آخر الأخبارأخبار محلية

مؤتمر وطني لإنقاذ لبنان

بقلم معالي وزير الشباب والرياضة جورج كلاس:

يطرح إستهداف لبنان بالنزوح سؤالا محوريا، هل إنتحر المثقفون؟
النازحون السوريون بين الانسانية المشبوهة و العدالة الظالمة هم اشبه ببطاقة حمراء ترفع بوجه المجتمع الدولي تحذيرا من مستقبل أسود . المخاطر تتعاظم و المثقف اللبناني بين غائب أو مغيب . هل إنتحر المثقفون أو انهم يختبئون خوفا ؟

المواقف الدولية حول مخاطر النزوح السوري و انعكاساته على لبنان سياسيا و ديمغرافياً و اقتصاديا و اجتماعياً ، هو  بمضونه و اهدافه محاولة لتقويض للعلاقة التاريخية و المجتمعية بين لبنان بسوريا ، و افتعال مشاكل تجاه النازحين الحقيقيين ، ما يطرح إشكالية توصيف القضية و توقيتها و زمنية إستغلالها و سياسة توظيفها في أدق ظرف مجتمعي و سيادي يعانيه لبنان منذ الاستقلال . والريبة المكنونة في صدور  مخططي  قرار النزح و  الدمج  ، التي ترافق نيات بعض الدول تجاه بلد العيش المشترك و  لبنان- الرسالة  و وطن الحضارات ، تتعاظم مخاطرها و تتكشف دوافعها بدقة موصوفة تستهدف وطننا بكيانيته الدستورية و رسالته الإنسانية و وجوده الحضاري ، و كأن المطلوب قتل هذا النموذج و  النظر اليه من حيث انه جرم حضاري و خطيئة  مجتمعية ، ما يعني  التهيئة لصدور قرار الاجهاز على الصيغة التوحيدية الفريدة خدمة للصيغة  التفتيتية البغيضة و إزالة النموذج اللبناني  أو إضعاف فعالية تسويق مسيرته التجريبية و  إسقاط مساره الإختباري كحالة توفيقية بين اتباع الأديان .
 
المواقف التي تستثمر وجع النازحين طوعاً و المنزَّحين  قسراً  هي كمن يدّعي نشر الانسانية في  الأدغال ، و يجاهر بالعدالة في مجتمع اللَّاعدل ، اضافة الى انه اشبه بصيغة إنتداب جديد   يضع  لبنان و سوريا بين مثلث التهجير و التنزيح  و الدمج و التوطين و يتناول على كرامة النازحين و يسلط  الاتهام على الساكتين.
 
ان الغيرة الدولية المشبوهة على النازحين و إغداق الشفقة عليهم و تمييزهم عن اللبنانيين ، يولِّد عنصرية  افتراضية  سياسية و اجتماعية بين مجتمعين يتداخلان  بالجغرافية والتاريخ و الواقع ، و يفرض ان نشير بخوف كبير الى ما يهدد كرامة النازحين السوريين و يقوض حق اللبنانيين  بالتفكير بمستقبل وطنهم  و يؤسس لمشاكل عضوية بين اللبنانيين و السوريين تخدم أجندات المخططين و المشغلين و المنفذين و المستفيدين من حالة التهجير و التنزيح و الدمج و التوطين ، سعياً لاعادة رسم خرائط جديدة محددة بمشاكل وًمعضلات كثيرة تجعلنا ننشغل عن الضروري و نتلهى بحل مشاكل تهديمية تفوق قدرتنا على التفكير بمشاريع حلول لها و لا حتى ايجاد جواب عن السؤال حول مسؤولية الساكتين عن رفع الصوت ، او اقله الاعتراض عما يتعرض له الوطن من انتهاكات و إستهدافات في عصر البورصات الدولية و القرارات الابتزازية في  زَمَنِ المؤامرات المُعلَّبة التي يجاهر بعض االدول و المنظمات و التنظيمات الدولية برعاية تنفيذها تحت ذرائع متنوعة، بما يخدم استراتيجيات الخارج و مصالحه و يصيب من صيغة لبنان مقتلا . و أعجب العجب ان لا  تظهر ، لا في لبنان و لا في سوريا ولا في المجتمعات العربية اصوات منددة و رافضة فكريا و مدنيًا  لمخططات مثلث التهجير و التنزيح و التوطين، و كأننا أمسينا اعدادا على جداول المساعدات و الاعانات و الإغاثات و الإهانات بعد ان كنا  تعدادا مايزا ، ثقافيا و حضاريا و تراثيا و دورا تفاعليا وتفكيرا فاعلا.

لماذا يصمت المثقفون ؟
 من واجب كل ناقد و راصد  ان يفتقد دور المثقف اللبناني و السوري والعربي في رفض ما يُنسج لبلدينا من عمليات تفكيك ممنهجة ، و ان يرفع صوته  إعتراضا و يهز قلمه فضحا ، وإلا إتُهم بالخنوعية  و طأطأة الرأس خوفا أو  تشاركا بوليمة الصمت و خضوعا  لإستراتيجية السكوت الطوعي تسليما و تسهيلا .

مع مقارنة الحق بالعدالة مع اللَّاعدل ، من خلال القرار  الاوروبي الانتهازي في نتعرّف  أعمقَ الى نقاط الفصل و الوصل بين النظريات الطوباوية للعدالة المجتمعية المرتجاة ، وبين الواقع المأسوف و المألوف الذي نقاسيه ، بكل ما يحمله من خيبات و إحباطاتٍ و تهاويات ، هي في الحقيقة نتاج خطأنا بفهم ركائز  روافد الحضارة و التعامل معها بحسب الظرف ،حيث أننا نجحنا بالتنظير  و فشلنا بالتطبيق ، و كتبنا ولم نحقق ، وتظَاهرنا  ثم إختبأنا و صرخنا ولم يسمعنا احد ، و أثبتْنا اننا ظاهرة صوتية ، صداها مدوي و فِعلها معدوم .

هنا ترتسم مركزية الكلام في ثنائية العلاقة التلازمية بين العدالة الإجتماعية و حقوق الإنسان الذي ترفع شعاره بعض الدول و المنظمات للإبقاء على النازحين خارج وطنهم و إدعاء الحرص على سلامتهم و رشوتهم بالمال و المساعدات المغلفة بالذل ، في تنامي الشعور  بالعنصرية الضيقة آلتي يتحسسها بعض اللبنانيين تجاه إخوتهم السوريين وِفقَ سياسة الخبث الدولية المهددة للكيانات ، الذين برأيهم ينعمون بإمتيازات و حصانات دولية بإسم حقوق الانسان ، في الوقت الذي يتعرض فيه اللبنانيون لتضييق في معيشتهم و ظروف عملهم ، بعد ان خسروا  حياتهم و اموالهم و تقاعدهم و مدخراتهم المصرفية حقوقهم الصحية ، و باتوا فقراء و ضحايا  إستراتيجيين لجدولات اعمال مستثمري المؤامرة على سوريا و لبنان.

ان تظهير هذين المَفهوميْن في قاموسنا المجتمعي ، تؤكّد على أهميَّةِ و وجوب التصدي لهذه القضية الإنسانية والقيمية  بشكل واسع فعال   و كيفية تحليل وفهم نظرة الدولة ، كمجتمع رسمي اليها ، و مدى إستجابتها لوجع الناس  و مستلزمات  الانسنة  ، خصوصاً في هذا الظرف الإستثنائي والقاهر الذي يقاسيه لبنان بفعل تداعيات الوضع الإقليمي القلق و المتفجر في هذه المنطقة الزلزالية الفوالق .
 
و ليس مفاجئاً ان نكتشف انه تحت مسمى  منسوب العدالة  الذي تداخل فيه السياسي بالمجتمعي  ،كان يجب ان ننظر بروية الى ما ينتج عن أزمة النازحين او ( المنزّحين ) السوريين  من خلافات و اجرامات  و اعتداءات  مُسلّحة و أعمال إرهابية إنغمسَ فيها البعض ، و هذا ما يقلق المجتمع اللبناني السياسي و الرسمي و الشعبي المتروك لمصيره وِفقَ تركيبات خارجية هادفة ، إضافةً الى ما يُلاقيه هذا  الفلتان المنظم و المحظي  بغضة طرف محلية و برعاية مادية مباشرة من منظمات دولية تحت مسميات عدة  ، تصيب   المجتمع والقيم الإنسانية ، بما يسيء  الى الكُلّْ بغلطةِ الجزء ، مع  لزومية التفريق بين النازح  الضحية و النازح الذي يستثمر في النزوح و يستثمره .

ان مرتكز الدائرة في تناول مفهوم العدالة الإجتماعية كحالة ميدانية معاشة او مفقودة في لبنان اليوم ،هو  التكلُّم  عَنْ العدالة الإجتماعية بالمُطلَق ،  و مقارنته مع التناول التحليلي  الذي يتركز  على مأسوية الواقع اللبناني المتروك لقدره  في ظرف شديد الدقة و الحساسية . فأيُّ فرق  بين العدالة الإجتماعية و العدالة الوطنية و العدالة القومية  و العدالة الإنسانية ، و كيف نفرق بين هذه المفاهيم  بالمعنى السياسي و التشاركي قياساً على  عدالة الرأي   في ظل الّلاعدالة المنفتحة على اخطار  و مخاطر عدة  و غير مُتوقَّعة؟
إنه عيبٌ و خطر  إنساني كبير أن نسأل عن راعي اللاعدالة و عن مُستثمرها في مآسي سوريا ، في إشعال الحرب فيها و تسعير القتل والتدمير و ادارة التنزيح و إستثمار النزوح  للنيل من الاستقرار و تغيير جيوبوليتيك المنطقة و ديموغرافيتها ، و  عن أسباب ربطها بمصائب لبنان وازماته المتناسلة .

إنه لمن المُخزي أن نتساءلَ و نتعجب من صمت المفكرين و سكوت المثقفين على ( اللاَّعَدالات) التي تستشري و تتشظى  والكل  في نومة  كهفية سابعة. والغريب ان يكون بعض الإعلام  ساكتا عن اللاعدالة ، و الاغرب أن تكون  بعض المرجعيات  في وضعية صمت ليٍلي دامسٍ .

فالجامعات في غيبوبة و منشغلة بالرسملة ، والناس كلها يسكنها الصمت، و المثقفون غائبون أو انهم مكتومو الفكر و معقودو اللسان ، وكأننا نتعايش و نَتسالمُ مع  اللاعدالة  و نُسلِّمُ باللاحقوق ، كأننا جمهور للتصفيق و الندب و النحب  و لسنا شعبا يصرخ و يثور و يقول رأيه و يقاضي و يدين .

 مأساة سوريا و لبنان مرتبطة عضويًا بالمؤامرة والمخططات التي توضع للمنطقة كحقل تجارب او جغرافية إختبارية تنرسم معها ديموغرافيات و خرائط قيد الطبع، بالأسود و الابيض أو بقلم رصاص حتى يسهل محو ترسيمات الحدود الوهمية و الافتراضية التي تتبدل مع تغيير أنظمة حكم الدول القابضة غب الطلب، لأن مقترحات الجهات الممولة لبقاء النازحين حيث هم موجودون عن طريق طرح  سياسة الدمج و عدم التشجيع على العودة الآمنة، تهدد فعلا السلامة المجتمعية  و تطرح مسألة محورية هي  أي استراتيجية وطنية تطرحها الدولة  بكامل مؤسساتها الدستورية للتصدي لما يخطط للبنان من اخطار الدمج و التوطين و الهجرة و الإضعاف و الإلغاء ؟

 سبق للبنان  ان حذر من حتمية الاخطار التي باتت تفرضها سياسة الخارج  للتعاطي مع النازحين و استغلال هذه قضيتهم ، في ظل تجاذبات سياسية داخلية ضيقة و حسابات و مزايدات قاتلة ، و كأن ازمة الشغور الرئاسي التي تهدد ان تصبح فراغا نتعايش معه بالقوة  ، هي المساحة الزمنية التي يعمل المجتمع الدولي المستثمر للنزوح  ان يفرض فيها إملاءاته على لبنان  و كأن بلدنا  أمسى مشاعاً و ساحة  للتطويع السياسي و الترويض على اللاّعدالة و اللاّسيادة  .
 
مع كل هذه التبدلات و المتغيرات المستهدفة للكيان ، نفتقد لدور وطني صريح رافض للإنتقاص من السيادة و منتفض ضد الوصايات الجديدة المغلفة  بالحرص على النازحين و ابقائهم خارج ارضهم . و ليس أقل خطرا من ذلك تصاريح وبيانات الدول الرافضة لأي كلام عن عودة النازحين او اعادتهم قبل ان تنتهي الازمة السورية ، وكأن لبنان هو الذي شن حروبا على سوريا و هو الذي نزَّح اهلها . و هنا يحضر الحرص  الدولي الموظف لخدمة تدمير الكيانات بكل ظواهره و خفاياه و افخاخه و علنية عدائيته للبنان ، من دون ان يطلب منه  احد تفسيرا لظرفية القرار  و معنى هذا الحرص المكشوف على النازحين و توقيته .
و السؤال الاستباقي الذي يُطرح علنا ، هل سيكون موضوع النازحين و دمجهم و موضوع اللاجئين و توطينهم  بندا  في  خطاب قسم رئيس الجمهورية المأمول إنتخابه ، إذا  تم الافراج عن لبنان  ؟ و هل سيتضمن البيان الوزاري للحكومة المقبلة موقفا من هذا الخطر ؟  و أيُّ موقف للبنان ، حكومة و شعباً و مرجعيات روحية و زمنية و فكرية و مجتمعات مدنية من هذه الاخطار و من سياسة وضع اليد الدولية على لبنان بإسم حقوق الانسان ، في مجتمعات باتت ادغالاً  ، الغلبة فيها للأشد لدودية و عداوة و الاقدر على الغدر و الإفتراس ؟
الا يتطلب هذا الانتداب الجديد وقفات احتجاجية و اعتراضية صريحة و جريئة ترفع قبضة اليد بوجهه و تقول له ” إنزع نعليكَ قبل أن تدوس ارض لبنان ” .

جورج كلّاس
وزير الشباب والرياضة


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى