آخر الأخبارأخبار محلية

الراعي: دولة لبنان لم تولد من العدم وبسحر ساحر

أطلق المركز الماروني للتوثيق والأبحاث برئاسة رئيس مجلس الأمناء المطران سمير مظلوم كتابه الجديد “لبنان الكبير – المئوية الأولى”، في احتفال اقيم في قاعة المحاضرات في الصرح البطريركي في بكركي، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وحضوره ووزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال القاضي عباسى الحلبي، رئيس “لقاء الهوية والسيادة” الوزير السابق يوسف سلامة، رئيس الرابطة المارونية السفير الدكتور خليل كرم، النائب السابق غسان مخيبر، نائبة رئيس المؤسسة المارونية للانتشار روز الشويري، رئيس جمعية “نورج” فؤاد ابو ناضر وحشد من الفاعليات السياسية والعسكرية والنقابية والدينية ومجلس امناء المركز.

والقى البطريرك الراعي كلمة، قال فيها: “أودّ أوّلًا أن أعرب باسمكم وباسمي عن الشكر والتقدير للمركز الماروني للتوثيق والأبحاث بشخص رئيسه سيادة أخينا المطران سمير مظلوم ومعاونيه في المركز وهيئته العلميّة ولجان البحث، على إصدار هذا الكتاب القيّم “لبنان الكبير- المئويّة الأولى”.

واضاف: “إنّ أهمّ ما يكشف لنا الكتاب هو أنّ دولة لبنان لم تولد من العدم وبسحر ساحر وتُعلن في أوّل أيلول 1920. بل سارت مسيرة تاريخيّة طويلة ضمّت الفكرة والنضال والصمود، وقادها البطاركة الموارنة مع شعبهم ومع القوى المتجذّرة في الجبل اللبنانيّ، عبر عهود صعبة ذاقوا فيها الأمرّين، ولاسيما عهد المماليك (1250-1517) وعهد العثمانيّين. فصقلت هذه المصاعب شخصيّتهم اللبنانيّة الأصيلة. وهيّأتهم لمواصلة هذه المسيرة التاريخيّة حتى يومنا، من دون خوف في نفوسهم، بل بعزيمة شجاعة في إراداتهم، ومحبّة للوطن في قلوبهم، مع شوائب تظهر ثمّ تتبخّر، حتّى قيل: “لبنان مشروع في طور بناء دائم”. هذه الخلاصة مفصّلة في أقسام الكتاب الأربعة: الجذور (الماضي)، الولادة والمسار التاريخيّ (الحاضر) واستشراف المستقبل”.

وتابع: “يشكّل القسم الأوّل ما يسمّى الجذور التاريخيّة أو أساسات دولة لبنان وميزتها كما ظهرت روحيًّا في سيرة القدّيس مارون (+410)، وعمليًّا مع البطريرك الأوّل يوحنّا مارون (686)، والبطاركة المتعاقبين حتى يومنا. ويشكّل القسم الثاني ولادة دولة لبنان الكبير بفضل الوفود اللبنانيّة الثلاثة إلى مؤتمر الصلح في فرساي-باريس سنة 1919، وكان يديرها ويوجّهها البطريرك الياس الحويّك، حتّى إنّه عندما تلمّس تلاعبًا من تحت الطاولة بضمّ لبنان إلى سوريا، ترأس بنفسه الوفد الثاني، بتفويض من جميع المرجعيّات والمكوّنات اللبنانيّة، وقّدم للمؤتمر “مطالب لبنان” الأربعة في 25 تشرين الأوّل 1919، ويتطرّق هذا القسم إلى الصعوبة الداخليّة وهي “مواقف جبل عامل” من لبنان الكبير”.

وأردف: “ويشكّل القسم الثالث النظرة إلى مسار المئويّة الأولى بنجاحاتها وإخفاقاتها. فيقيّم مرحلة الإنتداب الفرنسيّ في لبنان 1920-1943، وصولًا إلى نهايته بالإستقلال الناجز وجلاء الجيوش الأجنبيّة. ثمّ يتطرّق إلى ما يسمّى بالطائفيّة السياسيّة بجذورها وتطوّرها ومحاولات إلغائها. ويتناول المحطّات الداخليّة الصعبة من سنة 1969-2016″. ويشكلّ القسم الرابع والأخير: استشراف المستقبل كضمانة للمئويّة الثانية. فيرى في هذه الضمانة عنصرين: إصلاح النظام الإقتصاديّ، وإعلان حياد لبنان”.

وتابع: “فأتوقّف عند الحياد الملتزم بصون أربعة: الإستقلال والديموقراطيّة والأمن والحريّة. ليس الحياد صيغة معلّبة تصلح لكلّ دولة في كلّ زمان ومكان. الحياد اللبنانيّ هو من صميم الكيان اللبنانيّ كدولة لعبت دائمًا دور الجسر الإقتصاديّ والثقافيّ بين الشرق والغرب بحكم موقع لبنان على الضفّة الشرقيّة من البحر المتوسّط. وهو حيادي بحكم نظامه السياسيّ كدولة ذات تعدّديّة ثقافيّة ودينيّة، وجوهرها ميثاق العيش معًا مسيحيّين ومسلمين كأساس لشرعيّة الحكم، وفي دولة مدنيّة لا دينيّة تقرّ بجميع الحريّات العامّة وفقًا لشرعة حقوق الإنسان. هذا الحياد لا يقيم جدارًا بين لبنان ومحيطه العربيّ، ولا يعني استقالة لبنان من “الجامعة العربيّة”، ومن “منظّمة المؤتمر الإسلاميّ”، ومن “منظّمة الأمم المتّحدة”، بل يعدّل دور لبنان ويفعّله في كلّ هذه المؤسّسات وفي غيرها، ويجعله شريكًا في إيجاد الحلول عوض أن يبقى ضحيّة الخلافات والصراعات”.

وقال: “لا يمكن أن يكون لبنان حياديًّا إزاء أربعة: إزاء إسرائيل، وإزاء القضيّة الفلسطينيّة، وإزاء الإجماع العربيّ، وإزاء التمييز بين الحقّ والباطل. فالحياد المرجوّ هو الإمتناع عن الإشتراك في حروب خارجيّة، وعن توفير دعم مالي وسلاح للقوى المتحاربة، وعن المشاركة في حصار اقتصاديّ في زمن السلم. البرهان أنّ لبنان حياديّ بطبيعته. هو أنّ البيانات الوزاريّة، منذ سنة 1943 مع حكومة الشهيد رياض الصلح حتى يومنا، تؤكّد أنّ سياسة لبنان الخارجيّة هي التحييد والنأي بالنفس. ومعروف لغويًّا أنّ الفرق بين الحياد والتحييد هو أنّ الأوّل (الحياد) هو الإسم العام، أمّا الثاني (التحييد) فهو الفعل الجاري”.

وأضاف: “في 4 شباط 1988 أصدرت اللجان النيابيّة المشتركة البيان التالي: “إنّ تحييد لبنان عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة وإسناد دور له باعتماده من الأمم المتّحدة مقرًّا دوليًّا للحوار بين الأديان والثقافات والإتنيّات هو الذي يعطيه هويّته الحقيقيّة ومعناه بحيث يشعر كلّ إنسان، إلى أيّ دين أو مذهب أو معتقد أو لون انتمى بأنّه في بيته تمامًا، يمارس حريّته الكيانيّة على أكمل وجه في السرّ والعلن وباحترام متبادل مع الآخر الذي يشاركه الحياة”.

وتابع: “ولكن بدأ لبنان يخسر حياده منذ سنة 1969 بتوقيعه على “إتفاق القاهرة” الذي سمحَ للمنظَّمات الفلسطينيَّة القيامَ بأعمال عسكريَّة ضدَّ إسرائيل انطلاقًا من الجنوب اللُّبنانيّ. وكَرَّت سُبحةُ انحياز الدَّولة وفئات لبنانيَّة إلى النِّزاعات العقائديَّة والسِّياسيَّة والعسكريَّة والمذهبيَّة في الشَّرق الأوسط. احتلَّت إسرائيل جنوب لبنان (1978-2000) وسيطرت المنظَّمات الفلسطينيَّة على الجزء الباقي وصولًا إلى وسط بيروت (1969-1982)، ثم دخلَت القوَّات السُّوريَّة لبنان (1976-2005) ونشأ حزب الله حاملًا مشروع الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة بأوجهه الدِّينيّ والعسكريّ والثَّقافي (1981-…)”.

ولفت الى أن “جميعُ هذه الأحداث وقعت بسبب خروج لبنان عن سياسة الحياد المتعارف عليها من دون نصٍّ دستوري. هكذا فقدت الدَّولةُ سلطتَها الدَّاخليَّة، والكيانُ سيادتَه الحدوديَّة، والوطنُ دورَه السِّياسيَّ والصيغةُ توازنَها، والمجتمعُ خصوصيَّتَه الحضاريَّة. ونتجت عن هذا الاختلالِ صراعاتٌ جانبيَّةٌ داخليَّةٌ لا تَقِلُّ ضراوةً عن الحروبِ الأساسيَّة. وها لبنان يترنَّح حاليًّا بين الوحدة والانقسام”.

اضاف: “عندما يتكلّمون عن حياد لبنان، يعطون أمثالًا كحياد سويسرا، وحياد النمسا. ولكن يوجد فرق بينه وبينهما: سويسرا كانت مسرح حروب أهليّة، وتشترك في غالبيّة الحروب الأروبيّة. وإثر هزيمتها في معركة Marignan أمام ملك فرنسا، تأكّد شعبها أنّ بلاده ليست قوّة أوروبيّة لترتكب مغامرات عسكريّة، وتيقّن السويسريّون أنّ انقساماتهم الدينيّة واللغويّة والثقافيّة تحول دون إتباع سياسة خارجيّة واحدة، وسياسية دفاعيّة واحدة، فأعلنوا حيادهم سنة 1515، ثمّ اعترفت به حيادًا دائمًا الدول الأوروبيّة الكبيرة في 20 تشرين الثاني 1815. مع تعزيز الحياد السويسريّ، بدأت المنظمات والجمعيّات الدوليّة تستوطن أرض سويسرا. وسلمت من الإنقسام بين إيطاليا وفرنسا وألمانيا. النمسا خلافًا لسويسرا حيّدت نفسها بنفسها. فتبنّت مبدأ الحياد في 26 تشرين الأوّل 1955، تلافيًا لبقائها مقسّمة أربعة أجزاء بين أميركا وبريطانيا وفرنسا والإتحاد السوفياتي. في كلا الحالين يمكن للبنان أن يتشبّه بأحدهما انطلاقًا من طبيعته لكي ينعم بالسلام الدائم والإستقرار، ويجتذب المؤسّسات الدوليّة، ويستعيد نموّه الإقتصاديّ والمالي والإنمائيّ. لكنّه يحتاج إلى قوّات عسكريّة قادرة على فرض الأمن في الداخل، وحماية حدود الدولة، والتصدي بقواها الذاتيّة لكلّ اعتداء يأتيها من الخارج، والدفاع عن شعبه وعن مواصلة التبادل التجاري السلميّ مع دولة محاصرة”.

وختم: “إنّ كتاب “لبنان الكبير-المئويّة الأولى” مرجع تاريخيّ نفيس، ويشكّل مكسبًا ثمينًا لمن يقتنيه ويسترشد بمضمونه، لذا أرجو له رواجًا واسعًا من أجل فائدة أكبر”.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى