إعادة أموال المودعين وهيكلة المصارف ودين الدولة… بين المستحيل والممكن
جزم حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بأن “الدولة لن تستطيع إعادة أموال المودعين قبل إعادة هيكلة المصارف”، لافتاً إلى القيام “بتجميد الحالة المادية بانتظار إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية”. وشدّد منصوري أنّه “لن يتم طبع ليرة لتمويل الدولة، ولا استكتاب سندات خزينة. وتمويل الدولة بالدولار أمر غير وارد”، علما أن منصوري كان أشار في وقت سابق إلى أن اعادة اموال المودعين ليست مستحيلة وانه سيعمل على وضع الاطار القانوني لها في أسرع وقت، خصوصا وانه ولا يمكن إعادة الثقة بالقطاع المصرفي إذا لم تتم إعادة أموال المودعين.
وفق النائب هاغوب ترزيان الذي رد على منصوري في بيان أمس،فإن المصارف أودعت معظم أموال المودعين لدى مصرف لبنان الذي موّل فيها عجز موازنات الحكومات المتعاقبة وأنه من المستحيل إعادة هيكلة المصارف وإعادة الودائع قبل إعادة هيكلة دين الدولة العام ووضع خطة من الحكومة لسداده وخصوصا اليوروبوندز.
ما تقدم سيضع الدولة،بحسب مصدر مالي واقتصادي، أمام مشكلات كبرى مع الدائنين وحملة سندات اليوروبوندز في خضم ما يحصل، والتأخير الحاصل في تسديد السندات ربطا بالفوائد التي ستترتب على ذلك.
في المقابل أشارت وكالة التصنيف الدولية ستاندرد أند بورز (S&P Global Ratings) الشهر الفائت إلى أنّها ستقوم بتحسين تصنيف الدين بالعملة الأجنبيّة في حال نجحت خطّة الحكومة بإعادة هيكلة الدين. ولفتت الوكالة أيضاً بأنها ستقوم بتحسين تصنيف لبنان في حال تضاءلت إمكانيّة تعثّره عن سداد ديونه، وبأنّها ستخفّض هذا التصنيف في حال قامت الحكومة بالإعلان عن نيّتها بإعادة هيكلة الدين العام بالعملة المحليّة أو في حال لم تتمكّن الحكومة من دفع مستحقّاتها من أصل الدين أو خدمة الدين في وقتها المحدّد.
ووفقاً لوكالة التصنيف، فإنّ السلطات اللبنانيّة لم تتّفق على كيفيّة توزيع الخسائر المترتّبة على القطاع المصرفي والناتجة عن إعادة هيكلة الدين العام وتدهور سعر صرف الليرة في مقابل الدولار الأميركي، ما أعاق التعافي الإقتصادي.
وسط ما تقدم، يرد مصدر مالي قرار حاكم مصرف لبنان بعدم تمويل الدولة سواء عبر طبع الليرة أو بالدولار إلى مساعي الأخير لمنع التضخم ورفضه التصرف بأموال المودعين، فهو يريد أن يحظى بثقة الداخل لا سيما المودعين ويحافظ في الوقت نفسه على الثقة التي منحته إياها الدول العربية والخليجية، فضلا عن المجتمع الدولي، وهذا يستدعي منه التشبث بمواقفه وعدم التراجع عن القرارات التي اتخدها و انتهجها بعدم تمويل الدولة لأنها شبه مفلسة وهي غير قادرة على رد الأموال.
إن هيكلة المصارف ضرورية وإلا لن يتمكن أي حاكم مركزي أو مصرف من إعادة الودائع لأصحابها. والمصارف اليوم ، بحسب المصدر نفسه، تسعى لأن تستعيد دورها كهيئة وسطية بين المقترضين من جهة والقادرين على التمويل من جهة أخرى، ومن هنا لا بد من التأكيد أن قطاعات الدولة مرتبطة ببعضها البعض وبالقطاع المصرفي أيضا، وهنا تكمن المشكلة التي تتطلب معالجة جذرية تعيد الثقة بالقطاع المصرفي الذي لا غنى عنه.
لا شك أن هناك أموالا للمصارف داخل مصرف لبنان، علما أن الحاكم السابق رياض سلامة أشار إلى أن المصارف حصلت على أموالها، ومع ذلك فإن المصارف لها ما يفوق ال 47 مليار، وهذه الأموال تشكل رأس المشكلة وهي الفجوة المالية التي تتراوح ما بين 70 إلى 80 مليار. ولذلك يمكن القول إن الحل يبدأ بتقسيم هذه الفجوة بين القطاع المصرفي، ومصرف لبنان والدولة، من أجل الوصول إلى الحلول التي يصفها المصدر المالي بالإبداعية، سائلا: هل ستكون إعادة أموال المودعين على دفعات؟ وما هو عدد السنوات التي ستقسم عليها؟ وهل سيكون هناك اكتتابات أسهم داخل هذه المصارف.
حتى الساعة لم يتظهر أي حل، يقول المصدر نفسه، والصراع لا يزال قائما حول هذه الفجوة التي إذا استمرت ستقطع الطريق على أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي ومع الصناديق المانحة، علما أن لا مصلحة للبنك المركزي بسقوط القطاع المصرفي ولا مصلحة للدولة في الهروب من مسؤولياتها.
ان عودة الودائع ليست أمرا مستحيلا لكنه ليس سهلا، والخطوة الأولى لعودة الأموال تبقى في إعادة الهيكلة وإقرار المشاريع الإصلاحية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook