش اللبناني. وفي المقابل كان «الحزب» يردّ أيضاً بإطلاق الصواريخ. وقد استمرّت العمليات على مدى 33 يوماً قبل صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الذي قضى بوقف العمليات العسكرية. منذ ذلك التاريخ التزم «الحزب» وإسرائيل بما سمياه قواعد الإشتباك المتماثلة. ما يحصل على جبهة الجنوب منذ 7 تشرين الأول الحالي يتخطّى هذه القواعد ولكنّه لا يصل إلى مستوى الحرب الشاملة. على مدى 21 يوما تكبّد «الحزب» خسائر فادحة في الأرواح تتخطى نسبياً ما تكبّده في حرب تموز. ثبات خطوط التماس والإشتباك حول «الحزب» إلى قتال المواقع التي تفوّقت فيها إسرائيل عليه. وهذا الوضع لا يمكن أن يخدمه ولا يمكن أن يستمرّ بالقبول به. ولذلك من الممكن أن لا يستمرّ الوضع كما هو. فمن سيكسر هذا «الروتين» العسكري؟
صحيح أنّ السيد نصرالله أعلن دائماً أنّه لا يحتاج إلى غطاء داخلي ولا إلى إجماع وطني، وأنّه وحده يتحكّم بقرار الحرب. وصحيح أنّ الكثيرين ينتظرون كما يقولون متى يحرّك إصبعه، ولكن في الواقع على الأرض يتصرّف «الحزب» وكأنّه لا يريد أن يوسّع دائرة القتال. وثمّة من يعتبر أنّ قرار دخوله الحرب لنجدة «حماس» لن يكون قبل الهجوم البرّي الإسرائيلي لتخفيف الضغط عنها. ولكن هناك من يعتبر أيضاً أنّ إسرائيل قد تؤجّل الهجوم البري على «حماس». فهي تعتبر أنّها تمكّنت من احتواء الوضع العسكري هناك، ووضعت «حماس» تحت المراقبة، وأمسكت بالمبادرة، ويمكنها أن تجمّد الوضع طالما أنّها تمتلك التفوّق العسكري والغطاء الدولي. ولذلك قد تبدّل في استراتيجية الحرب بحيث تنصرف إلى تصفية الحساب مع «حزب الله» أولاً لأنّه يبقى يشكّل الخطر الأكبر عليها. وبالتالي يمكن أن تنتقل إلى الجبهة الشمالية وتفتح هي الحرب قبل أن يبادر «الحزب» إلى هذه الخطوة ويعيق تحرّكها في غزّة.
على عكس التهديدات الواثقة التي كان يطلقها نصرالله، يبدو اليوم أنّه في تراجع عن تنفيذها. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التراجع ناتجاً عن خوف من نتائج مثل هذه الحرب وهذا التحشيد الإسرائيلي والدولي، أم من دراسة التوقيت المناسب لدخولها. ولكن في الحالتين هل تكسر إسرائيل المعادلة القائمة وتطيح بقواعد الإشتباك وتذهب إلى حرب واسعة وقاسية ضد الحزب؟ ثمة من يعتبر أنّ إسرائيل لن تتوانى عن مثل هذا الأمر في حال تمكّنت من توجيه ضربة أولى قاسية إلى «الحزب» تختار هي هدفها ومكانها وزمانها وتضمن نجاحها.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook