آخر الأخبارأخبار محلية

هذه هي مشكلة لبنان الأساسية

من كثرة المشاكل التي يعيشها لبنان هذه الأيام لم نعد نميّز بين ما هو مهمّ وما هو أهمّ. وقد يكون اعتبار الفلسطينيين، الذين يتقاتلون في مخيم “عين الحلوة”، الأراضي اللبنانية سائبة ومن دون أصحاب، من بين هذه المشاكل، التي يبدو أن لا حلول لها في القريب المنظور، تضاف إليها مشكلة أخرى لا تقّل خطورة عن الأولى، من حيث تداعياتها، وهي مشكلة النزوح السوري، الذي بات عبئًا ثقيلًا على صدور اللبنانيين، الذين لم يعد في إمكانهم تحمّل أكثر مما تحمّلوا نتيجة هاتين المشكلتين المستعصيتين على الحل، واللتين تنذران بعواقب وخيمة إن لم يسارع المجتمع الدولي إلى إيجاد حلول جذرية لهما، على العكس ما يفعله، حيث نجده يمعن بدوره في اعتبار لبنان أرضًا سائبة. 

 

 ولأن “الأرض السائبة تعلّم الناس الحرام” فإن المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على عاتق الذين تعاقبوا على المسؤولية اللبنانية منذ نكبة فلسطين حتى اليوم، ومنذ نزوح أعداد كبيرة من السوريين إلى لبنان هربًا من نار الحرب في بلدهم. فلو كان لهؤلاء المسؤولين بعضُ من بعد نظر لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، ولما كنا نعاني الأمريّن نتيجة هذا اللجوء وذاك النزوح.  

 

فلو لم يكن كل مسؤول يعتبر نفسه أنه على حقّ، وأن غيره على خطأ لما كان اللبنانيون مضطرّين اليوم لأن يعيشوا هذا الكابوس، إضافة إلى ما يعيشونه من كوابيس متلاحقة، سواء على المستوى السياسي، حيث تسير البلاد منذ ثمانية أشهر ونيّف من دون قبطان كسفينة تتقاذفها الأمواج العاتية، أو على المستوى المالي والاقتصادي، حيث تسود الفوضى من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر حلحلة. وقد يكون ما قاله الرئيس نجيب ميقاتي من أمام الصرح البطريركي في الديمان حول صعوبة تأمين رواتب الموظفين وشراء الأدوية للأمراض المستعصية أخطر كلام يُقال للدلالة على ما نحن واصلون إليه من أزمات مستعصية، أو من حيث الوضع الاجتماعي والتربوي والتعليمي، إذ أن هذه المشكلة ستظهر بقوة مع انتهاء شهر آب، شهر السياحة الاغترابية. 

 

فمشكلة اللبنانيين كمشكلة ذاك الزوج، الذي يشتكي دائمًا من أن زوجته لا تسمع جيدًا. فقيل له أن يحاول التكلم معها عن بعد 50 مترًا، فإن لم تسمع يقترب إلى مسافة 40 مترًا، وهكذا دواليك حتى يصل إلى مسافة العشرة أمتار. 
وبالفعل فقد ذهب هذا الزوج إلى منزله ووقف على مسافة الخمسين مترًا بعيدًا عن زوجته وسألها عمّا أعدّت له من طعام للغداء فلم تردّ. وحاول ثانية، ولكن عن بعد أربعين مترًا، ولم يصل إليه أي جواب. وكرّر التجربة حتى وصل إلى مسافة العشرة أمتار حين أتاه الجواب: “شو باك يا رجال صاير مش عم تسمع. صرت قايلتلك خمس مرّات دجاج بالفرن”. 

 

هكذا هي حال اللبنانيين بين بعضهم البعض، إذ يظن كل واحد منهم أن سمعه سليم، وأن سمع الآخرين خفيف. وهذه هي مشكلتهم، التي تكاد تكون الأهمّ من بين مشاكل كثيرة. وبينما يتلهون بهذه المشاكل المتراكمة والمتوالدة والمتوارثة نجد الغير يتمادى في اعتبار أرضنا سائبة، وقد يكون الآتي أدهى مما نشهده اليوم، سواء في “عين الحلوة” أو في أي “عين” أخرى، خوصًا أن اللبنانيين لا يؤمنون بهذا المثل الذي يقول أن العين لا يمكنها أن تقاوم المخرز، على رغم ما فيه من واقعية مرّة.    


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى