آخر الأخبارأخبار محلية

مواقف القوات تثير الجدل.. هل يتحمّل لبنان فراغًا لسنوات؟!

 
في خطابه الأخير الذي ألقاه قبل أيام، والذي وُصِف بـ”الناري”، تسلّح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بـ”عدّة” الهجوم، فصوّب على الجميع، من الخصوم وفي مقدّمهم “حزب الله”، إلى “أصدقاء لبنان”، وفي مقدّمهم فرنسا ولو لم يسمّها بالاسم، على خلفيّة ما وصفه بـ”مجاراة الفريق الآخر بخزعبلاته”، وهي “الخزعبلات” التي قال إنّها كانت أصلاً سببًا في هلاك لبنان خلال السنوات العشر الماضية.

 
وفي حين رفع جعجع السقف عاليًا، وهو ما تختصره “المعادلة” التي أطلقها في الخطاب، وعنوانها “عا بعبدا ما بيفوتو”، يبقى الموقف الأكثر إثارة للجدل في خطاب جعجع، ذلك الذي أعلن فيه أنه “مستعد” لتحمّل الفراغ “لأشهر وسنوات” كما قال، لكنّه “غير مستعد أبدًا” لتحمّل ما وصفها بـ”تقالة دمّن”، فضلاً عن “فسادهم وسرقاتهم وسوء إدارتهم وسيطرة دويلتهم على دولتنا”، متمسّكًا بضرورة انتخاب رئيس يجسّد “قناعاتنا وتطلعاتنا”.
 
وما لم يقله جعجع أكمله غيره من القياديين في “القوات اللبنانية”، الذين “تقاطعوا” ليس على التصويب على الحوار فحسب، بل على كلّ من يدعمه، من “الثنائي الشيعي” إلى “التيار الوطني الحر”، مرورًا بـ”الحزب التقدمي الاشتراكي”، حتى إنّهم لم يوفّروا البطريرك الماروني بشارة الراعي من انتقاداتهم، على خلفية دعوته النواب إلى حضور الحوار “من دون شروط مسبقة”، ما يشرّع طرح السؤال عمليًا: ماذا تريد “القوات” فعلاً؟!
 
الفراغ “أرحم” من هذا السيناريو؟
 
بالنسبة إلى الدائرين في فلك “القوات”، فإنّ الموقف واضح، بل ثابت، خلافًا لمواقف الآخرين، الذين يتنقّلون بين هذا المعسكر وذاك بين ليلة وضحاها، بدليل أن جعجع في خطابه الأخير كان “منسجمًا” مع خطابه في اليوم الأول من الشغور الرئاسي، ولو وُصِفت مواقفه هذه المرّة بـ”النارية”، ربما لأنّه سمّى الأشياء بمسمّياتها، ولم يراعِ الخواطر في حديثه، لأنّ المواجهة باتت الآن “مباشرة”، وفق ما يقول المحسوبون على “القوات”.
 
ويقلّل هؤلاء من شأن حديث “الحكيم” عن استعداده لتحمّل الفراغ لأشهر وسنوات، بل يعتبرون أنّ الخصوم الذين وجدوا في هذا التعبير مطيّة، يشبهون من يتعمّد حذف كلمة “إلا الله” من “لا إله إلا الله”، فيغيّرون المعنى، إذ إنّ ما قصده جعجع، هو أنّ الفراغ لأشهر وسنوات يبقى “أرحم” على اللبنانيين من “الخضوع” مرّة أخرى لإرادة فريق يريد أن “يفرض” رؤيته عليهم مهما كان الثمن، وهي الرؤية التي لا تشبههم أصلاً، وقد اختبروها في العهد البائد.
 
وفي حين تستغرب الأوساط “القواتية” استنفار الخصوم ضدّ هذه العبارة، ممّن يجاهرون بأنّ “صبرهم طويل”، وأنّ “لا مشكلة” لديهم في إطالة أمد الفراغ حتى يوافق الآخرون على مرشحهم، تشدّد على أنّ ما تريده “القوات” واضح ولا يحتمل اللبس: رئيس “قوي” على الأرض، لا في الشعارات، يجسّد تطلّعات وآمال اللبنانيين، لا يختبئ خلف “رمادية” لا تقدّم ولا تؤخَّر، والأهم يُنتخَب بشكل ديمقراطي، ووفق مقتضى الدستور، بعيدًا عن “بدعة” الحوار.
 
“تخبّط وضعف”؟
 
لكنّ ما تعتبره “القوات” ثباتًا على الموقف وانسجامًا مع الذات، يراه خصومها “تخبّطًا” بكلّ ما للكلمة من معنى، وقد ظهر جليًا في خطاب رئيس الحزب الأخير، ولا سيما في قراءة “التوقيت”، فالرجل اختار أن يرفع السقف إلى هذا المستوى، في وقت ترتفع أسهم “الإيجابية” في الملف الرئاسي، وهو ما له تفسيران لا ثالث لهما، وفق هؤلاء، فهو إما يحاول تقليل حجم “الهزيمة”، وإما يبحث عن دور له في “التسوية”، وهو ما قد لا يكون بعيدًا.
 
بالنسبة إلى خصوم “القوات”، فإنّ خطاب جعجع فتح الباب أمام الكثير من علامات الاستفهام، فهل هو فعلاً يتحمّل الفراغ لأشهر وسنوات؟ وهل يتحمّل اللبنانيون مثل هذا السيناريو معه؟ وإذا كان يقصد أنّ الفراغ “أرحم” من تسليم البلد لـ”حزب الله”، كما أوحى، فهل يوافقه المسيحيون على أنّه فعلاً “أرحم” من مجرد الجلوس مع “الحزب” وغيره، إذا كان هذا التحاور مقدّمة لجلسات انتخابية متتالية تعهّد بها الرئيس نبيه بري؟!
 
أما الأخطر من كلّ ما سبق وفق هؤلاء، فيبقى في الهجوم “القواتي” على البطريرك الماروني نفسه، لا لشيء إلا لأنّ الأخير أدرك أنّ الحوار قد يشكّل “فرصة” لإنهاء الشغور، فدعا إلى المشاركة فيه “من دون شروط مسبقة”، فإذا بـ”القواتيين” يلمّحون إلى “ازدواجية في الرأي” وقع فيها، وهو ما يؤكد بنظر أصحاب هذا الرأي “التخبّط والضعف”، الذي يجعل “القوات” تهاجم الأقربين قبل الأبعدين، ومن دون احتساب للتداعيات.
 
بالنسبة إلى خصوم “القوات”، فإنّ الترجمة الوحيدة لخطاب جعجع، هي أنّه يفضّل “الفراغ الطويل”، والذي يعني في السياسة “الفوضى” بطبيعة الحال، على الحوار والتفاهم. في المقابل يعتبر “القواتيون” أنّ الحريّ بهؤلاء، إذا كانوا غيارى فعلاً على موقع الرئاسة، أن يحتكموا إلى صندوق الاقتراع. وبين هذا الرأي وذاك، يبقى الأكيد أنّ “التصعيد” المستمرّ لا يفضي إلى رئاسة، بل يكاد يطيح بالوطن عن بكرة أبيه!

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى