آخر الأخبارأخبار محلية

هل سيكون ما بعد الأول من آب كما كان من قبله؟

  

الأول من آب 2023 لن يكون كغيره من الأيام العادية، التي عاشها اللبنانيون على مدى ثلاثين سنة كان فيها رياض سلامة حاكمًا لمصرف لبنان. جُدّد له أكثر من مرّة، وآخرها كان في خريف العام 2017، بطلب وإصرار من الرئيس السابق ميشال عون، الذي تجاوز العرف الذي كان متبعًا طوال كل هذه السنوات، والتي تعاقب خلالها أربعة رؤساء جمهوريات، إذ كان وزير المالية هو الذي يقترح التجديد للحاكم، الذي اعتبر في حينه أنه رمز من رموز ثبات الليرة ومتانتها قبل أن تعصف بها فوضى مالية واقتصادية غير مسبوقة، وقبل أن يتحوّل رياض سلامة من “منقذ” إلى “فاسد وهادر للمال العام” من قِبَل من “استقتل” على التجديد له خلافًا للأصول. 

فمع بداية شهر آب يكون لبنان على عتبة أسبوع حافل بمحطّات بارزة، إضافة إلى انتهاء ولاية سلامة، تسبقها جلسة جديدة تعقدها الحكومة مخصّصة لمناقشة الموازنة، مروراً بعيد الجيش الثامن والسبعين، وصولاً الى إحياء الذكرى الثالثة لجريمة تفجير مرفأ بيروت، مع استمرار الشغور الرئاسي شهرًا إضافيًا من دون أن تلوح في أفق الأزمات المتراكمة والمتوالدة أي بوادر حل، في انتظار ما ستسفر عنه جولة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان العائد إلى بيروت في أيلول.  

ومع بداية مرحلة الغموض النقدي، خصوصًا أن التوجهات الجديدة للهندسيات المالية، التي سيعتمدها المصرف المركزي في هذه الفترة الحسّاسة من عمر الوطن، فإن أعين المواطنين لا تزال شاخصة على ودائعهم المجهولة المصير. فالهمّ بين جميع هؤلاء مشترك، ولا همّ سواه يعلوه. لا يفرّقون بين رياض سلامة أو وسيم منصوري أو حتى التسليم ببدعة “الحارس القضائي”. ما يهمّهم من كل هذه “الطبخة” ألا تفقد ليرتهم قيمتها الشرائية أكثر مما هي عليه الحال اليوم. ما يهمهم هو ألا يتخطّى سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية وغير الموازية العتبات المعقولة، وبالأخصّ في ضوء الأحاديث عن إمكانية وصول سعره إلى أرقام خيالية ومخيفة. 

لم يعد يهمّ المواطنين كثيرًا ما يدلي به من تصريحات هذا السياسي وذاك الزعيم. لم يعد يعني لهم الشيء الكثير إذا عاد لودريان بحل سحري أو لم يعد. لم يعودوا يهتمّون كثيرًا بما يجري جنوبًا وفي مخيم عين الحلوة. لم يعودوا قادرين على سماع النشرات الأخبارية المليئة بالأخبار المحبطة، باستثناء تلك التي تتحدّث عن المهرجانات و”همروجة” السياحة المؤقتة، التي لن تدوم طويلًا حتى يُبان المرج، مع ما فيه من وقائع غير سارة. 

فـ”المقايضات” السياسية الظرفية خبرها المواطنون في السابق، واكتشفوا أنها لن توصل إلى أبعد من مرامي القائمين بها. هي نوع من الهروب إلى الأمام، وهي نوع من التخدير الموضعي يلجأ إليه أولئك الذين يجدون أنفسهم أمام طريق مسدود. هي سياسة تُعتمد بين الحين والآخر لذرّ المزيد من الرماد في عيون الناس. هي محاولات فاشلة كسابقاتها، التي لم تؤدّ سوى إلى الاكثار من الحركة الفارغة من أي بركة، والتي تزيد من عمق الهوة، التي أوجدوا أنفسهم واللبنانيين فيها. 

فلعبة خلط الأوراق ليست جديدة على الساحة السياسية، إذ أنها تترافق عادة مع لعبة “الكشاتبين”، وما أكثر الذين يمتهنون تلك اللعبتين معًا. وقد يكون ما لمسه المواطنون في اليومين الأخيرين الدليل الساطع على مهارة هؤلاء اللاعبين، الذين أصبحوا محترفين في تمييع الأشياء، وفي التمويه والتعمية، حتى أن الموطن العادي، الذي شارك بطريقة أو بأخرى في هذه “اللعبة” عندما أعاد انتخاب الطبقة السياسية نفسها، لم يعد قادرًا على التمييز بين ما هو صالح وبين ما هو طالح، حتى أصبح الجميع في نظره متساوين من حيث المسؤولية في إيصال البلاد إلى ما وصلت إليه، على رغم أن هذه المسؤولية تبقى نسبية، أقله نظريًا. 
 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى