آخر الأخبارأخبار محلية

هذا ما يحتاج إليه لبنان

من يراقب ماذا يجري في هذا الوطن الصغير المعذّب يستغرب كيف أنه لا يزال واقفًا على رجليه. يعيش من دون رئيس للجمهورية. يدبّر أموره بالتي هي أحسن مع حكومة القرارات الضرورية على رغم ما تتعرّض له من هجمات. يتكيّف مع ارتفاع الدولار وغلاء الأسعار.

تسأل اللبناني عن سر بقائه صامدًا يجيبك بكل ثقة: “الله بيدّبر”. الأزمات تطوق هذا اللبنان من كل حدب وصوب وتراه في أحسن أحواله، أقّله ظاهريًا. المطاعم والمقاهي “مفولة”. لا تجد كرسيًا إلا بعد جهد جهيد. من كثرة “عجقة” السير لا يمكنك أن تصل من الدورة إلى جونية إلا بسحر ساحر، علمًا أن سعر “تنكة” البنزين يقترب إلى مستوى راتب موظف دولة أو عسكري في القوى الأمنية.

ما هذا السر، الذي لم يجد أحد له تفسيرًا منطقيًا وعلميًا؟ لم يفهم هذا الذي يراقب كيف أن اللبناني، الذي لا يتخطّى راتبه الثلاثمئة دولار بالشهر مثلًا، يصرف في هذا الشهر ما يوازي راتبه بثلاث مرّات. ومع هذا لا تجد أحدًا لا “ينق” ويشتكي ويتذمرّ. 

ومع مشهدية “عجقة” الطرقات، وما تشهده المطاعم والمقاهي من حركة ناشطة، ومع تكاثر ظواهر “الفرفشة”، لا يُخفى ما وراء بعض الجدران من ألم وجوع وغصّة. وإن كان لي بعض من دالّة على بعض عشاق السهر و”الكسدرة”، وهذا حقّهم الطبيعي، نصيحة بتخفيف نشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يسهرون أو يتنزهون أو يسوحون أو يتشمسون أو يرقصون أو يأكلون ، لأن لهم في هذا الوطن المعذّب أخوة ينام أبناؤهم وليس في معجنهم كسرة خبز. (نصيحة على الماشي).

ولكثرة استغراب هذا المراقب من هذه الازدواجية في حياة اللبنانيين لم يجد لكل هذه الظواهر غير الموجودة إلاّ في لبنان تفسيرًا سوى ما قاله أحد الخبراء الفرنسيين للرئيس فؤاد شهاب، الذي أوكل إليه مهمة إعداد دراسة مفصلة عن كيفية تنظيم الوضع الاقتصادي في لبنان: “إتركوا الأمور كما هي”، وذلك لأنه لم يستطع بعد ستة أشهر من دراسة الواقع اللبناني أن يفهم كيف تسير عجلة الحياة الاقتصادية وسط هذا الكمّ الهائل من الفوضى، ولم يكن الفساد قد تمّلك في مفاصل الدولة كما هي الحال اليوم.

فلبنان، الذي يسير وعين الله ترعاه، يستمّد قوة اندفاعه من هذه الفوضى، التي يصعب الخروج منها، حتى أن هذه الفوضى باتت سمة تلاحق اللبنانيين إلى أي بلد اتجهوا إليه، حتى أن بعض الأجانب ينتقدون الطريقة التي يعمل بها اللبنانيون في الخارج فيقولون لهم: on peut pas travailler ici a la libanaise ، مع الاشارة إلى أنه لولا مهارة اللبنانيين في المجتمعات الغربية لكان وضعها أسوأ مما يمكن تصوره.

وبالعودة إلى الازدواجية في الحياة اليومية للبنانيين لا بدّ من الاعتراف بأن لبنان لا يحتاج فقط إلى رئيس منقذ، وإلى حكومة تواكب مسيرة الانقاذ بخطوات إجرائية متلاحقة وسريعة، أو إلى مجلس نيابي يشرّع ويقرّ الإصلاحات المطلوبة دوليًا، بل يحتاج إلى عناية ربانية، لأن اللبنانيين قد سلّموا أمرهم منذ زمن بعيد إلى السماء بعدما وجدوا أن لا خير في ما هو على الأرض. 

 

هذا ما يحتاج إليه لبنان. ولولا هذه العناية لكان في خبر كان منذ زمان.   
 

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى