كيف نُقنع الخارج بالاستمرار في مساعدة لبنان؟
على رغم الموقف الواضح والصريح لعدد من الإعلاميين، الذين لا يزالون يحترمون مهنتهم ويقدّسون رسالتهم، مما تعرّضوا له من الشركة المنظّمة لحفل الفنان عمرو دياب، رغم التبريرات اللاحقة، فإن الذين يراقبون الوضع اللبناني من الخارج بقلق و”يعتلون همّ اللبنانيين” شاهدوا حفل هذا الفنان، هذا “الزحف البشري”، وأطلعوا على ما صُرف فيه من أموال طائلة كان يُقال لهم إنها غير متوافرة لدرجة أن المستمع إلى ما يتعرّض له اللبنانيون من أزمات وإذلال وفقر وجوع أدمعت عيناهم، ولم يتمكّنوا من كبت مشاعرهم تجاه هذا الشعب المعذّب، وتعاطفهم معه إلى أقصى الحدود.
ولكن بعدما شاهدوا ما لم يشاهدوه من قبل استولت عليهم الدهشة والاستغراب، ولم يستوعبوا للوهلة الأولى أن ما يشاهدونه يحصل في البلد، الذي قيل لهم عنه إنه ينهار وينازع، واقتصاده في حال يرثى لها، وشعبه يجوع. فكيف يكون هذا الشعب، الذي “زحف” كثيرون منه بالثياب البيضاء لحضور حفلة لا يعود ريعها أو بعض منها لأعمال خيرية، أو لمساعدة من ليس في معجنه كسرة خبز، أو حتى لسداد ما يتوجّب على هذا الفنان من ضرائب لمصلحة الخزينة اللبنانية .
فكيف يمكن بعد هذا الحفل، الذي كان ناجحًا جدًّا، وحصد أرباحًا قُدّرت بمئات الآف الدولارات، أن نقنع الذين كانوا حتى الأمس القريب يتعاطفون مع لبنان، ويرسلون إلى مختلف فئات الشعب اللبناني، ومن دون تمييز وتفرقة ما يستطيعون إليه سبيلًا من مساعدات “فلس الأرملة”، بالاستمرار في وقوفهم إلى جانب من هم حقيقة في حاجة إلى هذا الدعم الانساني، وأن يدفعوا غيرهم إلى مدّ يد المساعدة لشعب يُسام بكل هذا العذاب؟
وهذا لا يعني بالطبع أننا ضد الفرح، وضد ثقافة حب الحياة، أو ضد الحفلات الفنية التي “تجتاح” لبنان بعرضه وطوله، وقد كنّا أول الذين شجعوا على القيام بمثل هكذا حفلات ترفيهية ترّوح عن النفس وتبعد الحزن، الذي يخيّم على المنازل، التي تفتقد هذه الأيام الحارة لقليل من “برودة” محرومة منها بفعل غياب “كهرباء الدولة”.
أذكر أنه في خلال الحرب القذرة، التي لم يوفرّ أذاها لا البشر ولا الحجر، زار وزير خارجية المانيا (لم أعد أذكر اسمه) بيروت للاطلاع على ما يحتاج إليه اللبنانيون من مساعدات ممكنة لكي يستطيعوا أن يصمدوا في وجه الأعاصير والمؤامرات، فرأى أن في عاصمة لبنان، الذي قيل له إنه يتعذّب كثيرًا، عددًا من سيارات “المرسيدس” يفوق أعداد السيارات الموجودة في المانيا كلها، وهي مصنّعة محليًا. وبعد هذه المشاهد قطع زيارته وعاد مسرعًا إلى بلاده، ولم يعد إليه إلاّ سائحًا.
صحيح أن الشعب اللبناني يحب “الكّيف والبسط والفرفشة”، وهو لا يترك مناسبة إلاّ ويكون مشاركًا فيها، حتى ولو اضطّر إلى الاستدانة، ولكن ما هو عكس ذلك هو الأصحّ. فلـ “الكيف والبسط والفرفشة” أوقات، ولكن لا يُخفى أن ثمة أناسًا، وأنا أعرف منهم كثيرين، ينامون من دون عشاء ليوفرّوا ما تبقّى في معجنهم لأولادهم. والأهمّ من كل هذا أن هذه “الظواهر”، التي ملأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لن تدوم، وهي كفقاعات الصابون، لا تلبث أن تتلاشى، حيث تظهر حقيقة الوضع بما فيه من بشاعات، وقد سارعت وزارة البيئة إلى لمّ ما تركه جمهور عمرو دياب من قاذورات وبقايا خلفتها “حضارة القمصان البيضاء”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook