هكذا يتعامل وزراء الخفّة مع الأزمات الوجودية
Advertisement
فالآخرون، أيًّا كانوا، لا يُلامون إذا كانوا يعملون وفق ما تمليه عليهم مصلحتهم. من يُلام هم اللبنانيون وحدهم، الذين لم يعرفوا أن ينتخبوا رئيسًا لجمهورية أصبحت مشرّعة الأبواب، ومسيّبة أرضها، ومعرّضة للتفكّك والانحلال. فالمسؤولية الأولى في ما يمكن أن يصل إليه لبنان من أزمة وجودية لم يصل إليها من قبل على رغم الظروف الصعبة الكثيرة، التي سبق أن مرّ بها في تاريخه، هي مسؤولية لبنانية – لبنانية قبل أن تكون مسؤولية الآخرين. وقد تصحّ في هؤلاء الوزراء ما فعله أبو عبد الله الصغير، أخر ملوك غرناطة، بعد سقوط غرناطة بيد قوات فرناندو الثاني وإيزابيلا، فجلس يبكي على مملكته ودولته التي ضاعت.
ولما رأت أمه الأميرة عائشة منظره هذا، قالت له: “إبكِ مثل النساء مُلكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال”.
هذا ما سيُقال عنّا نحن اللبنانيين، الذي وهبنا الله أجمل بلاد، فلم نحسن التعامل معها، بل عملنا على تشويه معالم هذه الهبة بكل ما أوتينا من جبروت، ولم نستطع أن نحافظ على هذا الكيان بصيغته الفريدة، والتي هي بتنوعها وتعدّديتها نقيض لعنصرية إسرائيل.
بهذه الخفّة وعدم المسؤولية تعامل وزراء “التيار الوطني الحر” مع أهم قضية قد لا يختلف اثنان على توصيفها. وبهذه الخفّة تعاملوا ويتعاملون مع اليوميات اللبنانية، بدءا من ملف الكهرباء وما آل إليه إصرار النائب جبران باسيل على أن تسند حقيبة الطاقة لأحد من التابعين له مباشرة، وصولًا إلى الملف الرئاسي، والمحاولات الدونكيشوتية لتغطية السماوات بالقبوات وذرّ الرماد في العيون وإطلاق الرصاص الخلبي في الفضاء الافتراضي.
ما يتهدّد لبنان عبر حدوده الشرقية والشمالية، ومن خلال المعابر غير الشرعية والعصية عن المراقبة، ليس أمرًا عاديًا كتعيين مأمور أحراج مثلًا. فهل يعي وزراء “الصدفة” خطورة ما تواجهه بلادهم، وهل يدركون أنها مقبلة على أيام صعبة، وهل يستطيعون أن يتحمّلوا، مع غيرهم بالطبع، نتيجة ما نحن واصلون إليه من كارثة محتمّة إن لم تُتخذ الإجراءات الرادعة سريعًا، والتي من شأنها أن تحدّ من فعالية موجات النزوح الجديدة، والتي يستفيد منها بعض المندسين، الذين يسعون إلى دخول لبنان لأهداف لم تعد خافية على أحد، وبالأخصّ على الأجهزة الأمنية، التي اتخذت سلسلة من الإجراءات التنفيذية والوقائية، والتي من شأنها أن تحدّ من هذه الموجات الخطرة، وأن تردع “خفافيش الليل” من التسلل إلى العمق اللبناني.
ولكن ما يقوم به الجيش يفترض أن تواكبه خطة سياسية محكمة يشارك فيها الجميع، وبالأخص “التيار الوطني الحر” عبر وزرائه المفروض بهم أن يرتقوا إلى مستوى الظرف التاريخي، الذي يمرّ به لبنان، وأن يتركوا المهاترات والمماحكات إلى غير زمن. فالزمن زمن الكبار.
أمّا الخطر الثاني فيتمثّل بما يجري في مخيم عين الحلوة، وهو مخطط قد ترتد مفاعليه على الوضع اللبناني برمته. ولنا في هذه المسألة بحث آخر.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook