النظام السوري “يراهن على الوقت” أمام تجدد غضب الشارع واستمرار تهاوي الاقتصاد
اتهم المحتجون بمحافظتي درعا والسويداء (جنوب سوريا) خلال مظاهراتهم التي دخلت أسبوعها الثالث، الرئيس بشار الأسد وعائلته ببيع مقدرات البلاد إلى الاحتلالات المتعددة وخصوصا روسيا وإيران. ونددوا “بجمهورية الكبتاغون” مطالبين بإسقاط رأس السلطة. من جهة ثانية، ظهر تحد جديد أمام النظام وهو تضامن عشائر عربية في منطقة الشمال والشمال الشرقي بوجه قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، واتهام بعضها له بالتعاون مع “قسد” لنهب الثروات. وكلا المنطقتين لم تعد لديهما ثقة بالنظام السوري. في حين أن الأولى أغلقت مقار رسمية للدولة، عبرت عشائر عربية أيضا عن رغبتها بعودة مناطقها إلى نفوذها بمعزل عن سلطة دمشق. ما المتاح أمام النظام لمواجهة هذه التحديات في ظل استمرار تهاوي الاقتصاد؟
نشرت في: 04/09/2023 – 21:06
9 دقائق
بُنيت آمال بوادر انفراج اقتصادي إثر عودة العلاقات مع الدول العربية وخاصة السعودية قبل نحو أربعة أشهر، إلا أن مراقبين اعتبروا أن الرئيس السوري بشار الأسد أغلق الباب أمام احتمالات إيجاد حلول للمشكلات السورية. ثم رفع الدعم عن الوقود، وبالرغم من أن زيادة في الرواتب مئة في المئة تبعت ذلك، إلا أن أصواتا غاضبة تعالت ومظاهرات في مناطق عديدة من سوريا اندلعت، أبرزها محافظتي درعا والسويداء الجنوبيتين.
نادى المتظاهرون منذ اليوم الأول قبل أكثر من أسبوعين، “بالحرية” ورددوا شعار “سوريا لينا وما هي لبيت الأسد”، ثم اتسعت رقعة الاحتجاج في القرى والبلدات المجاورة وتطورت المطالب إلى “تطبيق قرار الأمم المتحدة 2254” الذي يتضمن بنودا كثيرة أهمها إجراء انتخابات تحت إشراف أممي وإعادة صياغة الدستور وعودة اللاجئين. وما لبث المتظاهرون أن أغلقوا مقر حزب البعث في السويداء بالشمع الأحمر ومؤسسات أخرى للدولة.
إضافة إلى ذلك، برز تحد آخر أمام النظام منذ نحو أسبوع يرتبط باشتباكات تشهدها منطقة شرق وشمال شرق سوريا. ففي سابقة في عهد الرئيس بشار الأسد، أعلنت السبت واحدة من أكبر العشائر العربية في المنطقة، وهي العكيدات، النفير العام لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وأعلنت عشائر أخرى كثيرة تضامنها معها، ولا تزال الاشتباكات جارية حتى الآن. واتهم عدد كبير من هذه العشائر النظام السوري وإيران وكذلك روسيا بمؤازرة “قسد” ودعمها على حسابهم هم أبناء المنطقة وبتبذير مواردها الغنية خصوصا بالنفط.
اقرأ أيضااحتجاجات اجتماعية بطابع سياسي في جنوب سوريا وبشار الأسد في مرمى الانتقادات
لفهم هذه الظروف وكيفية تفاعل النظام معها، لا بد من فهم الواقع الاقتصادي الأخير، وما سيتيحه هذا الواقع المتداعي من خيارات أمام النظام السوري لتهدئة الشارع وإسكات الأصوات الغاضبة المتزايدة.
اقتصاد الحرب في السنوات الأخيرة
فسر مدير النشرة الإلكترونية (the Syrian Report) “ذا سيريان ريبورت” والصحافي والمحلل الاقتصادي جهاد اليازجي هذا المفهوم وأعطى لمحة عامة عنه فيما يرتبط بالشأن السوري. منذ بدء احتجاجات 2011 ثم الانزلاق في الحرب، خسرت سوريا الكثير من مقدراتها. وعلى الرغم من استمرار عمليات اقتصادية طبيعية مرتبطة بفترة ما قبل الحرب من تجارات حرة وتواصل نشاط القطاع العام، إلا أنها خلقت واقعا جديدا. يتمثل هذا الواقع بهجرة الرساميل وانقسام البلد إلى مناطق سيطرة ونفوذ، ما زاد كلفة البضائع بسبب الحواجز، وبروز حاجات وأنشطة مرتبطة بالحرب مثل تجارة الأسلحة والمخدرات وتجارة المولدات جراء قطع الكهرباء، وتهريب القطع الأثرية وعمليات الخطف لطلب الفديات وتهريب مواد مختلفة بحكم العقوبات ومنع الاستيراد، وغيرها.
وهناك عوامل إضافية ضغطت على النظام اقتصاديا خارجة عن إرادته، إضافة إلى تشديد العقوبات الأمريكية إثر تبني قانون قيصر عام 2019، وهي انعكاس تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان على الاقتصاد السوري بشكل كبير في الفترات الأخيرة، وظاهرة الجفاف التي امتدت أكثر في السنوات الأخيرة وأثرت على قطاع الزراعة.
أشار يازجي إلى عدة عوامل ساعدت على بقاء النظام في سوريا متماسكا نسبيا، خارج استخدامه المفرط للعنف، بالرغم مما تعرض له اقتصاده من انهيارات متتالية. هذه العوامل هي أربعة بشكل رئيسي:
دعم الحلفاء وخاصة الروسي والإيراني، إذ صدّرت إيران على مدى سنوات طويلة النفط لسوريا (منذ 2013) بدون مقابل نقدي أو “كاش” عبر اتفاقية خط ائتماني بقيمة 3,6 مليار دولار. ما ساعد بترميم الاقتصاد. وكان الدعم الروسي مباشرا عبر استعادة أراض خرجت عن سيطرته وتمكينه أكثر من المناورة على منصات التفاوض، في حين وضعت قوات لها في قاعدة حميميم شرق اللاذقية واستأجرت ميناء طرطوس لنصف قرن.
المساعدات الإنسانية عن طريق الأمم المتحدة لمؤسسات ومنظمات دولية تعمل في سوريا أو منظمات سورية. وهي مصدر نشاط اقتصادي يعيش منه موظفون وأصحاب شركات. وآخرها كان المرتبط بالزلزال الذي جلب أموالا خصوصا من الإمارات وليّن بعض المواقف السياسية من الدول العربية تجاه النظام.
نظام الحوالات، أي المبالغ المالية التي يحولها سوريون مقيمون في الخارج إلى أهاليهم ومعارفهم في الداخل وهي تدعم الاقتصاد كونها توفر العملات الأجنبية، وتدعم النظام بشكل غير مباشر كون الاستلام يتم بالليرة السورية.
تجارة الكبتاغون: كشفت تقارير كان آخرها لبي بي سي قبل نحو شهرين عن تورط رأس النظام السوري بعمليات تصنيع لمخدر الكبتاغون تستقدم مادته الأولية من آسيا وتصنع في سوريا، ثم تصدر إلى دول عدة أولها الأردن للوصول إلى السعودية، وحتى وصلت شحنات منها إلى أوروبا. وهذا يعد مصدر دخل مباشر للنظام ويفيد الاقتصاد أيضا كون عبر هذه التجارة تُصرف العملة الصعبة.
يضاف إلى هذه العوامل، أنه على الرغم من التماسك الشكلي في هيكلية القطاع العام إلا أنه يشهد اضطرابا كبيرا، فالكثير من الموظفين لا يذهبون إلى العمل إلا جزئيا، والكثير منهم يطلبون الاستقالة نظرا إلى أن قيمة الراتب الشهري الفعلية لم تعد تكفي لمعيشة يومين للعائلة الواحدة في المتوسط. وأفادت تقارير عدة بوصول نسبة 90 بالمئة من السوريين إلى خط الفقر.
ما المتاح أمام النظام نظرا لهذا الواقع؟
وصل النظام إلى حالة عجز، والحرب المدمرة في مرحلة من المفترض أنها قيد الانتهاء، إلا أنه لم يتم التوصل إلى أي حل سياسي ينهي هذه المرحلة ويبدأ بجذب مشاريع إعادة الإعمار. “النظام السوري عاجز عن تقديم حلول بشكل عام وليس لديه أي حل اقتصادي” أو أي مشروع يعيد الحياة للاقتصاد، حسب اليازجي. ولم يعد هناك أي حديث في وسائل الإعلام المحلية عن مشاريع إعادة الإعمار التي كانت بفترة سابقة متكررة وجرت محاولات للترويج لها عبر إظهار تعاف جزئي في قطاع السياحة.
وفيما يخص تجارة الكبتاغون، هناك حديث عن مشروع أمريكي لإغلاق الحدود مع العراق وقطع “طريق طهران بيروت”، وأحد أهدافه ضبط عمليات تهريب الكبتاغون. ومن المؤكد أن هذه المسألة تؤرق بعض الدول وعلى رأسها الأردن والسعودية، لكن ما من معطيات دقيقة حول هذا الشأن حتى الآن. وبكل الأحوال هذه ليست تجارة يمكن للنظام التعويل عليها بشكل مستدام.
أما بشأن المظاهرات التي اندلعت في مناطق عدة من سوريا، فإن “التظاهر لا يحدث فقط بسبب الوضع الاقتصادي، وإنما أيضا بسبب غياب أي أمل في المستقبل. وقد يكون أحد أسباب المظاهرات هو عدم ظهور أي نتيجة عملية من التقارب مع العرب”، حسبما قال اليازجي. إضافة إلى أن هناك “إحساس عميق بأن كلفة السكوت أصبحت أغلى من خطورة الخروج” للتظاهر.
وحول القمع واستخدام العنف المفرط على غرار عام 2011، فإن “كلفة القمع عالية” وستزيد النظام هشاشة، وأولويته هي حصر مظاهرات الجنوب في السويداء ودرعا، كونها مناطق أطراف وليست مركزية، واعتماد سياسة الترهيب في مناطق الساحل ودمشق ووسط البلاد عبر الاعتقالات وإسكات الأصوات المعارضة. ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقرير صدر السبت 2 أيلول/سبتمبر اعتقال ما لا يقل عن 223 شخصا خلال شهر آب/أغسطس، بينهم 57 مدنيا شاركوا في الاحتجاجات. ويصعب اللعب على الوتر الطائفي من جديد في الجنوب، حيث إن السويداء محسوبة على الأقليات التي روج كثيرا النظام في السابق أنه يحميها من الأكثرية السنية. ومنطقة الشرق والشمال الشرقي هي أصلا تخضع بجزء كبير منها لنفوذ الأكراد المدعومين من التحالف الدولي والولايات المتحدة، وفيها أيضا تواجد للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
والمشكلة الأكبر تبقى، حسب اليازجي، هي أن النظام “ينتظر، ولا يبادر، ويراهن على الوقت”. وهذا يظهر بالعلاقة مع تركيا والعرب بشكل أساسي. هو “لا يقدم أي تنازلات وليس لديه أية مبادرة سياسية” مقابل الحصول على مكتسبات خارج حليفيه إيران وروسيا، إن كان من دول الخليج أو حتى من الأكراد الذين يسيطرون على منابع النفط في الشمال والشمال الشرقي. ويواصل الانتظار وكسب الوقت انطلاقا من معرفته أن حلفاءه سيستمرون بالوقوف خلفه على الرغم مما تشوب العلاقة معهم من خلافات. فكرة أخرى قد يعول عليها النظام هي أن بعض الدول الغربية لا ترى أن هناك من يمكنه أن يكون بديلا للأسد وأنه بأحسن الأحوال قد يكون البديل من قلب النظام نفسه وليس من خارجه، إضافة إلى أن سوريا ليست أولوية بالنسبة لهذه الدول.
في النهاية، النظام “محشور اقتصاديا” وسوريا هبطت كثيرا في سلم الأولويات بالنسبة للغرب.
فرانس24
مصدر الخبر
للمزيد Facebook