أبناء خليفة حفتر يجلبون “الموت والفساد والدمار” في شرق البلاد
نصب الرجل القوي في الشرق الليبي خليفة حفتر أبناءه الستة في مراكز سياسية وعسكرية استراتيجية. وأعطت الفيضانات التي دمرت مدينة درنة مؤخرا نجله الأصغر، صدام، فرصة البروز على الساحة الداخلية بقيادته لعمليات الإغاثة وإدارة الكوارث بالمدينة المنكوبة. لكن بالنسبة لليبيين، تُنذر هذه العملية بمستقبل مثير للقلق والتساؤل.
نشرت في: 23/09/2023 – 12:39
9 دقائق
في تغريدة على موقع “X” (تويتر سابقا) ظهر صدام حفتر بلباس مموه وهو يفتح الخارطة الجغرافية لليبيا في قاعة تستخدم “كمركز لعمليات الإغاثة” في درنة، برفقة ثلاثة مسؤولين عسكريين روس وصلوا إلى المدينة المنكوبة غداة تعرضها للفيضانات. وفي نفس التغريدة، التي نشرها موقع إخباري محلي، ظهر النجل الأصغر للمشير خليفة حفتر وهو يتفقد التطورات الأخيرة المتعلقة بعمليات الإنقاذ”.
وغالبا ما يتم تداول الأخبار في ليبيا بشأن إمكانية أن يخلف صدام حفتر والده المسن (79 عاما)، والذي يحكم الشرق الليبي منذ حوالي عشر سنوات. ويتزعم الرجل البالغ 32 عاما، كتيبة طارق بن زياد العسكرية. وتتهمه الأمم المتحدة باستلائه على أموال هائلة من البنك المركزي الليبي، فيما قالت منظمة العفو الدولية بأنه ارتكب “بعض المجازر” في الشرق الليبي.
لا يملك صدام حفتر أي تجربة تذكر في مجال المساعدات الإنسانة أو إدارة الأزمات. رغم ذلك، تم تعيينه رئيسا للجنة إدارة الكوارث بهدف إيجاد حلول للأزمة الإنسانية المفزعة التي يعيشها الشرق الليبي.
ومع تدفق المساعدات الإنسانية إلى شرق البلاد في شكل ملايين الدولارات، وجدت الأسرة الدولية ومنظمات الإغاثة نفسها مضطرة لفتح برامج إنسانية وطبية تحت رعاية هذا الرجل. ويرى الليبيون في هذا الوضع الجديد مصدرا آخر لليأس بعد الخسائر التي لحقت بمدينة درنة والصدمة الكبرى التي سببتها الفيضانات لدى السكان.
Table of Contents
“جرائم حرب”
ولد صدام حفتر في 1991، أي بعد عام فقط من فرار والده، الذي كان حينها قائدا كبيرا في جيش معمر القذافي، إلى الولايات المتحدة. وترعرع في مدينة بنغازي، فيما ظل والداه بالولايات المتحدة، كما أكد موقع “تقرير أفريقيا”.
فحسب الموقع ذاته، “لا نعرف الكثير عن فترة شباب صدام حفتر، سوى أنه لا يملك حتى شهادة ثانوية”. وأضاف: “كان عمره 20 عاما عندما بدأت الانتفاضة ضد نظام القذافي في 2011 والتي عاد بموجبها والده إلى البلاد”.
بدأت ثروة صدام حفتر تكبر ابتداء من 2014 على ضوء الهجمات التي نفذها والده ضد مجموعات مسلحة معادية له، ما أدى إلى وقوع حرب مدنية ثانية في ليبيا مكنت في نهاية المطاف خليفة حفتر من بسط سيطرته على منطقة الشرق الليبي.
“تحويل مبالغ مالية هائلة وقطع من الفضة إلى وجهة غير معروفة”
في 2016، تم تعيين صدام حفتر زعيما لكتيبة طارق بن زياد، وهي إحدى أقوى الجماعات المسلحة التي تنشط تحت لواء “الجيش الوطني الليبي”. منذ ذلك الوقت، ارتكب مقاتلو الجماعة المسلحة العديد من الانتهاكات والخروقات في مجال القانون الإنساني الدولي، بعضها يمكن أن ترقى إلى “جرائم حرب” حسب منظمة العفو الدولية.
كما ظهر أيضا اسم صدام حفتر في 2018 في تقرير دونه مختصون في الشؤون الليبية لصالح الأمم المتحدة حيث استولى على فرع للبنك المركزي الليبي في بنغازي في 2017 وقام بـ “تحويل مبالغ مالية هائلة وقطع من الفضة إلى وجهة غير معروفة”.
ووفق التقرير الأممي، فقد تم تحويل “159.700.000 دولار و1.900.000 يورو فضلا عن 5869 عملة فضية”، مشيرا أن “العديد من مسيري البنوك تعرضوا إلى ضغط رهيب من قبل مسؤولين في الجيش الوطني الليبي، الذين كانوا يريدون الاستفادة من قروض بنكية، ما دفع العديد منهم للهروب إلى الخارج”.
تنافس بين الأولاد لكنهم يدينون بالولاء للوالد
وأصبح تجنب عائلة حفتر في الشرق الليبي إحدى الاستراتيجيات التي تعتمد عليها غالبية سكان هذه المنطقة منذ عشر سنوات على الأقل. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تعرضت الناشطة في مجال حقوق الإنسان حنان البرعصي إلى القتل في وضح النهار بمدينة بنغازي بعد نشرها رسالة على فيس بوك قالت فيها بأنها ستنشر أدلة تثبت تورط صدام حفتر في عمليات فساد، وفق العفو الدولية.
يستمد صدام حفتر قوته من والده الذي يعتبر أحد اللاعبين الأساسيين في ليبيا بفضل علاقاته المتشعبة مع الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة ومصر. لكن هذا لم يمنع ظهور منافسة شرسة بين أولاده الستة، حسب بعض المصادر.
كان صدام حفتر على رأس الكتيبة رقم 106 التابعة للجيش الوطني الليبي المكلفة بحراسة والده خليفة حفتر. لكن تمت تنحيته من هذا المنصب وتعيين أخيه خالد الذي يملك شهادة جامعية ويُعرف بأنه أكثر حكمة من أشقائه.
إمكانية “تهريب” المساعدات الإنسانية
وفي 11 سبتمبر/أيلول 2023، عقب العاصفة “دانيال” التي ضربت درنة، أعلن نجل آخر لخليفة حفتر وهو الصديق حفتر خلال تواجده بباريس بأنه مهتم بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية الليبية المقبلة. كما عبر في مقابلة أجراها مع قناة تلفزيونية بلجيكية عن امتنانه لوالده، مشيرا أن “الجيش الوطني الليبي أصدر تحذيرا للمواطنين في درنة قبل وقوع العاصفة” داعيا جميع السكان “إلى إخلاء المنطقة”.
وفي أعقاب الكارثة التي ضربت مدينة درنة، حذر ليبيون من الداخل والخارج من إمكانية وقوع تهريب “للمساعدات الإنسانية” التي وصلت من الخارج، معبرين عن خوفهم من انتشار “الفساد” وفق طارق مغرسي، السياسي البارز في مكتب العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي.
دعوة جميع الصحافيين إلى مغادرة مدينة درنة
وقال مغرسي: “غداة وقوع العاصفة، شهدنا عجزا في المساعدات وعدم كفاءة المسؤولين في التعامل مع الفيضانات، ما أدى في اليوم الثالث إلى إعلان درنة منطقة عسكرية تم نشر مدرعات عسكرية فيها ونقاط تفتيش عديدة”.
كما فرض الجيش الوطني الليبي قيودا صارمة على وسائل الإعلام حسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، فيما تم منع الصحافيين الليبيين الذين ينتقدون حفتر وعائلته من تغطية الفيضانات.
وتابعت المنظمة: “في شرق ليبيا، المراسلون يعملون تحت مراقبة حفتر ولا يمكن لأي وسيلة إعلامية أن تنتقده”. وأردفت: “حتى وسائل الإعلام التي تمكنت من الدخول إلى مدينة درنة واجهت صعوبات كبيرة في العمل ميدانيا”.
فعلى سبيل المثال، تم رؤية فرق من قناة سكاي نيوز وهي تتنقل عبر سيارة رباعية الدفع وتحت حراسة مسلحين تابعين لصدام حفتر”.
والثلاثاء الماضي، دعي جميع الصحافيين إلى مغادرة مدينة درنة وذلك غداة الوقفة الاحتجاجية التي نظمت أمام مسجد الصحابة. فيما تم قطع الإنترنت والاتصالات الهاتفية ومنع منظمة إنسانية تابعة للأمم المتحدة من الدخول إلى المدينة لتقديم المساعدات.
إلى ذلك، أظهرت الكارثة الإنسانية التي ضربت مدينة درنة مدى تلاحم الشعب ووحدته التضامنية. لكن قلة قليلة منهم يعتقدون بأن روح الوحدة والتضامن التي سادت بين الناس لن تكون بين المليشيات المسلحة المتناحرة وبين الأحزاب السياسية والنخب.
“يجب على منطقة شرق ليبيا أن تكون أكثر استقرارا قبل رحيل حفتر”
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، سيطفئ خليفة حفتر شمعته 80، فمن سيخلفه من بين أبنائه؟ لكن حسب طارق مغرسي، “قبائل شرق ليبيا وقادة المجتمعات المحلية في المنطقة أكدوا بأنهم لا يريدون حكما وراثيا ولن يقبلوا فكرة تولي نجل خليفة حفتر السلطة”.
وأنهى السياسي البارز في مكتب العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي قائلا: “يجب على منطقة شرق ليبيا أن تكون أكثر استقرارا قبل رحيل خليفة حفتر. المؤسسات تحتاج أن تتطور وأن تستقر قبل ذلك الموعد. في السنوات الماضية، لا حظنا أن كل دولة تريد أن تدعم أحد أبناء خليفة حفتر للوصول إلى السلطة. لكن مهما كان الابن الذي سيتولى المنصب، فسيكون إقطاعيا وسيحافظ على مصالحه فقط ويقوي الفساد، وسيجلب الدمار والموت إلى ليبيا”.
ليلا جاسينتو/ طاهر هاني
مصدر الخبر
للمزيد Facebook