لمَن كانت الغلبة في مجموعة الدول الخمس؟
لا يزال بيان مجموعة الدول الخمس المعنية بالأزمة الرئاسية في لبنان هو الحدث الطاغي على الساحة السياسية حتى اشعار آخر، وذلك لما احتواه من مواقف ذات دلالات واضحة عمّا يمكن أن تكون عليه المرحلة المقبلة، وبالأخصّ في ما يتعلق بما سمي بـ “المبادرة الفرنسية”، التي نعاها البيان في شكل لا يقبل الشك. وما لم يتضمنه البيان قد يكون موازيًا من حيث الأهمية مع ما ورد فيه، من حيث تجاهله لموضوع الحوار، الذي كان الموفد الفرنسي جان ايف لودريان عازمًا على طرحه على الأفرقاء اللبنانيين المختلفين في الأساس على أسس هذا الحوار، الذي يريده “حزب الله” من دون أن يُشعر الآخرين بأنه مستعد للذهاب على خيارات أخرى كبدائل مقبولة من الجميع. وهذا ما رفضته “القوات اللبنانية” وأطراف أخرى في المعارضة، التي أبلغت الموفد الفرنسي عدم مشاركتهم في أي حوار قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
وانطلاقًا من أن العربة لا توضع قبل الحصان، فإن اللجنة الخماسية، ومن ضمنها فرنسا بالطبع، لم تشر إلى مسألة الحوار لا من قريب ولا من بعيد. وهذا يعني أن الخطّ الذي تعتمده المملكة العربية السعودية داخل هذه المجموعة في مقاربتها للأزمة اللبنانية، ومن ضمنها الملف الرئاسي، هو الذي تمّ التوافق عليه في النهاية، ووافقت عليه فرنسا بالطبع، لأنه حظي بموافقة الأطراف الأخرى.
ومن الأسباب المباشرة التي جعلت كلًا من الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر توافق على الطرح السعودي هو ما أبدته الرياض من مرونة واضحة في ما يتعلق بالأزمة الرئاسية اللبنانية، إذ كان موقفها واضحًا منذ البداية، وهي أبلغته إلى جميع من يعنيهم الأمر، ومفادها أن ليس لديها مرشح محدّد، وهي لم تشأ أن تدخل في “لعبة الأسماء”، وفضلت الاكتفاء بتحديد المواصفات، كما أنها لم تضع “فيتو” على أي اسم، حتى على اسم رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، مع تأكيدها المسبق أن أي مرشح لا يحظى بموافقة معظم الأفرقاء اللبنانيين ولا يكون طرفًا في أي خلاف لبناني – لبناني لن يكون خيارًا صائبًا، وبالتالي لا يمكنه أن يعيد علاقات لبنان بأشقائه العرب إلى ما كانت عليه قبل توالي أزمات الثقة.
فالرياض إذًا هي اليوم أقرب إلى الحياد في الموضوع الرئاسي أكثر من أي وقت مضى، وهي تفضل أن يتوافق اللبنانيون على الرئيس الذي يريدونه، وهي لن تتأخر في مباركة هذا التوافق، أياً كانت طبيعته.
أمّا من جهة واشنطن فهي تهتمّ بالنتائج والضمانات أكثر من الأسماء. فإذا تأكدّت أن العهد الجديد سيلتزم نهجاً معيناً، يكفل الاستقرار الداخلي ودور لبنان الإقليمي والدولي، فإنّها على الأرجح ستترك اللعبة السياسية تأخذ مداها في لبنان. وهذا ما فعلته عندما وقع الاختيار على شخص العماد ميشال عون، الحليف الأساسي لـ “حزب الله”.
أمّا طهران التي تقف متفرجة على ما يجري داخل مجموعة الدول الخمس، لأنها مطمئنة إلى الجبهة حليفها الأقوى في لبنان، أي “حزب الله” قادر على فرض المعادلة الرئاسية، التي تناسب وضعيته، وهي مقتنعة بأن تمرير أي تسوية من دون موافقته لن تبصر النور ولن تمرّ على “البارد”.
إذاً، ستبقى مجموعة الخمس دول في وضعية المراقبة والترقب حتى يحين موعد اجتماعها المقبل في منتصف أيلول، إذ ليس هناك أفق محدّد للتسوية. ومن شرب بحر شهور الفراغ فلن يغصّ بساقية أسابيع الانتظار.
وهكذا، يُستعاد السيناريو إيّاه الذي عاشه لبنان بين 2014 و2016، أي خلال فترة الفراغ الرئاسي التي أرادها «حزب الله»، مهما طالت، حتى تنضج الظروف فيأتي مرشحه إلى الرئاسة.
ولذلك، ليس هناك أفق زمني لانتظار التسوية. لكن الواضح أنّ جبهة خصوم إيران هي التي تتزعزع، حجراً تلو آخر.
في هذا الخضم، يبدو الصراع صغيراً وضيّقاً في لبنان فقط، وهو يتخذ شكل التنافس بين الأسماء والزعامات. وأما على المستوى الإقليمي والدولي، فالأهمية ليست للأسماء بل لضمان هذه المصالح أو تلك. ولذلك، في ملف الرئاسة، يبدو الطريق طويلاً وكل الاحتمالات تبقى واردة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook