آخر الأخبارأخبار محلية

سلاحٌ جديد بيدِ لبنان.. هكذا سينتهي توتُّر الجنوب


ليس عادياً أبداً التحرّك الأميركي على خطّ الأزمة الناشئة بين لبنان وإسرائيل بسبب خيم “حزب الله” في مزارع شبعا والإنتهاكات الإسرائيليّة في بلدة الغجر اللبنانية. الحراكُ الذي يحصل على صعيد السفارة الأميركيّة في عوكر لتطويق ذيول التوتر يكشف عن رغبةٍ أميركيّة في منع حصول أي تدهورٍ للأوضاع عند الحدود الجنوبية، وما يجري يعطي رسالة واحدة مفادها: “الإستقرار أولاً ولا للحرب”.  

ما تقومُ به الولايات المتحدة راهناً من دورٍ في إدارة المفاوضات الدبلوماسية بين لبنان وإسرائيل، يعيدُ الذاكرة إلى مرحلة البحث في عملية ترسيم الحدود البحريَّة التي بدأ الحديثُ عنها بجدية قبل نحو عامٍ تقريباً وسط مسارٍ شهد الكثير من الأخذ والرّد. حينها، سعت واشنطن للوصول إلى إتفاقٍ يضمن عدم حصول مواجهة عسكريّة بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي، وحقاً هذا ما جرى في النهاية. فبعد “كباشٍ طويل”، تم التوصل إلى الإتفاق وسط حفاظ كل طرفٍ على مكاسبه وشروطه. هنا، لا يمكن أن يُنسى الموقف اللبناني الموحّد تجاه الحقوق البحرية والذي شكّل قوة ضغطٍ كبيرة للوصول إلى الإتفاق يضمنُ حقوق لبنان بالحدّ الأدنى مع وجود عنصرٍ عسكريّ دعم الموقف وتمثل بـ”حزب الله”. كل ذلك لا يُمكن نكرانه بتاتاً، واليوم تتكرر المشهدية: توافق لبنانيّ على رفض الانتهاكات الإسرائيلية لبلدة الغجر، ودخول “حزب الله” على خطّ مواجهة الإسرائيليين من خلال الخيم المثيرة للقلق في أوساط تل أبيب العاجزة عن إزالتها بالوسائل العسكريّة. حتماً، يمارس الحزب هنا حرباً نفسية بكافة المقاييس، لكن هذا الأمرُ لا يعني في الوقت نفسه عدم الإستعداد لحربٍ فعلية. بشكل أكيد وجليّ، يعي الإسرائيليون والأميركيون تماماً أن “حزب الله” على أهبة الإستعداد لخوض معركة مفتوحة طالما أن هناك “مسوغاتٍ” تقتضي ذلك، وطالما أن هناك دوافع واضحة وعلنية وانتهاكات فاضحة بإمكانها أن تؤدي إلى التوتر ومن دون أي ملامة. فاليوم، هناك إنتهاكٌ إسرائيلي لأرضٍ لبنانية، ومن الممكن والجائز أن يبادر الحزبُ لإطلاق شرارة المواجهة إستناداً لتلك الذريعة.. أما على الجانب الإسرائيلي.. فما الذريعة لخلق مواجهة مع حزب الله؟ خيمة في أرضٍ لبنانية تشهد أيضاً على إنتشارٍ لآلاف المقاتلين على مساحة واسعة بمحاذاة الحدود؟ 
الأميركيون يُدركون كل ذلك حقاً، ويعتبرون أنَّ المجازفة بالحرب لن تأتي إلا بعد إطلاق رصاصةٍ أولى من الجانب الإسرائيلي. أما “حزب الله” فلديه الكثير من الوسائل التي يمكنه من خلالها مجابهة إسرائيل من دون هدر أي طلقة أو صاروخ. فعلياً، الحرب على الصعيد النفسي هي الأصعب، فالإسرائيليّ يشاهد خيمة تضمّ مقاتلين ولا يمكنه فعل أي شيء، وهنا المفارقة الكبرى. أمام هذا السبب، استعانت تل أبيب بالإتصالات الدبلوماسية عبر الأميركيين، وهذه انعطافة نوعية جداً لمسار الصراع.. فمنذ متى تلجأ إسرائيل للوسائل السلمية والدبلوماسية لحل نزاعٍ مع لبنان؟ ما هي المصلحة الأميركية والإسرائيلية من ذلك؟ 

الأرضية التي يريدها الأميركيون في لبنان تتصلُ بضرورة الحفاظ على الإستقرار لاسيما مع اقتراب موعد بدء التنقيب عن الغاز البحري خلال شهر آب المقبل. بالنسبة لواشنطن، فإن هذا التنقيب يعدُّ ثمرة جهودٍ مُضنية خاضها الأميركيون للإستفادة من غاز البحر الأبيض المتوسط وسط الحرب الروسية – الأوكرانية. وأمام الضغط الكبير، فإن واشنطن لن تُفرّط بالمكسب الذي تنتظره بسبب إستفزازٍ وإبتزاز يجري بين لبنان وإسرائيل، كما أنها لن تقبل بأن تفتح الأخيرة حرباً ضد “حزب الله” بسبب خيمة، وبالتالي الإطاحة بما تمّ زرعه على صعيد الغاز والنفط في لبنان وإسرائيل. إلا أنه في المقابل، ونظراً للمخاوف الإسرائيلية من إندلاع معركة، فإن لبنان قد يُحصّل ما يريد حالياً، ومن دون “أي طلقة رصاص”، سينجح الأميركيون في منحه مطلبه القاضي بتراجع الجيش الإسرائيلي في الغجر وإزالة تحصيناته الأمنية هناك. حتماً، المصلحة في هذا الأمر ستأتي من ورقة القوة المتمثلة بالتنقيب المُقبل، ولولا ذلك لكانت المعارك عند الحدود الجنوبية اندلعت منذ زمن. 

لهذا، واستناداً إلى كل المعطيات، فإنّ الأميركيين يريدون التهدئة اليوم قبل الغد، وبـ”العربي الدارج”، فإنّ “أميركا ما بدا تخربها لأن في شي أهم من خيمة وكم سياج”.. كذلك، فإن ما تخشاه أميركا أكثر هو أن تؤدي المعركة المُحتملة إلى تضرر منصات الغاز في الداخل الإسرائيلي بسبب صواريخ “حزب الله” الدقيقة، ما يعني انكساراً لكل المحاولات التي حصلت طيلة السنوات الماضية للإستفادة من الغاز سياسياً واقتصاديا خصوصاً وسط أزمة الحرب الأوكرانيَّة. 

هكذا ستكون النهاية
في خلاصة القول، يمكن الإشارة إلى أنّ سلاح الغاز هو الذي سيفيد لبنان مرة جديدة ويعطيه المكاسب التي يريدها. فبسبب المصالح المتقاطعة، سترى الأميركيين يتهافتون للحل وتحديداً لصالح لبنان مع مراعاة إسرائيل أيضاً. الأمرُ هذا ما كان ليحصل لولا دخول ورقة ضغط جديدة تسمى “الغاز”، وبالتالي فإنّ المسار الذي ستسلكه أي مواجهة سيشهدُ على خضّات كبرى على صعيد ورقة الضغط تلك.. فهل ستُفرّط إسرائيل بما لديها من مقدرات بسبب إستفزاز ينتهي بخطوة؟ هل ستسمح واشنطن لتل أبيب بهدم كل ما تم بناؤه بلحظة ومنح لبنان ما يريده بسهولة وبدبلوماسية؟ من يقرأ ما يقوله المحللون الإسرائيليون سيرى أنهم يترحمون على القدرات العسكرية التي كانت تظهر أمام لبنان، لأنها اختفت الآن ولم تعد مستخدمة بتاتاً حالياً لفرض أي شيء. فعلى العكس تماماً، بات لبنان في موقعٍ قوي جداً والتفاوض معهُ بات أكثر جدية، كما أن هامش قدرته على تحصيل ما يريد بات أوسع من السابق. بكل واقعية، هذه هي المعادلة القائمة حالياً، والأيام المقبلة ستكون شاهدةً على أمرٍ من إثنين: الأول حربٌ ومواجهة وإعادة خلط أوراق مُجدداً – الثاني ويتمثل بالسلم والحلحلة الدبلوماسية، والأقرب للتحقق هو السيناريو الأخير..  


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى