آخر الأخبارأخبار محلية

نايا حنا سفيرة الطفولة إلى السماء

نايا حنا تلك الفرشاة فارقتنا باكرًا، ولكن غير آسفة. احفظوا هذا الاسم جيدًا. وعلى الذي أطلق تلك الرصاصة الطائشة والغادرة أن يعلم أن تلك الرصاصة لم تصب فقط نايا، بل كل لبناني أبكاه رحيل هذه الطفلة – الملاك. وليعلم أن الرصاصة، التي أطلقها ابتهاجا بنجاح ابنه في الشهادة الرسمية سترتدّ عليه، وإن طال الزمن، وسيلاحق صوت مايا، الذي خطفه الغدر والطيش، ذاك الذي اعتادت يداه أن تحمل سلاحًا صُنع فقط للرجال الرجال، في الليل والنهار، وسيكون ذاك الصوت الخافت أقوى من تلك الرصاصات الطائشة التي تزرع الموت والحزن في الأحياء المجاورة. 

على مدى 23 يومًا كانت نايا ترقد في سريرها في المستشفى من دون حراك، ولكنها كانت تشارك أهلها الصلاة لكي تتم مشيئة الله في كل شيء. كانت تصلي من أجل من أطلق عليها النار من دون أن يعرفها. هي متأكدة من أن مطلق النار ما كان ليطلق تلك الرصاصة القاتلة في الهواء لو كان يعرف أنها ستتسبّب بهذه المأساة. هذه الرصاصة أفرحت عددًا قليلًا من المنتشين بفرحة النجاح، ولكنها أبكت الكثيرين، وأنا واحد منهم، ليس على موتها، وقد أصبح لنا ملاك جديد في السماء، بل على وطن لا يزال فيه أشخاص يعتبرون أن الأرض والفضاء ملكهم، ويستطيعون بالتالي أن يتصرّفوا بهما على هواهم، ومن دون رادع أو وازع. 
نبكي نايا اليوم، ولكننا نبكي في الوقت نفسه لأننا لم نستطع أن نحميها برموش العيون، ولم نستطع أن نكّون لها مظّلة حديدية تقيها من هذا الرصاص الذي يُسمّى عن خطأ “طائشًا”، فيما هو في الحقيقة رصاص قاتل لا يرحم. هذا الرصاص هو جبان تمامًا كالذي يطلقه في مناسبات الفرح والحزن على حدّ سواء. لم أرَ في حياتي من هو أكثر جبنًا من ذاك الذي يحمل السلاح تبخترًا، وهو يعرف أن كل رصاصة يطلقها في الجو قد تصيب أحد الأبرياء، وقد يكون واحدًا من أقاربه. فلو لم يكن هذا القاتل والمتخفّي وراء تسمية “رصاصة طائشة” جبانًا لما حمل سلاحًا ولا أطلق رصاصة واحدة في غير موضعها الطبيعي والشرعي. 
نايا حنا اسم يجب ألاّ ينساه أحد، وبالأخص ذاك الذي كان يطلق الرصاص”ابتهاجًا” في ذاك اليوم المشؤوم، لأن فرحته المؤقتة ستتحوّل إلى حزن داخلي سيرافقه مدى الحياة. 
نايا حنا انت سفيرتنا إلى السماء. غادرت هذه الأرض طفلة لتصيري ملاكًا في السماء. دورك سيكون كبيرًا جدّا حيث أنت. دورك أن تتضرعي إلى خالق السماء والأرض وكل ما يُرى وما لا يُرى لكي يحفظ الطفولة في لبنان، وأن يحميها من شرّ كل أشرار الأرض، وأن يحفظ وطنك ويردّ عنه كيد الكائدين وخبث المتربصين به شرًّا. 
صوتك الخافت يا نايا سيرافقنا في حّلنا وترحالنا، وسيكون لنا صوت ضميرنا، الذي يجب ألا يستكين قبل أن يرتدع كل طائش، وأن يفكرّ ألف مرّة قبل أن يطلق رصاصة الرحمة على رأسه لا أن يطلقها طائشة على رؤوس الناس الآمنين. 
  

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى