آخر الأخبارأخبار محلية

ظروفه لم تنضج.. هل رُحّل الحوار إلى مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس؟!

 
بعكس الأجواء التي سبقته، خفّض اجتماع المجموعة الخماسية بشأن لبنان الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة مطلع الأسبوع، وضمّ ممثلين عن كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ودولة قطر وجمهورية مصر، أسهم الحوار إلى حدوده الدنيا، خصوصًا بالشكل التقليدي الجامع، الذي كان يُعتقَد أنّ الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان سيحييه في زيارته المقبلة إلى العاصمة اللبنانية بيروت.

Advertisement

 
لعلّ البيان الختامي الذي صدر عن الاجتماع شكّل خير دليل على ذلك، بخلوّه بالكامل من عبارة “الحوار”، ما شكّل برأي كثيرين انتصارًا للفريق الرافض للحوار، أو المتحفّظ عليه، بقيادة “القوات اللبنانية”، فيما اعتبره آخرون عاكسًا للتباين في مقاربة الحوار بين الدول الخمس نفسها، وإن كان الاعتقاد السائد بأنّها “تتقاطع” بشكل أو بآخر على عدم القدرة على الرهان على الحوار، في إحداث “الخرق” المُنتظَر على مستوى الاستحقاق الرئاسي.
 
وبنتيجة الاجتماع، ساد انطباع لدى كثيرين بأنّ الحوار “رُحّل” إلى مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس بالحدّ الأدنى، فظروفه لم تنضج بعد، لا على المستوى الداخلي، في ظلّ موقف المعارضة المتحفّظ، ولا على المستوى الخارجي، في ضوء إحجام الدول الكبرى عن دعم أيّ مسعى حواري، بل التهديد بإجراءات وعقوبات ضدّ معرقلي الانتخاب، فأين الحقيقة وسط هذه المعمعة؟ وهل يمكن القول فعلاً إنّ صفحة الحوار قد طويت نهائيًا؟!
 
لا حوار في المدى المنظور
 
قبل اجتماع الدوحة، كان كثيرون يعتقدون بأنّ العدّ العكسي للحوار قد بدأ، بل ثمّة من بدأ بوضع اللمسات الأخيرة على الطاولة التي ستجمع المتخاصمين، والتي قال رئيس مجلس النواب نبيه بري إنّها مجهّزة في البرلمان، لـ”تُفرمَل” الاندفاعة بالكامل بعد الاجتماع، لدرجة أن هناك من بدأ يشكّك بمصير مهمّة لودريان الذي كان قد غادر بيروت قبل أسابيع، بتعهّد بـ”تسهيل” الحوار بين اللبنانيين من أجل التفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية.
 
باختصار، يقول المتحفّظون على فكرة الحوار من الأصل، إنّ الفكرة قد طويت، بعدما رفضت الأطراف الدولية الانجرار إليها، ولا سيما أنّ رهان “حزب الله” وحلفائه كان منصبًّا على أن تشكّل هذه الجهات “قوة الإحراج” للقوى الداخلية الرافضة للحوار، وكان الاعتقاد بأنّ لودريان سيحصل على “دفع” دوليّ للمضيّ بالحوار، ما سيضع الرافضين له في موقف صعب، فيقدّمون تنازلاً جديدًا، يُضاف إلى سلسلة التنازلات الشبيهة التي حصلت في الماضي.
 
استنادًا إلى ذلك، يجزم أصحاب هذا الرأي بأنّ “لا حوار في المدى المنظور”، ولا سيما في ظلّ قناعة راسخة بأنّ الحوار بحدّ ذاته لا يستطيع إحداث أيّ خرق، والمطلوب الاحتكام بكلّ بساطة إلى الدستور من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي ديمقراطيًا، علمًا أن التلويح بخيارات وإجراءات يجب أن يكون رسالة بالغة الدلالات يفترض بالمتمسّكين بفكرة الحوار تلقّفها، فالحوار قبل انتخاب الرئيس لا معنى له اليوم، ولا يمكن أن يُطرَح للنقاش قبل ملء الفراغ.
 
ما البدائل المُتاحة؟
 
لكن، إذا كانت صفحة الحوار قد طويت بالفعل كما يوحي أصحاب هذا الرأي، ممّن يعتبرون أنّ ظروفه اللوجستية والسياسية لم تنضج، وأنّ المطلوب انتخاب رئيس للجمهورية قبل أيّ شيء آخر، فإنّ علامات استفهام تُطرَح عن “البدائل المُتاحة”، فهل من بدائل أصلاً؟ وكيف يُحَل “الاستعصاء الرئاسي” من دون حوار؟ وهل ثمّة من يعتقد بأنّ التلويح بإجراءات أو عقوبات، قد يدفع الأطراف إلى تغيير مواقفها وتسهيل الانتخابات بكلّ بساطة؟
 
لعلّ الحديث عن هذه “البدائل” هو ما ينبئ بالخطر المحدق، وفقًا للعارفين، ممّن يخشون أن يكون “السيناريو” إطالة أمد الفراغ الرئاسي أكثر فأكثر، في ظلّ المعطيات الحالية، بل إنّ السيناريو “السوداوي” الذي يتوجّس منه البعض هو “ترحيل” الحوار ليس لمرحلة ما بعد انتخاب الرئيس، ولكن ليكون “على الساخن”، بمعنى أن تفرضه أحداث وتطورات دراماتيكية قد لا يعود بالإمكان “ضبطها” إذا ما ذهبت البلاد إلى الفوضى والمجهول.
 
من هنا، ثمّة من يعتقد أنّ “لا بديل عن الحوار”، فالتفاهم هو مفتاح الحلّ الرئاسي، حتى لو كان صحيحًا أنّ الاحتكام إلى الدستور، أو ما يسمّيها البعض بـ”ديمقراطية التصويت”، هو الأنسَب، إلا أنّ دون ذلك مطبّات وعراقيل، طالما أنّ الفريقين المتنازعين “يتحكّمان” باللعبة عبر “سلاح النصاب” القاتل، ليبقى الاحتمال “الأقلّ سخونة” الذهاب إلى حوارات “مصغّرة”، ثنائية أو ثلاثية أو حتى رباعية، قد تسهم في حلّ الإشكال ومنع الاشتباك.
 
في المبدأ، قد يكون الحديث عن “ترحيل” الحوار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، منطقيًا، فالحوار بعد الانتخابات يكون في مكانه، بحيث يناقش عناوين العهد الجديد والسبل الآيلة لإنجاحه، ويبحث في الخطط العملية لتأمين ذلك، بعيدًا عن أيّ مقايضات أو محاصصات، على الطريقة اللبنانية. لكنّ المشكلة الكبرى تبقى أنّ مثل هذا السيناريو يفتقد إلى الواقعية، تمامًا كالاعتقاد بأنّ الرئيس يمكن أن يُفرَض من دون حدّ أدنى من التفاهم!


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى