في الشكل قبل المضمون.. لماذا استفزّت رسالة لودريان النواب؟!
فيما يترقّب اللبنانيون عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، المرتقبة في شهر أيلول، وسط توقعات “متشائمة” بشأن مصير مهمّته، خصوصًا بعد حادثة الكحالة، وما أفرزته من “تصعيد” لا يشجّع فكرة الحوار الوطني بين اللبنانيين، جاءت الرسالة التي وجّهها الرجل إلى 38 نائبًا في البرلمان، بينهم رؤساء الكتل ومجموعة من النواب المستقلين، لتتصدّر الاهتمام، بل تثير الجدل في الأوساط السياسية.
Advertisement
في رسالته، ذكّر موفد الرئيس إيمانويل ماكرون بزيارتيه السابقتين إلى لبنان، واقتراحه دعوة ممثلي الكتل النيابية إلى “اجتماع عمل” يرمي إلى توفير مناخ من الثقة وإتاحة اجتماع مجلس النواب في أعقاب ذلك لانتخاب رئيس، طالبًا من النواب الإجابة، خطيًا، وقبل نهاية الشهر الجاري، عن سؤالَيْن يتعلقان بالمشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية، والصفات والكفاءات التي يجدر بالرئيس المستقبليّ التحلّي بها.
ومع أنّ لودريان حافظ في أسئلته على صفة “الوسيط المحايد”، ولم يدخل في لعبة الأسماء، بعد انتقادات وُجّهت في وقت سابق لباريس على خلفيّة ما وُصِف بـ”دعمها” لأحد المرشحين، وتحديدًا رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، فإنّ رسالته “استفزّت” على ما يبدو شريحة واسعة من النواب، في الشكل قبل المضمون، ممّن اعتبروا أنّها أقرب إلى “ورقة الامتحان”، بل ذهب بعضهم لاعتبارها “إهانة دبلوماسية غير مسبوقة”.
الفكرة من الرسالة
بمُعزَلٍ عن الأصداء التي تركتها “رسالة” لودريان، يقول العارفون إنّ الفكرة منها جاءت في إطار “التحضير” لعودته إلى لبنان في شهر أيلول المقبل، وبالتالي تأمين فرص نجاح أكبر لمهمّته، من خلال توضيح مواقف الأفرقاء بشكل مكتوب وثابت، للوصول إلى قواسم مشتركة، يمكن أن تشكّل “منطلق” اجتماع العمل الذي سبق أن تحدّث عنه، ودعا إلى “حصره” في المسائل المتعلقة بانتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان.
يعتبر هؤلاء أنّ الظروف التي شهدها البلد في الآونة الأخيرة، بعد زيارة لودريان الثانية إلى بيروت، والتي زادت “التباعد” بين مختلف الأفرقاء، شكّلت بدورها “دافعًا” لتوجيه هذه الرسالة، ولا سيما أنّ هناك من لا يزال رافضًا، أو بالحدّ الأدنى، متحفّظًا على مبدأ الحوار، علمًا أنّ الأسئلة التي طرحها الرجل من المفترض أن ترسم “خارطة طريق” الاجتماع المرتقب، وتثبّت بشكل مكتوب تقارب وجهات النظر، خلافًا للاعتقاد الشائع.
ولعلّ اقتصار الأسئلة على الحديث عن المشاريع، أي برنامج الرئيس المقبل، والصفات والكفاءات، أي المواصفات المطلوبة في شخصه، من دون الحديث عن أسماء، تؤكد هذا المنحى وفق ما يقول العارفون، الذين يشيرون إلى أنّ لودريان تعمّد ذلك للقول إنّه طوى صفحة المبادرة الفرنسية السابقة، وإنّه يتحرك اليوم باسم المجموعة الخماسية بشأن لبنان بكامل أطرافها، وانطلاقًا من بيان الدوحة الشهير.
أسلوب “خاطئ”
لا تبدو هذه “التوضيحات”، إن جاز التعبير، “مقنعة” للكثير من النواب الذين يعتبرون أنّ المشكلة تبقى في “الأسلوب”، وفي الشكل بمعزل عن المضمون، ففكرة توجيه أسئلة إلى النواب، ومطالبتهم بالإجابة الخطّية عليها، وضمن مهلة محدّدة، لا يشبه بأيّ شكل العلاقات بين الدول، بل يبدو أقرب إلى طريقة “مدرسية”، وإلى “امتحان”، وكأنّ النواب “قيد الاختبار”، لضمان “التأهّل” للمشاركة في اجتماع العمل.
وإذا كان عدد من النواب عبّروا رغم ذلك، عن “مقاربتهم الإيجابية”، باعتبار أن “لا بديل” عن التجاوب مع الطرح الفرنسيّ، ولو أنّ بعض هؤلاء لم يُخفِ شعوره بـ”الاستفزاز” من أسلوب الرسالة، فإنّ نوابًا آخرين، ولا سيما في قوى المعارضة، ذهبوا بعيدًا في اعتراضهم، باعتبار أنّ الرسالة تشكّل “إهانة دبلوماسية غير مسبوقة”، وفق هؤلاء، مع كل التقدير للجهود التي يبذلها لودريان في سبيل تقريب وجهات النظر.
يبقى “الأخطر” من كلّ ذلك ما باتت بعض قوى المعارضة “تجاهر به” صراحةً لجهة رفضها فكرة الحوار، أيًا كان شكله، مع “حزب الله” وحلفائه، في ظلّ السلاح، بل المطالبة بـ”عقوبات” يقول العارفون إنّ من شأنها “تعقيد” المشهد، لا “تيسيره”، وهو ما يخشى العارفون أن تكون نتيجته العمليّة، “إفراغ” مهمّة الوسيط الفرنسي من مضمونها، قبل وصول الرجل، وبالتالي إسقاط “فسحة الأمل” الوحيدة لإنهاء الفراغ.
قد يكون في رسالة لودريان ما “يستفزّ” النواب فعلاً، الذين شعروا أنّهم عادوا إلى مقاعد المدرسة، حيث يخضعون لـ”الاختبار”. لكنّ الأكيد أنّ في أدائهم ما يفترض أن “يستفزّهم” أكثر، هم الذين يقتربون من “الاحتفال” بمرور عام كامل على فراغ رئاسي يعجزون عن ملئه، رغم أنّ هذا الفراغ يتمدّد أكثر فأكثر ويهدّد كلّ المؤسسات، بل إنّ بعضهم “يفاخر” بإغلاق أبواب الحوار والتفاهم، الكفيلة وحدها بإحداث “الخرق”!
مصدر الخبر
للمزيد Facebook