آخر الأخبارأخبار محلية

الضرورة الملحة تفرض… تعيين حاكم جديد للمركزي من دون قسم اليمين

تنتهي في 31 تموز الجاري ولاية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة الذي شغل منصبه منذ عام 1993، غير أن مصير التعيين أو التمديد لسلامة لأشهر محدودة أو تولي نائبه وسيم منصوري منصب الحاكم، كل ذلك يخضع للتجاذبات في ظل الخلاف السياسي حول السيناريو الواجب السير به.

ومع اقتراب العد العكسي لنهاية تموز دعا نواب حاكم مصرف لبنان إلى ضرورة تعيين حاكم جديد في أقرب وقت، وإلا سوف يضطرون إلى اتخاذ الإجراء الذي يرونه مناسباً للمصلحة العامة. وبحسب المعلومات فإن هؤلاء يرفضون اتخاذ قرارات قد ترتد سلباً عليهم من جراء الأزمة النقدية ولا يريدون تحمل مسؤولية قرارات لم يتم اتخاذها من قبلهم وأحيانا لم يكونوا موافقين عليها.

ومع ذلك تشير بعض المعطيات المتوافرة إلى أن السيناريو الأكثر ترجيحاً يبقى بتولي منصوري، منصب حاكم مصرف لبنان، لحين انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة، وتعيين حاكم جديد، في حين أن مصادر سياسية تعتبر أن لا مفر أمام الحكومة التي تقوم بتصريف الأعمال سوى تعيين حاكم جديد. وقد تظهر ذلك بتأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس أنه ” مع تعيين الضرورة أياً تكن هذه التعيينات. في حكومة تصريف الأعمال عند الضرورات تباح المحظورات”.

الأكيد أن الشغور في منصب الحاكم، سوف يعطل عمل المجلس المركزي، وسوف يترك أثرا سلبياً لجهة ارتفاع سعر الصرف وكيفية التعاطي مع “منصة صيرفة”، فمهمات المجلس المركزي وفق المادة 33 من قانون النقد والتسليف هي:

1- يحدد سياسة المصرف النقدية والتسليفية.

2-يضع أنظمة تطبيق هذا القانون.

3-يحدد، على ضوء الأوضاع الاقتصادية، معدل الحسم ومعدل فوائد تسليفات المصرف ويتذاكر في كل التدابير المتعلقة بالمصارف.

4-يتذاكر في إنشاء غرف المقاصة وتنظيمها.

5-يتذاكر في الأمور المتعلقة بالإصدار.

6-يتذاكر في طلبات القروض المقدمة من القطاع العام.

7-يضع سائر الأنظمة المتعلقة بعمليات المصرف.

8-يتذاكر في الشؤون المتعلقة بعقارات المصرف، أو بحقوقه العقارية، كما يتذاكر في رفع الحجوزات العقارية أو الاعتراضات أو التأمينات العقارية وفي التنازل عن الامتيازات أو الحقوق وفي مشاريع التحكيمات والمصالحات المتعلقة بمصالح المصرف.

9-يضع النظام الخاص المتعلق بالحاكم وبنائبي الحاكم المنصوص عليه في المادة 22 والنظام العام لموظفي المصرف.

رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية والعميد في “الجامعة الدولية للأعمال” في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص يعتقد أن الكتاب الذي وقعه النواب الأربعة للحاكم هو إجراء استباقي يكسبهم خطوط دفاع استباقية استدراكا لأي مسؤوليات ستقع عليهم مع الإطالة في فترة الشغور الرئاسي وتصريف الأعمال والاستنكاف عن تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان حسبما تؤشر إليه الأمور. أما عبارة الإجراء المناسب الذي يمكن أن يتخذه نواب الحاكم، فهذا الإجراء، بحسب ما يؤكد مرقص لـ”لبنان24″ ليس بالضرورة حتميا، لكن يمكن أن يكون على نحو استقالة فردية أو جماعية، بمعنى أن تكون الواحدة تلو الأخرى، لكن ذلك أيضا ليس بالأمر السهل بسبب المسؤولية الملقاة عليهم حتى عند تقديم استقالتهم في هذا الظرف الحرج والحاد والاستثنائي بسبب الظروف النقدية والمصرفية والمالية غير المسبوقة التي تمر بها البلاد، مما يجعل الاستمرار في المنصب مكلفا وكذلك الاستقالة مسؤولية أيضا.

الأصل، بحسب مرقص، أن الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال تقوم فقط باتخاذ القرارات الضرورية اللازمة وبالحد الأدنى لاستمرار المرافق العامة وبالتالي لا بد من التفريق بين الأعمال المصرفية التي لا يعود للحكومة القيام بها والأعمال العادية المتعلقة بتسيير المرفق العام. وبالتالي فإن التعيينات الإدارية لا تقع في المبدأ ضمن صلاحيات الحكومة التي تقوم بتصريف الأعمال خصوصا متى يأتي الأمر لحاكم مصرف لبنان الذي وإن كان يُقترح تعيينه من قبل وزير المال وفق المادة 18 من قانون النقد والتسليف، إلا أن العرف درج على أن يقوم رئيس الجمهوريّة بتزكية تعيينه في مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي عدد أعضاء مجلس الوزراء على اعتبار أنهم من الفئة الأولى التي تتطلب هذه الأكثرية الموصوفة للتعيين.

أما وأن الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية في البلد هي ظروف حادة واستثنائية جدا وتنذر بانهيار شامل وسريع أكثر مما هو عليه الأمر راهنا بسبب الإطالة والتمادي في عدم إنتخاب رئيس للجمهورية حيث لا أفق يلوح في ذلك، وبالنظر إلى قرب انتهاء ولاية الحاكم وتحذير نوابه أمس من عدم انتخاب حاكم جديد الأمر الذي يحدث ضررا كبيرا على المرفق العام النقدي والمصرفي، فإن هذه الضرورة الملحة، كما يقول مرقص، يمكن الاستناد إليها لتعيين حاكم جديد للمركزي قياسا على تجارب حديثة حصلت مع الحكومة السابقة لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي في العام 2013 مع تعيين رئيس وأعضاء هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية، وقبلها (أي قبل أن يضيق مفهوم تصريف الأعمال قبل الطائف) مع حكومة الدكتور سليم الحص، رغم أن المعنى الضيق لتصريف الأعمال قد ضاق مع التعديلات الدستورية التي أتى بها اتفاق الطائف في أيلول العام 1990.

يبقى أن حلفان اليمين وفي حال تعيين حاكم لمصرف لبنان في مثل هذه الضرورات النقدية يمكن تأجليه أسوة بما حصل مع رئيس لجنة الرقابة السابق الدكتور سمير حمود وآخرين، يقول مرقص. ذلك كله مع الخشية من تحريك الوضع النقدي في البلاد سواء بسبب التدهور الحاصل أو لأسباب مصطنعة مختلفة يمكن أن تؤدي إلى افتعال المزيد من الانهيارات المصرفية والنقدية والتي معها يتحكم تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي من قبل حكومة تصريف الأعمال، وذلك على نحو استثنائي وضيق جداً، فمفهوم تصريف الأعمال وإن كان ضيقا فهو يتسع مع الإطالة في فترة الشغور الرئاسي.

أما مدير “مركز إشراق للدراسات”، الباحث في الشأن الاقتصادي والسياسي الدكتور أيمن عمر فيقول لـ”لبنان24:” الأصل في الدساتير والقوانين أنها وُضعت لتنظيم المجتمعات وتسيير شؤون الناس، وأن الالتزام بها وتطبيقها يجعل من المجتمعات في حالة من التوازن والاستقرار، وهذا ما نفتقد إليه في لبنان حيث القاعدة العامة فيه هي خرق الدستور والقوانين. ويأتي في هذا الإطار قضية انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان في نهاية تموز الحالي، وما سيسفر عنها من إشكاليات كبيرة متعلقة بشغور المركز ومن سينوب عنه في حال عدم تعيين حاكم أصيل.

إن أساس المشكلة هي في الفراغ التي تعاني منه المواقع الدستورية الأهم في الدولة اللبنانية وهي رئاسة الجمهورية وتاليًا رئاسة الحكومة، وما يستتبعها من فراغ أيّ موقع وظيفي آخر سواء عسكري أو مالي أو مدني. هذا الفراغ الدستوري جعل من قضية انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان مشكلة وطنية كبرى تضاف إلى قائمة مشاكل الوطن.

ومع ذلك بالعودة إلى القانون الناظم لكل المسائل النقدية وهو قانون النقد والتسليف الذي يحدّد حالة الشغور ومن يتبوأ المركز الشاغر في الحاكمية، فالمادة 25 منه تنصّ على أنه: “بحال شغور منصب الحاكم يتولّى نائب الحاكم الأول مهام الحاكم ريثما يُعيّن حاكم جديد”. والقانون واضح أن نائب الحاكم الأول وهو شيعي المذهب وهو من يتولّى هذا الموقع، لأن عقلية 6 و6 مكرر قد فرضت، وفق عمر، تركيبات كهذه في هرمية الدولة ووظائفها، وأقرّ الدستور اللبناني ذلك في وظائف الفئة الأولى، وكلمة ريثما تعني أنه تولّي مؤقت ينتهي مع تعيين حاكم جديد.

وهنا تكمن الإشكالية الخطيرة وفق تركيبة النظام السياسي وعقلية المحاصصة الطائفية والمذهبية وهي أن الحاكمية بالأصل هي من نصيب الموارنة وفي حال الشغور ستؤول إلى الطائفة الشيعية وما ينتج عنه من اختلال التوازنات وتداعياتها. ورغم أنه من الطبيعي ان يحدث هذا الأمر لأن القانون ينصّ على ذلك، لكن في لبنان سوف يتحوّل إلى مشكلة مذهبية ووطنية كبيرة.

لا يعتقد مدير “مركز إشراق للدراسات” أن استقالة نوّاب الحاكم ستحلّ من هذه المشكلة إنما ستزيدها تعقيدًا حيث سيصبح الشغور في المجلس المركزي لمصرف لبنان غير محصور في موقع واحد فحسب، وبالتالي سيتعطل مصرف لبنان عن القيام بأبسط مهامه وأدواره، وما لذلك من نعكاسات أكثر من خطيرة على كلّ المستويات.

إن ما هو مطروح حاليًا هو استلام نائب الحاكم الأول منصب الحاكمية والقيام بمهام هذا الموقع بالتعاون مع باقي أعضاء المجلس المركزي، والاستمرار بنفس الإجراءات المتّخذة حاليًا في المجال النقدي والمصرفي، وفق رأي عمر، فزيارة نائب الحاكم إلى الولايات المتحدة إنتهت كما ترددت بعض المعلومات، بحصوله على الضوء الأخضر الأميركي لحلوله مكان سلامة، نظرًا لأهميّة هذا الموقع وتأثير الولايات المتحدة الأميركية عليه.

والسؤال الأهم بالنسبة إلى عمر، هل سيكون ذلك مقدّمة لتغيير في بنية النظام السياسي وفي موازين القوى وتوزيع المواقع والمراكز فيه؟ أم أن الأمور ستعود إلى سابق عهدها بعد ملء الشغور في رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة وعودة الانتظام العام وتشكيل السلطات من جديد؟

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى