آخر الأخبارأخبار محلية

بينهم وبيننا… موتهم مبكٍ وموتنا عابر

مأساة حقيقية عاشها العالم ووجع أليم خض مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الاتصال التقليدي منها والحديث، بعد ان تم التأكيد أن الحطام الذي عثر عليه قرب بقايا سفينة “التيتانيك” شمال المحيط الأطلسي تم تقييمه على أنه من الجسم الخارجي للغواصة “تيتان” المفقودة.

وتضاعفت المأساة، عندما اتضح بشكل نهائيّ، ان حكاية الغواصة التي أراد من هم على متنها استكشاف اعماق البحار والوقوف على تجربة مرة عرفها “الاطلسي” قبل سنوات طوال، انتهت برفع العلم الأبيض والاستسلام للمياه التي لا تعرف الحرب ولا الصراع، ولا نية لها في مهاجمة الانسان كما لا رغبة لها في وضع حدّ لحياة اي كائن بشري، لكن بكل بساطة لها قوانينها التي من الصعب خرقها وهذا ما أثبتته التجارب عبر التاريخ.

في هذا الاطار، لا يكمن الهدف في مهاجمة العلم والتطورات الكثيرة التي يؤدي اليها، اذ انه احد المسارات التي تؤدي الى بلورة الحياة واتخاذها انماطا جديدة، ما يجعل الحضارات تعيش مراحل تراكمية تدفع كل مرحلة الى ولادة أخرى مع ما ينتج عنها من مفاهيم وعناوين جديدة ومختلفة.

لكن وعلى الرغم من اعتبار العلوم احد اهم مرتكزات تطور الحياة، لا بد من طرح علامات الاستفهام حول أشكالها في بعض الأحيان التي قد لا تتفق مع الطبيعة التي بدورها خلقها الله لسبب أو آخر كما هي، فاتحاً الباب وداعياً العلوم الى التماشي معها لا السير عكسها.

وهذه جدلية كبيرة قد تحتاج الى عرض أفكار متناقضة بعضها ديني وبعضها الآخر علميّ، حتى يتم الاجابة عنها بشكل دقيق وموضوعي، علماً ان التحاليل الكثيرة الواردة عن هذا الموضوع تبدو حتى الساعة غير كافية وشافية بالنسبة لكثيرين.

وموضوع الغواصة التي انتهت حكايتها بوفاة 5 أشخاص (ستوكتون راش،هاميش هاردينغ، بول هنري نارجوليت وشاه زاده داوود وابنه سليمان) كانوا على متنها يفتح بحدّ ذاته علامة استفهام جديدة وقديمة في الوقت نفسه مرتبطة بشكل مباشر في كرامة الانسان وكيف تتعاطى معها الدول المختلفة.

وفي هذا المجال، قد يكون من المفيد جداً العودة الى بعض التقسيمات التي سبق وتبنتها الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والتي تقول بوجود دول متقدمة واخرى متخلفة، وبتسمية أخرى تؤكد وجود دول عالم اول وعالم ثالث، باشارة واضحة الى الفروقات ما بين مواطني الدول الحديثة والاخرى الباحثة عن الحداثة.

وقد لا يكون غريباً، ان قيل، ان الموت لا يساوي فعلاً بين كل الناس، وهنا وبعيداً عن المعتقدات الدينية واستناداً الى المشاهدات الأرضية، يبدو ان الموت يقوم بدوره بالتمييز بين مواطنين كانت لهم الفرصة في ان يولدوا ويترعرعوا في دول لها طابعها المؤسساتي وتحمل في طياتها احتراما واسعا لكرامة الانسان وهذا ما يظهر من خلال تأمينها كل ما يعزز عيش المواطنين بصورة كريمة، بعيدا عن مختلف أشكال العبودية التي قد تنتج عن الحاجة للطبابة، الدواء، المأكل والمسكن وغيرها الكثير من التفاصيل.

فما حصل من تغطية اعلامية تقليدية وحديثة شاملة وتضامن عالميّ واسع مع ركاب الغواصة، على الرغم من صوابيته انطلاقا من اهمية التضامن الانساني والأخلاقي لاسيما في الاوقات العصيبة وأوقات الموت، قد يكون من المجدي بحثه من باب الهوة الواسعة التي تفصل العالم الاول عن الثالث.

وفي هذا السياق، تطرح علامات الاستفهام التالي نفسها:

هل يتذكر العالم أسماء من فارقوا الحياة هربا من الجوع قبالة شاطىء طرابلس؟

هل يتذكر العالم اعداد الوفيات الهائلة التي نتجت عن عبارات الموت الهاربة من قساوة الحياة في سوريا والعراق ولبنان وغيرهم؟

وهل يمكن للعالم ان يخبرنا عن حكايات أبناء فلسطين المحتلة الذين شردوا وقتلوا وانتهكت كرامتهم بشكل مستمر؟

وهل يحفظ العالم عيون الاطفال المشردين واللاجئين والنازحين بسبب الدمار وآلات القتل التي لم تتوقف بعد في السودان واوكرانيا وغيرهما؟

وغيرها الكثير من الأسئلة التي من الممكن وضعها في خانة: ” موتهم مبكٍ وموتنا عابر.”


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى