في السادسة والدقيقة السابعة من 4 آب 2020.. عروس خرجت من الموت ولم تعد إلى الحياة
ناحت “رحيل بيروت”، سكنها الجرح الذي لا يستكين. أصيبت في كبريائها وكرامتها، ضُربت في صميم مبادئها وطبيعتها أي أن تكون حيّة. عُلّقت على الصليب وهي بريئة، جريمتها أنها رفيقة مرفأ الإهمال وسماسرة الموت ونيترات الغدر. فُتح الجرح النازف، لن يبرد قلبها، لا ترميم المنازل ولا إعادة الإعمار ولا المساعدات ولا كلمات التّعازي. لن تمّحى تلك المشاهد والصور من وجدان أهلها. لا تزال بعض واجهات المباني الشّاهقة مكسورة الخواطر، والبيوت الحجرية القديمة التي يبلغ عمرها مئات السنين تعتمرها فتحات كبيرة. ولعلّ الشاهد الحزين الأكبر هو مؤسّسة كهرباء لبنان، لم تُرمّم مكاتبها، يسكنها العتمُ والهجران، تساوت في التعاسة وانقطاع التيّار مع العديد من بيوت اللبنانيين. وحدهم روّاد السهر يحوّلون دموع بيروت إلى خمرة معتّقة في كؤوس الحياة.
السواح يطوفون شوارعها وأدراجها وحاناتها ليلاً، ويقصدونها نهاراً لالتقاط الصور والتأمّل في تناقضاتها الرهيبة، أن يعيش الدمار إلى جانب الحياة. لم يألفوا هذه الأنماط والمشاهدات. الزوّار الغرباء عنها، يرونها قويّة، قائمة من تحت الرّكام. أمّا بالنسبة لسكّانها، فتغيّر طعمها ولونها، شفاء الذكريات صعبٌ. في كلّ بقعةٍ وزاوية وشارع، آلام محفورة في عقول وقلوب الكبار والصغار. الحزن والصدمة يوغلان عميقاً عميقاً في نفوسهم. غيّر الإنفجار ملامح المدينة، ومهما أعيد إعمارها وأزيلت الشوائب والشواهد الماديّة، ستبقى الصور الأولى متشبّثة بالذاكرة.
مرّت ثلاث سنوات على الرابع من آب، ولا تزال الحقيقة مطمورة تحت الركام، مع ضحايا وأشلاء وأحلام ابتلعها البحر، مع غصّات القلوب كلّما مرّت بجانب المرفأ، أو بمحاذاة إطفائية بيروت أو بموازاة تمثال المغترب اللبناني، أو في شوارع الجمّيزة ومار مخايل والرميل والصّيفي… ولعلّ الحسرة الأكبر التي تدمي الوجدان وتهزّ الأبدان هي عندما تعبر العدالة أمام قصور العدل. وحدها ثنائية “الحقيقة والعدالة” قادرة على بلسمة الجراح، على تشكيل قوّة تخطّ معنوية لجيل كامل، أصبح عنده مرفأ بيروت ورئة العاصمة والإنفتاح على العالم، مرادفاً للموت، للفواجع، لقطع الأعناق، لفقدان الأمل، لغياب الحقّ.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook