آخر الأخبارأخبار محلية

مهمّة لودريان المستحيلة وقراءاتها المتباينة.. ماذا بعد زيارة الإصغاء؟!

في ختام زيارته “الاستطلاعية” الأولى إلى لبنان، بعد تعيينه موفدًا شخصيًا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل لبنان، قال وزير الخارجية الفرنسي الأسبق جان إيف لودريان إنه أرادها أن تكون “للإصغاء”، فالتقى بالسلطات المدنية والدينية والعسكرية، على أن يرفع تقريرًا إلى ماكرون، قبل أن يعود مجدّدًا “في القريب العاجل”، مبرّرًا بذلك بحقيقة ساطعة، وإن قلّ مدركوها، وهي أنّ “الوقت لا يعمل لصالح لبنان”.

 
لكن، قبل أن تنتهي زيارة الرجل “الاستطلاعية”، كانت التحليلات والتفسيرات لأبعادها ومعانيها ودلالاتها تأخذ مداها، وسط تفاوت، بل “تناقض” في القراءات بين فريق وآخر، وفقًا للأهواء السياسية، وربطًا بما حُكي في وقت سابق عن “مبادرة” قوامها انتخاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية رئيسًا، وهي “المبادرة” التي سارع خصوم الأخير إلى “نعيها”، باعتبار أن لودريان “طوى صفحتها”، وفق “الحكم” الذي أصدره هؤلاء.
 
وفي حين كان لافتًا حديث لودريان في بيانه “اليتيم” حول الزيارة أنّه سيعمل على “تسهيل حوار بنّاء وجامع بين اللبنانيين من أجل التوصّل إلى حلّ (..) للخروج من الفراغ المؤسّساتي والقيام بالإصلاحات الضرورية”، تُطرَح علامات استفهام بالجملة، ماذا بعد زيارة “الإصغاء”، التي تفاوتت “تقييماتها”، وإن أجمع المعنيّون على أنّها لم تحقّق خرقًا بعد؟ وهل يتجاوب اللبنانيون مع مساعي الرجل، أم أنّ “مهمّته” ستكون “مستحيلة”، كما وصفتها صحافة بلاده أصلاً؟!
 
“تناقض” القراءات
 
في المبدأ، يمكن الانطلاق من “التناقض النافر” في قراءة أبعاد الزيارة، للاستنتاج بأنّ أيّ “خرق” لم يحصل بعد على خط الاستحقاق الرئاسي يمكن البناء عليه، فعلى الرغم من أنّ الموفد الرئاسي الفرنسي حرص، بل تعمّد أن يلتقي جميع المعنيّين، من مرشحين معلنين أو مضمرين أو محتملين، وأحزاب وقوى أساسيّة، ومع تجنّبه الغوص في أيّ نقاش جدّي حول الأسماء والسيناريوهات، سعى كلّ فريق إلى توظيفها لمصلحة خياره الخاص.
 
فبالنسبة إلى خصوم رئيس تيار “المردة” مثلاً، كان الواضح أنّ لودريان جاء إلى لبنان طاويًا صفحة ترشيح سليمان فرنجية بصورة نهائية، وما اللقاء الذي جمعه به، وتخصيصه بدعوة الغداء، سوى من باب “رفع العتب”، بل إنّ بين هؤلاء من التقى لودريان، وخرج “حاسمًا” بأنّ الرجل تحدّث عن “مرحلة جديدة”، ناعيًا تلك التي سبقتها، في إشارة إلى “المقايضة” التي حُكي الكثير عنها، وإن نفت فرنسا سابقًا أن يكون لديها مرشح “مفضّل”.
 
في المقابل، جاءت قراءة المحسوبين على رئيس تيار “المردة” ومؤيديه مغايرة في الشكل والمضمون، ففرنجية وصف اللقاء الذي جمعه بلودريان بـ”الإيجابي”، وتحدّث عن حوار “بنّاء”، وأوساط مؤيّديه نفت أن تكون استشعرت أيّ “تراجع” فرنسي عن المبادرة السابقة، وإن لم تعد مطروحة لوحدها على الطاولة، علمًا أنّ بين هؤلاء من تحدّث عن “تمسّك” بالمبادرة، مع تغييرات قد تطرأ على مفاعيل “التسوية” التي تقوم عليها.
 
ماذا بعد الزيارة؟
عمومًا، وبمعزل عن قراءة أبعاد الزيارة، وتبعاتها على المبادرة السابقة، والتغييرات التي يمكن أن تكون قد طرأت عليها، فإنّ الأنظار تتّجه إلى مرحلة “ما بعدها”، خصوصًا في ضوء التسريبات التي تكهّنت بأنّ المرحلة المقبلة ستشهد على “زيارات” بالجملة للموفد الرئاسي الفرنسي، قد تكون الأولى بينها في غضون أيام فقط، وسط شبه يقين أنّها ستتمّ في شهر تموز، علمًا أنّ هناك من تحدّث عن “مهلة” منحتها باريس لنفسه، لا تتخطى أيلول أو تشرين.
 
صحيح أنّ هناك من يعتبر أنّ زيارة لودريان جاءت لملء “الوقت الضائع” ليس إلا، باعتبار أنّ باريس كانت تدرك سلفًا مواقف الأفرقاء من الاستحقاق الرئاسي، وقد استمعت إلى الكثير منهم بشكل مباشر في الفترة الأخيرة، لكنّ العارفين يعتبرون أنّ الرجل أراد أن “يجسّ النبض” قبل الإقدام على أيّ خطوة، مرجّحين أن يستكمل جولته “الاستطلاعية” بلقاءات أخرى، قد تشمل “أصدقاء لبنان” المعنيّين بالشأن الرئاسي، والذين يمكن أن يمتلكوا “كلمة السرّ”.
 
ولعلّ “الحوار الشامل” الذي تحدّث عنه وزير الخارجية الفرنسي الأسبق قد يكون “الخطوة المقبلة”، وفقًا للعارفين، الذين يؤكدون في الوقت نفسه أنّ باريس لن تذهب إلى مثل هذه الخطوة ما لم تضمن نتائجها سلفًا، ولا سيما في ظلّ “رفض” لا يزال بعض الأفرقاء يبديه لأيّ مبادرة حوارية، كما أنّها لن تقدم عليه “من الفراغ”، ما يعني أن أيّ حوار ستدعو إليه سيكون مبنيًا على أساس “صلب”، قد يكون مبادرة فعليّة وقابلة للتطبيق، وهنا بيت القصيد.
 
لم يكن مُنتظَرًا أن تحقّق زيارة لودريان الأولى أيّ خرق، فالرجل حرص في مستهلّها على نفي حمله لأيّ “مبادرة”، وتعمّد في ختامها القول إنّه جاء “للإصغاء” ليس إلا. مع ذلك، يقول العارفون إنّها “ثبّتت” أكثر من حقيقة مطلقة، أولها وربما أهمّها، أنّ أيّ حل لا بدّ أن يمرّ بالحوار، بمعزل عن الفيتوات، فالتفاهم بين اللبنانيين هو المفتاح، وقد يكون لاستخدام مصطلح “تسهيل” الحوار، لا “رعايته” دلالاته على هذا الصعيد!


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى